
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
صلى الله عليك يا مولاي يا ابا عبد الله الحسين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حيث أدى الإمام السجاد (ع) كل ما بوسعه لإحياء ظلامة أبيه الحسين (ع) حتى إستمرت قضية عاشوراء والنهضة الحسينية المباركة إلى يومنا هذا , بل وستستمر إلى يوم القيامة بإذن الله تعالى .
فقد سعى الإمام زين العابدين (ع) دائماً إلى تشكيل مجالس الحزن والعزاء على سيد الشهداء وعلى شهداء كربلاء وبيان ما جرى فيها من الظلم والجور ...
فكان ببصيرته الثاقبة كلما نظر إلى عماته وأخواته شرع بالبكاء عالياً ...
وإذا ما سقط نظره (ع) على طفل رضيع جرت دموعه على خديه ...
وإذا ما شاهدت عينيه رأساً مقطوعاً حتى إذا كان لحيوان , أو عندما كان يريد الجزار ذبح شاة , فإنه (ع) كان يتأثر بشدة , فقد مر (ع) ذات يوم في سوق المدينة على جزار بيده شاه يجرها إلى الذبح , فناداه الإمام : يا هذا هل سقيتها الماء ؟ فقال الجزار : نعم نحن معاشر الجزارين لا نذبح الشاة حتى نسقيها الماء , فبكى الإمام (ع) وصاح :
والهفاه عليك يا أبا عبدالله , الشاة لا تذبح حتى تسقى الماء وأنت ابن رسول الله تذبح عطشاناً .
لم يذبح الكبش حتى يروى من ظمأ ... ويذبح إبن رسول الله ظمأنآ .
وإذا ما قدموا له طعاماً أو ماءً , تحسر وتأوه حتى يمتزج ذلك بدموع عينيه .
يقول أحد مواليه : (( كان الإمام السجاد (ع) صائماً , وعند الإفطار قدمت له مقداراً من الخبز والماء , ولكنه ما أن نظر إلى الماء , بكى عالياً , قلت : يابن رسول الله , اشرب الماء .
قال (ع) : كيف أشرب الماء , وقد قُتل ابن رسول الله عطشاناً .
قلت : يابن رسول الله كل طعامك !
قال (ع) : كيف آكل طعامي , وقد قُتل ابن رسول الله جوعاناً .
نعم إن البكاء مدرسة حضارية إستخدمها الإمام زين العابدين (ع) لفضح الظلم والطغيان مضافاً إلى الأساليب الأخرى كأسلوب الدعاء وإلقاء الخطب وبيان الأحاديث وتنظيم الكوادر الواعية وما أشبه مما هو مذكور في تاريخ الإمام (ع) .
إن الله عز وجل فطر الناس على حب المظلوم ونصرته , وسلاح الظلامة أقوى وأمضى سلاح على الظالم المعتدي , ومن هنا فإن الإمام زين العابيدن (ع) بعد فاجعة كربلاء جعل من ظلامة أهل بيت العصمة والطهارة (ع) شعاراً لفضح وطعن أعداء الحق وأنصار الباطل .
فكان (ع) في كل المناسبات يذكر مصيبة أبيه وأخوته وأصحابهم (ع) , وكذلك مسألة الأسر وهتك حرمة بنات رسول الله (ص) فكان يندب ويذرف الدموع ويقرأ عزاءهم .
وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : (( بكى علي بن الحسين عشرين سنة وما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال مولى له : جعلت فداك يابن رسول الله إني أخاف أن تكون من الهالكين !
قال : (( إنما اشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون )) , إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة .
وفي رواية قال الراوي : أما آن لحزنك أن ينقضي ؟
فقال له : ويحك أن يعقوب النبي (ع) كان له اثنا عشر ابناً فغيب الله واحداً منهم فإبيضت عيناه من كثرة بكائه عليه واحدودب ظهره من الغم وكا إبنه حياً في الدنيا , وأنا نظرت إلى أبي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني )) .
وهكذا إستطاع الإمام زين العابدين (ع) من إيجاد حركة عاطفية دائمة في أوساط الناس وواقهم الخارجي , حتى تبقى على إثرها نهضة الإمام الحسين (ع) وأهدافه المقدسة حية وخالدة .

فأسل فؤادك من جفونك أدمعا ... وأقدح حشاك من الأسى بزناد
واندب إماما طاهرا هو سيد ... للساجدين وزينة العباد
ما أبقت البلوى ضنا من جسمه ... وهو العليل سوى خيال بادي
ملقى على النطع الذي فوق الثرى ... القوة منه بقسوة وعناد
يرنو لأيتام تضج أمامه ... وتعج إعوالا وراء الحادي
ولصبية تدمي السياط متونها ... فتصاغ أطواقا على الأجياد
ولنسوة فوق النياق حواسر ... تسبى بأسر أرذال وأعادي
ويرى جبين السبط بدرا كاملا ... يزهو بأفق الذابل المياد
والنار يلهب في الخيام سعيرها ... حتى استحال ضرامها لرماد
لهفي عليه يئن في أغلاله ... بين العدى ويقاد بالأصفاد
مضنى وجامعة الحديد بنحره ... غل يعاني منه شر قياد
تحدو به الأضغان من بلد الى ... بلد وتسلمه الى الأحقاد
والشام إن الشام أفنى قلبه ... ألما وآل بصبر ولنفاد
لم يلق فيه سوى القطيعة والعدى ... وشماتة الأعداء والحساد
سل عنه طيبة هل بها طابت له ... بعد الحسين نواظر برقاد
هل ذاق طعم الزاد طول حياته ... إلا ويمزج دمعه بالزاد
أودى به فجنى وليد أمية ... وهو الخبث على وليد الهادي
حتى قضى سما وملأ فؤاده ... ألم تحز مداه كل فؤاد .

* قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): ثلاث منجيات للمؤمن كف لسانه عن الناس واغتيابهم، وإشغاله نفسه بما ينفعه لآخرته ودنياه، وطول البكاء على خطيئته.

عن أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، وكتاب الانوار وهداية الحضيني، واللفظ للطبري قال: في الحديث. قال إبليس - لعنه الله -: يا رب إني (قد) رأيت العابدين لك من عبادك من أول الدهر إلى عهد علي بن الحسين - عليهما السلام - فلم أر فيهم أعبد لك ولا أخشع (لك) (1) منه فأذن لي يا إلهي [ أن ] اكيده لاعلم صبره، فنهاه الله عن ذلك فلم ينته، فتصور لعلي بن الحسين - عليهما السلام - وهو قائم في صلاته ) افعى له عشرة رؤوس محددة الانياب منقلبة الاعين من الحمرة، وطلع عليه من جوف الارض، من مكان سجوده، ثم تطاول فلم يرعه ذلك ولا نظر بطرفه إليه فانخفض إلى الارض في صورة الافعى وقبض على عشرة اصابع (علي بن الحسين وأقبل) يكدمها بأنيابه وينفخ عليها من نار حمومه وهو لا ينكسر طرفه إليها ولا يحرك قدميه عن مكانها ولا يختلجه شدة ولا وهم في صلاته، فلم يلبث [ إبليس ] حتى إنقض عليه شهاب محرق من السماء، فلما أحس به إبليس صرخ، وقام إلى جانب علي بن الحسين في صورته الاولى، وقال: يا علي أنت سيد العابدين، كما سميت وأنا ابليس، والله لقد شاهدت من عبادة النبيين والمرسلين من لدن آدم إلى زمنك ( ، فما رأيت مثل عبادتك ولوددت إنك إستغفرت لي، فان الله كان يغفر لي، ثم تركه وولى

هم الغيـوث إذا ما أزمة أزمـت --- والأُسدُ أُسدُ الشرى والبأس محتـدم
لا ينقص العسر بسطا من أكفهـم --- سيان ذلك ان أثروا وإن عدمـوا
يستـدفع الشر و البلوى بـحبهم --- ويستـرب به الإحسان والنعـم
