هل من جرعة ماء للرضيع!
التفت الحسين عن يمينه فلم ير أحداً من الرجال والتفت عن يساره فلم ير أحداً فخرج علي بن الحسين زين العابدين(ع) وکان مريضاً لا يقدر أن يقل سيفه وأم کلثوم تنادي خلفه یا بني ارجع فقال یا عمتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله فقال الحسين(ع) يا أم کلثوم خذيه لئلا تبقي الأرض خالية من نسل آل محمد(صلى الله عليه وآله). ولما فجع الحسين بأهل بيته وولده ولم يبق غيره وغير النساء والذراري نادى :
«هَلْ مِنْ ذابّ يَذُبُّ عَنْ حَرَمِ رَسُولِ اللهِ؟ هَلْ مِنْ مُوَحِّد يَخافُ اللهَ فينا؟ هَلْ مِنْ مُغيث يَرْجُو اللهَ فِي إِغاثَتِنا؟ هَلْ مِنْ مُعين يَرْجُو ما عِنْدَ اللهِ فِي إِعانَتِنا؟».
وارتفعت أصوات النساء بالعويل فتقدم(ع) إلى باب الخيمة فقال:
«ناوِلُوني عَلِيّاً ابْني الطِّفْلَ حَتّى أُوَدِّعَهُ».
فناولوه الصبي. قال المفيد: دعا ابنه عبدالله فجعل يقبله وهو يقول: «وَیْلٌ لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ إِذا کانَ خَصْمَهُمْ جَدُّک».
والصبي فی حجره إذ رماه حرملة بن کاهل الأسدي بسهم فذبحه فی حجر الحسین فتلقى الحسين دمه حتى امتلأت کفّه ثم رمى به إلى السماء. «اَللّهُمَّ إِنْ حَبَسْتَ عَنَّا النَّصْرَ فَاجْعَلْ ذلِکَ لِما هُوَ خَْيرٌ لَنا».
ثم نزل الحسين(ع) عن فرسه وحفر للصبي بجفن سيفه وزمله بدمه وصلّى عليه. وأضاف العلاّمة المجلسي أنّ الإمام(ع) قال:
«هَوَّنَ عَلَیيّ ما نَزَلَ بي أَنَّهُ بِعَيْنِ اللهِ». قال الباقر(ع): «فَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ ذلِکَ الدَّمِ قَطْرَةٌ إِلَى الاْرْضِ».
وفی رواية أخرى أنّ الإمام(ع) قال: «لا يَکُونُ أَهْوَنَ عَلَيْکَ مِنْ فَصيل، اَللّهُمَّ إِنْ کُنْتَ حَبَسْتَ عَنَّا النَّصْرَ، فَاجْعَلْ ذلِکَ لِما هُوَ خَيْرٌ لَنا».
وروى صاحب معالي السبطين عن أبي مخنف أنّ الإمام الحسين(ع) قال بعد قتل علي الأکبر لأخته أم کلثوم:
«يا أُخْتاهُ أوُصيکِ بِوَلَدي الصَّغيرَ خَيْراً، فَإِنَّهُ طِفْلٌ صَغيرٌ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ سِتَّةُ أَشْهُر». فقالت أم کلثوم له: يا أخي إنّ هذا الطفل له ثلاثة أيّام ما شرب الماء فاطلب له شربة من الماء، فأخذ الطفل وتوجه نحو القوم فقال(ع):
«يا قَوْمِ قَدْ قَتَلْتُمْ أَخي وَأَوْلادي وَأَنْصارِي وَما بَقِي غَیْرُ هذَا الطِّفْلِ، وَهُوَ یَتَلَظّى عَطَشَاً مِنْ غَیْرِ ذَنْب أَتاهُ إِلَيْکُمْ، فَاسْقُوهُ شَرْبَةً مِنَ الْماءِ».
وحسب ما جاء فی (نفس المهموم) قال(ع): «يا قَوْمِ، إِنْ لَمْ تَرْحَمُوني فَارْحَمُوا هذَا الطِّفْلَ».
فبینما کان الإمام(ع) يکلّمهم، فأتاه سهم مشؤم من ظالم غشوم حرملة بن کاهل الأسدی فوقع فی نحره فذبحه من الوريد إلى الوريد، فأخذ الإمام قبضة من دمه وقذف بها إلى السماء. وجاء فی الخبر أنّ الإمام(ع)وضع کفيه تحت نحر الصبي حتى امتلأت دماً وقال:
«يا نَفْسِ اِصْبِري فيما أَصابَکِ، اِلهي تَرى ما حَلَّ بِنا فِی الْعاجِلِ ذلِکَ ذَخيرَةٌ لَنا فِی الاْجِلِ».
کما ورد فی رواية أخرى أنّه(ع) قال:
«اَللّهُمَّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ دَعَوْنَا لِينْصُرُونا فَخَذَلُونا وَأَعانُوا عَلَيْنا، اَللّهُمَّ احْبِسْ عَنْهُمْ قَطْرَ السَّماءِ، وَاحْرِمْهُمْ بَرَکاتِکَ، اللّهُمَّ لا تَرْضَ عَنْهُمْ أَبَداً، اَللّهُمَّ إِنَّکَ إِنْ کُنْتَ حَبَسْتَ عَنَّا النَّصْرَ فِی الدُّنْیا، فَاجْعَلْهُ لَنا ذُخْراً فِی الاْخِرَةِ وَانْتَقِمْ لَنا مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمينَ».
رسائل عاشوراء جديرة جميعها بالسماع وأجدرها وأعظمها رسالة شهادة الرضيع! وأولى هذه الرسائل أن لا أحد مستثنى من مواجهة أعداء الحق. فالجنود الرضع وردوا الميدان إلى جانب الفتية والکهول والتحقوا فی اللحظة المناسبة بالشهداء. طبعاً لکل جندي سلاح، فلهذا سهم ورمح وسيف، ولآخر عنق ظريف وبضع قطرات من الدم الطاهر التي تعد أعظم سند للمظلومية. الدم الذی رش للسماء وعلى الأرض فاکتسب کل منها به عظمة وروعة.
والأخرى أنّ العدو الجائر والظالم قد بالغ فی الجريمة بحیث لم یرحم حتى الرضيع ابن الزهراء فقتله على صدر أبيه! وأمّا الرسالة الأخيرة فهي سهولة احتمال الخطوب والمصائب فی سبیل الله، ذلک أنّ العالم حاضر لديه وکل ما يجري فيه بعينه.
عاشوراء جذورها، أهدافها، حوادثها، معطياتها
التفت الحسين عن يمينه فلم ير أحداً من الرجال والتفت عن يساره فلم ير أحداً فخرج علي بن الحسين زين العابدين(ع) وکان مريضاً لا يقدر أن يقل سيفه وأم کلثوم تنادي خلفه یا بني ارجع فقال یا عمتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله فقال الحسين(ع) يا أم کلثوم خذيه لئلا تبقي الأرض خالية من نسل آل محمد(صلى الله عليه وآله). ولما فجع الحسين بأهل بيته وولده ولم يبق غيره وغير النساء والذراري نادى :
«هَلْ مِنْ ذابّ يَذُبُّ عَنْ حَرَمِ رَسُولِ اللهِ؟ هَلْ مِنْ مُوَحِّد يَخافُ اللهَ فينا؟ هَلْ مِنْ مُغيث يَرْجُو اللهَ فِي إِغاثَتِنا؟ هَلْ مِنْ مُعين يَرْجُو ما عِنْدَ اللهِ فِي إِعانَتِنا؟».
وارتفعت أصوات النساء بالعويل فتقدم(ع) إلى باب الخيمة فقال:
«ناوِلُوني عَلِيّاً ابْني الطِّفْلَ حَتّى أُوَدِّعَهُ».
فناولوه الصبي. قال المفيد: دعا ابنه عبدالله فجعل يقبله وهو يقول: «وَیْلٌ لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ إِذا کانَ خَصْمَهُمْ جَدُّک».
والصبي فی حجره إذ رماه حرملة بن کاهل الأسدي بسهم فذبحه فی حجر الحسین فتلقى الحسين دمه حتى امتلأت کفّه ثم رمى به إلى السماء. «اَللّهُمَّ إِنْ حَبَسْتَ عَنَّا النَّصْرَ فَاجْعَلْ ذلِکَ لِما هُوَ خَْيرٌ لَنا».
ثم نزل الحسين(ع) عن فرسه وحفر للصبي بجفن سيفه وزمله بدمه وصلّى عليه. وأضاف العلاّمة المجلسي أنّ الإمام(ع) قال:
«هَوَّنَ عَلَیيّ ما نَزَلَ بي أَنَّهُ بِعَيْنِ اللهِ». قال الباقر(ع): «فَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ ذلِکَ الدَّمِ قَطْرَةٌ إِلَى الاْرْضِ».
