اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى في كتابه الكريم:
{ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } (سورة الزخرف 31-35)
المعنى
﴿وقالوا﴾ أي وقال هؤلاء الكفار
(لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم﴾ يعنون بالقريتين مكة والطائف وتقدير الآية على رجل عظيم من القريتين أي من إحدى القريتين فحذف المضاف ويعنون بالرجل العظيم من إحدى القريتين الوليد بن المغيرة من مكة وأبا مسعود عروة بن مسعود الثقفي من الطائف عن قتادة وقيل عتبة بن أبي ربيعة من مكة وابن عبد ياليل من الطائف عن مجاهد وقيل الوليد بن المغيرة من مكة وحبيب بن عمر الثقفي من الطائف عن ابن عباس وإنما قالوا ذلك لأن الرجلين كانا عظيمي قومهما وذوي الأموال الجسيمة فيهما فدخلت الشبهة عليهم حتى اعتقدوا أن من كان كذلك كان أولى بالنبوة
فقال سبحانه ردا عليهم ﴿أهم يقسمون رحمة ربك﴾ يعني النبوة بين الخلق بين سبحانه أنه هو الذي يقسم النبوة لا غيره والمعنى أبأيديهم مفاتيح الرسالة فيضعونها حيث شاءوا عن مقاتل
ثم قال سبحانه ﴿نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا﴾ أي نحن قسمنا الرزق في المعيشة على حسب ما علمناه من مصالح عبادنا فليس لأحد أن يتحكم في شيء من ذلك فكما فضلنا بعضهم على بعض في الرزق فكذلك اصطفينا للرسالة من نشاء
وقوله ﴿ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات﴾ معناه أفقرنا البعض وأغنينا البعض فتلقى ضعيف الحيلة عيي اللسان وهو مبسوط له وتلقى شديد الحيلة بسيط اللسان وهو مقتر عليه ولم نفوض ذلك إليهم مع قلة خطره بل جعلناه على ما توجبه الحكمة والمصلحة فكيف نفوض اختيار النبوة إليهم مع عظم محلها وشرف قدرها
وقوله ﴿ليتخذ بعضهم بعضا سخريا﴾ معناه أن الوجه في اختلاف الرزق بين العباد في الضيق والسعة زيادة على ما فيه من المصلحة أن في ذلك تسخيرا من بعض العباد لبعض بإحواجهم إليهم يستخدم بعضهم بعضا فينتفع أحدهم بعمل الآخر له فينتظم بذلك قوام أمر العالم وقيل معناه ليملك بعضهم بعضا بما لهم فيتخذونهم عبيدا ومماليك عن قتادة والضحاك
﴿ورحمة ربك خير مما يجمعون﴾ أي ورحمة الله سبحانه ونعمته من الثواب والجنة خير مما يجمعه هؤلاء من حطام الدنيا وقيل معناه والنبوة لك من ربك خير مما يجمعونه من الأموال عن ابن عباس ثم أخبر سبحانه عن هوان الدنيا عليه وقلة مقدارها عنده فقال ﴿ولولا أن يكون الناس أمة واحدة﴾ أي لو لا أن يجتمع الناس على الكفر فيكونوا كلهم كفارا على دين واحد لميلهم إلى الدنيا وحرصهم عليها
عن ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وقيل معناه ولو لا أن يجتمع الناس على اختيار الدنيا على الدين عن ابن زيد
﴿لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة﴾ قوله ﴿لبيوتهم﴾ بدل من قوله ﴿لمن يكفر﴾ والمعنى لجعلنا لبيوت من يكفر بالرحمن سقفا من فضة فالسقف إذا كان من فضة فالحيطان من فضة وقيل إن اللام الثانية بمعنى على فكأنه قال لجعلنا لمن يكفر بالرحمن على بيوتهم سقفا من فضة وقال مجاهد ما يكون من السماء فهو سقف بالفتح وما يكون من البيت فهو سقف بضمتين
ومنه قوله ﴿وجعلنا السماء سقفا محفوظا﴾ ﴿ومعارج عليها يظهرون﴾ أي وجعلنا درجا وسلاليم من فضة لتلك السقف عليها يعلون ويصعدون
﴿ولبيوتهم أبوابا وسررا﴾ أي وجعلنا لبيوتهم أبوابا وسررا من فضة
﴿عليها﴾ أي على تلك السرر ﴿يتكئون وزخرفا﴾ أي ذهبا عن ابن عباس والضحاك وقتادة وهو منصوب بفعل مضمر أي وجعلنا لهم مع ذلك ذهبا وقيل الزخرف النقوش عن الحسن وقيل هو الفرش ومتاع البيت عن ابن زيد والمعنى لأعطي الكافر في الدنيا غاية ما يتمناه فيها لقلتها وحقارتها عنده ولكنه سبحانه لم يفعل ذلك لما فيه من المفسدة ثم أخبر سبحانه أن جميع ذلك إنما يتمتع به في الدنيا فقال ﴿وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا﴾ وقد مر بيانه ﴿والآخرة﴾ أي الجنة الباقية ﴿عند ربك للمتقين﴾ خاصة لهم قال الحسن والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل سبحانه ذلك فكيف لو فعله وفي هذه الآية دلالة على اللطف وأنه تعالى لا يفعل المفسدة وما يدعو إلى الكفر وإذا لم يفعل ما يؤدي إلى الكفر فلان لا يفعل الكفر ولا يريده أولى.
مجمع البيان في تفسير القرآن للفضل بن الحسين الطبرسي (قدس سره)
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين