القلب:بالمعنى المادي هو تلك القطعة اللحمية التي تقع في الجانب الأيسر من الصدر, والتي وظيفتها ضخ الدم إلى كافة أعضاء الجسم وأما بالمعنى الروحي المعنوي الذي نحن بصدده هو: اللطيفة الروحانية التي تقع في كل كيان الجسم ولا يخلو الجسم منها.
وقد جاءت كلمة القلب في القرآن الكريم والتي تعني بالروح والعقل ولهذا فإن ( القلب السليم) بالمصطلح القرآني الروح الطاهرة السالمة من كل دنس الخالية من كافة أشكال الشرك والشك والفساد والغي.[1]
القرآن وقسوة القلب:
لقد ذكر القرآن الكريم قسوة القلب في أكثر من موقع وكانت كلها بصيغة الذم طبعاً, لكونها من الصفات التي يبغضها الله أن تكون في العبد,قال تعالى﴿لو كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ... ﴾آل عمران159,وقال سبحانه ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ..﴾البقرة74
أنواع القلوب:
هناك أربعة أقسام أو أنواع للقلوب سوف نقتصر على ذكرها بشكل مختصر كما جاء في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام والذي يريد التزود أكثر من الشرح المطول بهذه الأنواع عليه أن يأخذه من مظانه من الكتب المشهورة المعتبرة التي تعتني بهذا الموضوع عناية خاصة مفصلة كجامع السعادات للنراقي والأربعون حديثاً للإمام الخميني والقلب السليم للسيد الشهيد دستغيب وغيرها .
على كل حال إن سلامة القلب ( المعنوي) يتوقف عليه سلامة جميع أمور الشخص الحياتية والأخلاقية والعقائدية.
تماماً كالقلب المادي فمتى ما كان القلب المادي سليماً, عملت جميع أعضاء البدن بشكل سليم والعكس صحيح, أي إذا كان القلب المادي مريضاً يؤثر على كيان الجسم بأكمله, لأن القلب يضخ الدم إلى جميع خلايا الجسم فمتى ما وصل الدم إليها عملت بشكل جيد ومتى ما انقطع الدم عنها أو وصل إليها بشكل غير سليم تعطلت عن العمل, فسلامة القلب سواء أكان المادي أو الروحي تتوقف عليه سلامة الإنسان بكلا بعديه الجسماني والروحي.
أسباب قساوة القلب:
هناك أسباب تجعل القلب ميتاً قاسياً ومن جملتها:
1- كثرة الذنوب:
عندما تتراكم أدران الذنوب على القلب تصيّره قاسياً لا يميل إلى هداية قط, ولا يؤثر فيه حتى كلام الأنبياء والمعصومين والشواهد على ذلك كثيرة سواء من القرآن الكريم عندما يتحدث عن أقوام عاشوا في عصر الأنبياء وكانوا من المعاندين والجاحدين ولم يؤثر فيهم توجيه ونصائح أنبيائهم وكل ذلك بسبب قساوة قلوبهم, وكذلك يحدث التاريخ عن أناس عاشوا مع الأئمة المعصومين عليهم السلام وقد آذوهم وقتلوهم ولم يؤثر في قلوبهم القاسية كلام المعصوم فكانت النتيجة تعاسة في الدنيا وعذاب أبدي في الآخرة, وقصة الإمام الحسين عليه السلام أكبر شاهد على ذلك, فالإمام الحسين عليه السلام عمل على خطب فيهم ونصحهم وتذكرهم ووعظهم ولكنهم كالخشب المسندة لم تمل إلى هداية بسبب قساوة قلوبهم التي صيروها قاسية كالحجارة بل أشد قسوة.
قــست القلـــوب فما لها مـــن لينة تباً لهاتيك القلوب القــاسية
فكانت السبب الرئيس في قتلهم ابن بنت نبيهم فخسروا الدنيا والآخرة.
2- الغفلة عن ذكر الله:
إن الغفلة عن ذكر الله تسبب انصراف القلب عن التوجه لله سبحانه وبالتالي يقسو, والقلب القاسي بعيداً عن الله على عكس تماماً من يواظب على ذكر الله, يكون قلبه رطباً طرياً رحيماً صافياً, ومستوجباً للفلاح في الدنيا والآخرة ( واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون).[2]
أمَّا كثرة الكلام والثرثرة والخوض في أمور الناس تستوجب قساوة القلب, روي عن لسان عيسى المسيح عليه السلام:( لا تكثروا بالكلام بغير ذكر الله فتقسوا قلوبكم فإن القلب القاسي بعيد من الله...).[3]
3- الفرح بكثرة المال:
كثير من الناس تراهم يترددون على المساجد في حالة تديّن وتوجه لله وعندما يرزق بالخير الكثير من مال وعقار وغير ذلك لا ترى لهم أثراً في مسجد ولا مجلس ذكر وعندما تسأل عن حاله عن قرب تراه قد انجرف في متاهات الدنيا وزخرفها وشهواتها وجميع مادياتها.
وقضايا الأسهم خير شاهد على ذلك, ولو جلسنا نعدد قصصاً وأموراً واقعية حصلت لملأنا مئات الصفحات من المآسي التي تألم القلب على أحوال الناس وخاصة من كانوا متدينين ومتوجهين لله, وكيف أصبحوا بعيدين كل البعد عن الله بسبب توجههم للمال واهتمامهم به لدرجة أنستهم ذكر الله وانقطاعهم عن المساجد وتأخيرهم للصلاة هذا إذا بقيت الصلاة في مجال اهتمامهم, وإن صلوا, صلوا صلاة وملأ فكرهم و قلبهم الأسهم وقضايا المال, وهذا الأمر ليس وليد اليوم, بل أنها مشكلة الأنسان منذ القدم وحتى أيام رسول الله صلى الله عليه وآله ترى الناس حول رسوله مواظبين معه في المسجد ينهلون من منهله الروي, وعندما تكثر أموالهم تراهم غيّباً لاهين بالدنيا ومتاعها, ( وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائما .....).[4]
يروى أن أحد الصحابة طلب من الرسول صلى الله عليه وآله أن يدعو له أن يكثر الله غنمه ليصبح غنياً, فنصحه الرسول بأن هذا الحال أفضل له من الغنى, لكن الرجل لم يقبل وأصر وألح على الرسول أن يدعو له بأن يكثر الله غنمه ويصبح غنياً, استجاب له الرسول و دعا له, و بالفعل كثر الله غنمه وأصبح عنده قطيع من الغنم كبيرٌ جداً وكثرة أمواله إلى حد الثراء.
هذا الرجل كان يواظب على حضور الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وآله في كل يوم وجميع الفرائض, كلما ازداد الثراء تقطع عن الحضور, أصبح يحضر فريضة واحدة في اليوم ثم مرة واحدة في الأسبوع وثم مرة في الشهر وهكذا حتى انقطع بتاتاً عن الحضور في المسجد,وعندما جاء وقت الزكاة أرسل له الرسول رجلاً ليأخذ منه الزكاة فقال:قل لصاحبكم ويعني بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله أنه ليس عليَّ زكاة ولن أدفع شيئاً,وهذا حال كل من يتوجه إلى المال بهذه الوجهة الخاطئة جاعلاً المال ربه الأعلى ناسياً من الذي رزقه هذا المال وهو قادر على سلبه منه.
وعليه ترى أئمتنا عليهم السلام كانوا يحذرون الناس من مغبة هذا الأمر الذي يقسي القلب وينسي ذكر الله, روى عن الإمام الصادق عليه السلام جاء فيه: ( أوحى الله عز وجل إلى موسى: يا موسى لا تفرح بكثرة المال, ولا تدع ذكري على كل حال, فإن كثرة المال تنسي الذنوب, وإن ترك ذكري يقسي القلوب).[5]
4- طول الأمل:
كثيرةٌ هي الأحاديث التي تحذر من طول الأمل, والتركيز على هذا الأمر من قبل الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار عليهم السلام, لكون طول الأمل يجعل الإنسان في عالم وهمي مليء بالخيالات غير الواقعية والملهية الإنسان عن اهتماماته الجادة الحقيقية النافعة وفي مقدمتها ذكر الله والتوجه إليه.
ومن جملة تلك الأحاديث الإرشادية الأخلاقية الراقية ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنَّه قال: (أخوف ما أخاف عليكم طول الأمل وحب الدنيا).
كما ورد في حديث من جملة كلام الله سبحانه وتعالى عزه, مع موسى عليه السلام ( يا موسى لا يطول في الدنيا أملك فيقسو قلبك والقاسي القلب مني بعيد).
وكفى الواحد منا بنفسه بصيراً من أمر نفسه ويحاول جاهداً أن يفتح مسامع قلبه لتلك الأحاديث النورانية لينيرَ بها مملكة قلبه, ليسير على هدى من الله ورسوله ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾التغابن8, و يؤسس بنيانه على أساس التقوى من الله حتى لا ينهار وينجرف إلى الهاوية ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾التوبة109.
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصل اللهم على محمد وآله الأطيبين الأطهرين