وفی رواية أخرى أنّ الإمام(ع) قال: «لا يَکُونُ أَهْوَنَ عَلَيْکَ مِنْ فَصيل، اَللّهُمَّ إِنْ کُنْتَ حَبَسْتَ عَنَّا النَّصْرَ، فَاجْعَلْ ذلِکَ لِما هُوَ خَيْرٌ لَنا».
وروى صاحب معالي السبطين عن أبي مخنف أنّ الإمام الحسين(ع) قال بعد قتل علي الأکبر لأخته أم کلثوم:
«يا أُخْتاهُ أوُصيکِ بِوَلَدي الصَّغيرَ خَيْراً، فَإِنَّهُ طِفْلٌ صَغيرٌ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ سِتَّةُ أَشْهُر». فقالت أم کلثوم له: يا أخي إنّ هذا الطفل له ثلاثة أيّام ما شرب الماء فاطلب له شربة من الماء، فأخذ الطفل وتوجه نحو القوم فقال(ع):
«يا قَوْمِ قَدْ قَتَلْتُمْ أَخي وَأَوْلادي وَأَنْصارِي وَما بَقِي غَیْرُ هذَا الطِّفْلِ، وَهُوَ یَتَلَظّى عَطَشَاً مِنْ غَیْرِ ذَنْب أَتاهُ إِلَيْکُمْ، فَاسْقُوهُ شَرْبَةً مِنَ الْماءِ».
وحسب ما جاء فی (نفس المهموم) قال(ع): «يا قَوْمِ، إِنْ لَمْ تَرْحَمُوني فَارْحَمُوا هذَا الطِّفْلَ».
فبینما کان الإمام(ع) يکلّمهم، فأتاه سهم مشؤم من ظالم غشوم حرملة بن کاهل الأسدی فوقع فی نحره فذبحه من الوريد إلى الوريد، فأخذ الإمام قبضة من دمه وقذف بها إلى السماء. وجاء فی الخبر أنّ الإمام(ع)وضع کفيه تحت نحر الصبي حتى امتلأت دماً وقال:
«يا نَفْسِ اِصْبِري فيما أَصابَکِ، اِلهي تَرى ما حَلَّ بِنا فِی الْعاجِلِ ذلِکَ ذَخيرَةٌ لَنا فِی الاْجِلِ».
کما ورد فی رواية أخرى أنّه(ع) قال:
«اَللّهُمَّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ دَعَوْنَا لِينْصُرُونا فَخَذَلُونا وَأَعانُوا عَلَيْنا، اَللّهُمَّ احْبِسْ عَنْهُمْ قَطْرَ السَّماءِ، وَاحْرِمْهُمْ بَرَکاتِکَ، اللّهُمَّ لا تَرْضَ عَنْهُمْ أَبَداً، اَللّهُمَّ إِنَّکَ إِنْ کُنْتَ حَبَسْتَ عَنَّا النَّصْرَ فِی الدُّنْیا، فَاجْعَلْهُ لَنا ذُخْراً فِی الاْخِرَةِ وَانْتَقِمْ لَنا مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمينَ».
رسائل عاشوراء جديرة جميعها بالسماع وأجدرها وأعظمها رسالة شهادة الرضيع! وأولى هذه الرسائل أن لا أحد مستثنى من مواجهة أعداء الحق. فالجنود الرضع وردوا الميدان إلى جانب الفتية والکهول والتحقوا فی اللحظة المناسبة بالشهداء. طبعاً لکل جندي سلاح، فلهذا سهم ورمح وسيف، ولآخر عنق ظريف وبضع قطرات من الدم الطاهر التي تعد أعظم سند للمظلومية. الدم الذی رش للسماء وعلى الأرض فاکتسب کل منها به عظمة وروعة.
والأخرى أنّ العدو الجائر والظالم قد بالغ فی الجريمة بحیث لم یرحم حتى الرضيع ابن الزهراء فقتله على صدر أبيه! وأمّا الرسالة الأخيرة فهي سهولة احتمال الخطوب والمصائب فی سبیل الله، ذلک أنّ العالم حاضر لديه وکل ما يجري فيه بعينه.
عاشوراء جذورها، أهدافها، حوادثها، معطياتها
