للمرأة في واقعة الطف حضور بارز تزامن مع جميع مراحل الثورة الحسينية عبر أدوار جهادية ملحوظة , على الرغم من المحذورات التي واكبت الواقعة والموقف العصيب , من القتل والأسر والتشريد والسبي , فالسيدة زينب (عليها السلام) العالمة العارفة والمعلَّمة المحدَّثة والثائرة المجاهدة , إلتحقت بقافلة الثورة لتنتقل من المدينة الى مكة ومنها الى كربلاء ثم الى الكوفة والشام وهي الشاهدة في جميع أحداث النهضة الحسينية تحاور أخاها الإمام الحسين (عليه السلام) وتحرّض الأبطال وتهرول الى ساحة المعركة , وتصرخ في وجوه العسكر , وتقود قافلة العائلة , كما نراها الخطيبة المفوهة ترتجل الخطاب أمام جماهير الكوفة وفي مجلس يزيد حيث رجالات الحكم والتجمع الحاشد من الجند والأعيان ..
مما يدل على أن حضور المرأة ومشاركتها في قضايا الأمة هو الأصل , فقد قيل للحسين (عليه السلام) : فما حملك نساءك وأطفالك ؟ ، فقال : " شاء الله أن يراهن سبايا " .
من هنا تبدو الحاجة لقيام حركة إصلاح لواقع المرأة الإجتماعي وتحريرها من الأعراف والتقاليد غير المشروعة , واكتشاف شخصية المرأة المسلمة الحقيقية على هدي بصائر الوحي ..
فالمرأة المسلمة ضمن سياق تاريخي وتحوّلات إجتماعية , وقعت ضحية ثقافة شعبية ومجتمع ذكوري إختزل حضور المرأة في الإجتماع الإسلامي ليصبح الأصل هو عزلتها , تحت عناوين عدة كسد الذرائع , أو إتقاء الفتنة أو تفادي المحذورات , مما انعكس على تنامي سلبية المرأة نحو المشاركة الإجتماعية .
والملاحظ أن إنسحاب المرأة المسلمة الملتزمة من الساحة الإجتماعية شكّل دائرة تمدد للتيار المتغرب كبديل , أخذ يستقطب الجيل الجديد عبر ثقافات وافدة وبرامج دخيلة , أوقعته في دائرة المحظورات , انعكست كتحديات لازالت تعاني منها الأسرة المسلمة في عصر العولمة وثورة الاتصالات , وهي تفوق بكثير محذورات تصدّي المرأة المسلمة للدور الإجتماعي الفاعل في حدود الآداب العامة للإسلام , حتى أورد بعض العلماء مقولة تفيد بأن الهدى لا يأتي إلا من حيث يأتي الضلال : من الكتاب , والمجلات , والفيلم , والمسرحيات , والقصص والروايات , والمؤسسات , والندوات , والمؤتمرات .
إن التأمل في التجربة الاسلامية المتأخرة والمعاصرة يكشف عن الإرتباط الوثيق بين حضور المرأة في الواقع الاجتماعي وبين نقاوة الأجواء العامة وطهارتها , فلم تتحرج المرأة من الحضور بين أروقة المسجد أو دور العلم , أو سوح الجهاد , أو شعائر الحج , أو إحياء الشعائر الحسينية , مما يكشف كون المجتمع متضامن في تهيئة الأجواء التي تساعد المرأة على الوفاء بمسؤولياتها إزاء اسرتها ومجتمعها .
فالاسلام لم يمنع مشاركة المرأة في الحياة العامة , وإنما وضع لها الآداب والضوابط , والحقيقة أن الحياة العامة تتداخل فيها أبعاد الثقافة والسياسة والاقتصاد مما يؤهل المرأة لمجالات متقدمة في التنمية المجتمعية , فإذا كان الاقتصاد هو فن إدارة البيت , فإن السياسة هي فن إدارة المدينة مما يعني أنه يمكن للمرأة أن تكون جزءً من العملية الاقتصادية والعملية السياسية .
فالمفهوم الحديث للسياسة يتسع فيتخطى المفهوم الضيّق الذي يقتصر على الحكومة والدولة ليشمل سلوك الفرد العادي والتكتلات والهيئات الصغيرة على مختلف أنواعها فيثبت أن في تدبير الأسرة سياسة وكذلك إدارة النادي الرياضي أو الجامعة أو شركة الأعمال كما هو الحال في الأحزاب , وهو الفهم المتقدم الذي يجب أن يرتقي بالعمل النسوي من مستوى الهواة الى المستوى الأحترافي .
إن التجربة المعاصرة للمرأة الشيعية لا تخلو من نماذج متقدمة حيث تخطت التجربة الإيرانية المشاركة الثقافية و المؤسساتيه والسياسية في جدل عن مشروعية تولي المرأة القضاء , وفي ساحة أخرى تقاطعت المرأة مع المقاومة والدور الإعلامي السياسي كمذيعة ومحاورة وهي نماذج نجحت في المواءمة بين الإلتزام الديني والتنمية المجتمعية , ورسمت أفقاً لتأهيل المجتمع من جديد لفهم رسالي لدور المرأة كما اختطته زينب (عليها السلام) في ملحمة كربلاء .
................