قال الله تعالى في كتابه الكريم : " إِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ " الأمر بالسجود هنا كان للملائكة , و إبليس كان من الجن , فهو لم يكن على حسب ظاهر هذا الخطاب بالسجود , فكيف تم عتابه و طرده و لعنه على هذا الأساس ؟ أما القول بأن إبليس كان في صف الملائكة بسبب عبادته و لذا شمله الأمر ؟؟
مجمل الحديث أن الاستثناء في قوله تعالى : {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}، استثناء منقطع وهو أمر سائر في كلام العرب، يستخدمونه لمعاني وإن جاءت زائدة على موضوع الكلام لكن يستهدفون توضيحها يقول العلي العظيم: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ }، فالموضوع هو إثبات الشك في قلوبهم بقرينة ما جاء أولا:{ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ}، والمعنى الآخر هو أنه كثيرا ما يشتبه العلم بالظن على الناس فيغلطون من يخالفهم في التصورات وكأنهم عالمين بالأمر علم اليقين ولا يهجس ببال أحد منهم أنه ظن لا أكبر ولا أكثر!
ونحوه قول شاعر العرب:
وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس
فليس اليعافير والعيس بمؤنس ولكن أراد الشاعر أن يطرد توهم أنه لم يكن شيء في تلك البلدة فاستثناهم على أنهم ليسوا من جنس المؤنس ولكن دخلوا فيه لأدنى ملابسة وسوف يأتيك شرح المصطلح إن شاء الله تعالى.
ثم أن الآية التي تنقل لنا محاكمة إبليس الغوي لم تبنى على غاية واحدة وهي بيان علاقة مخلوقات عالم الملكوت الأرفع بآدم فقط ، بل شأنها أن تكشف عن أشياء عديدة في كلمات يسيره.
· منها: إظهار الحقيقة من خلقه وأنه لم يوجد إلا لأجل العبادة والخضوع لله عز وجل فكان عليهم أن يفتتحوا ذلك بالسجود وهو الأبلغ في حالات العبادة لله سبحانه .
· وفيها: الإعلان ببدء الخدمة والتدبير لهذا المخلوق سواء في الأرض حيث يقف الملائكة على كل نبتة وجبل وبحر ويابس ووضع عين الرقابة على سلوكه وكتابتها، أوفي السماء بتقدير أموره والاستغفار للصالحين من جنسه أو لعن الظالمين منهم، وهذا معنى نقتنصه من رد إبليس{ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ }، فكأنه رفض أن ينضم إلى حركة الخدمة ؟!
· ويليها: تحقيق إيمان الملائكة وعصمتهم في الأذهان وذلك من خلال قرن الأشياء بأضدادها
وبضدها تتميز الأشياء
ولكن لم تكن الآية لوحدها وافية ببيان ذلك لكل المستويات العقلية فكان لابد من ربط القرآن بعضه ببعض، وسأتولى التوضيح هنا:
تحدث عن غريزة الاستكبار، وليس الاستكبار كصفة مؤقتة وحتى نصل إلى ذلك المعنى يجب أن نلاحظ:
عقب حالة الاستكبار في إبليس بقوله:{ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}، فكان هنا ليس بمعنى صار وإن سلم به بعض المفسرين بل هي أقرب إلى لمح الغريزة لأن غير المعصوم يحمل هذه الغريزة وإن كتمها بجهاده لنفسه .
عليك أن لا تكتفي بهذا ولكن استمع الكلام إلى آخره:
تحدث عز اسمه عن الملائكة:{ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}، وفي موطن آخر:{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ...}، أي أن هذه هي صفة الملأ الأعلى على الدوام إذ أن الوصف لم يخصص بحالة معينة ليكون محدودا بها ولا يفيد تأبيدا كما في قول الجليل مرة أخرى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بئاياتنا الذين إِذَا ذُكّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }، فإن الخطاب هنا مؤسس لا حاكي بمعنى أنه يطلب ممن يريد أن يؤمن ويدله على طريق ذلك وهو أن يتبع حين ذكر الله عز وجل الحالة المؤمى إليها من السجود والتسبيح وعدم الاستكبار عن ذلك .
* ما هو ناتج النفي والإثبات ؟
يستخلص من هذا العرض أن نفي الاستكبار عن الملائكة أجمع و إثباته لإبليس أنه ليس من جنسهم وإلا لكان النفي هنا وإثبات هناك لغو لا يتبع قصدا وهو محال على الكلام الحكيم. .
· وأهمها: أن دخول إبليس في الخطاب لا يمثل مشكلة لغوية لأن الذوق العربي يقبل بإضافة الشيء إلى ما لا يتصل به مباشرة وتسمى " الإضافة لأدنى مناسبة "، أو " الإضافة لأدنى ملابسة "، والمثال قوله { لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}، وقول علي عليه السلام :
"" عبد الشهوة أذل من عبد الرق""، فإن الدلوك لا يكون للشمس، بل للعين الناظرة إلى الشمس، والعبودية لا تكون للشهوة ولكن المنساق وراء شهواته يصير عبدا للإنسان أو المال الذي يمثل غريزته بملابسة الشهوة !
الحمد لله تعالى رب العالمين
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
صلى الله عليك يا مولاي يا ابا عبد الله الحسين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سلمــــت أناملكـــــــم الولائيــــــة الطـــــاهرة
دمتم وداااام إبداعكــــــم لا عدمنا طلتكم النورانية
قضى الله حوائجكم وسهل أموركم بحق سيدي ومولاي أبي الضيم الإمام الحسين (( عليه السلام ))
رزقكم الله تعالى في الدينا زيارته وفي الآخرة شفاعته
نسأل الله لكم دوام الموفقيـــــة والســـــداد
دمتم بحفظ الله ورعايته
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ربي يجزاك خير الجزاء أختي العزيزة على الطرح المبارك
الله يوفقكم ويقضي جميع حوائجكم وينور قلوبكم بنور آيات القرآن العظيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحسنتِ أختي الكريمة قلب أبيــض بارك الله فيكِ وجزاكِ الله كل خيـــر ( في الطاعة راحة الوجدان ، ولذة الجزاء . وفي المعصية ندامة الضمير ، وعقـاب الرب...)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
أشكرك أختي الغالية على الطرح الرائع
جزاك الله ألف خير
ووفقك لما يحب ويرضى
بحق محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
غاليتي شكرا لكم على الطرح الرائع
كما أضيف بأن الله تعالى قال في سورة الكهف في الاية 50 قوله تعالى (إلا إبليس كان من الجن ....)
هذه دلالة وتصريح واضح وبين على ان ابليس كان من الجن وليس من الملائكة
سلمت يمناك على الطرح المبارك
اللهم اسقِ قلوبنا بذكرك حتى تروى، واشبع أرواحنا بطاعتك حتى تقوى