اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
سيرٌ إلى الله في طريق تهذيب النفس(2)
لقد أولى الله سبحانه وتعالى قضية تزكية النفس أهمية خاصة, وقد ذكرها في القرآن مراراً وقد جعلها نتيجة للفلاح حيث قال ﴿قد أفلح من زكاها﴾ هذا بعد أن أكدا عليها تأكيداً كبيراً وأقسم على ذلك قبلها سبعة أقسام لما لها من الأهمية الكبرى و العناية الخاصة, بل إنه سبحانه لم يرسل الرسل والأنبياء إلى العباد إلا لأجل تزكية نفوسهم ﴿هو الذي بعث في الأميين رسول منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم﴾ وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) أي إن رسالة جميع الأنبياء كانت رسالة أخلاقية وجاء النبي محمد صلى الله عليه وآله ليتم ما جاؤا به, ومن ضمن مواضيع الأخلاق تزكية النفس.
التزكية كما هو واضح تعني التطهير أي تطهير النفس من الشوائب والأدران العالقة بها من جراء الذنوب والآثام والأمراض الأنفسية من تكبر غرور وحقد وحسد وبغض وأنانية وحب نفس وحب دنيا و....و....إلخ، كل هذه الصفات الذميمة عبارة عن أصنام تعبد من دون الله ولابد من تطهير النفس من تلك الأصنام حتى تكون طاهرة مطهرة لله وحده لا شريك له وأول ما يبدأ السالك بصنم حب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة وهو صنم الأصنام وأكبرها وهو الذي يجر العبد إلى عبادة بقية الأصنام, فإذا عمل السالك على هدم هذا الصنم سهل عليه هدم بقية الأصنام, فشمِّر عن ساعديك وابدأ الهدم بفأسي العزيمة والإرادة ولا تخف أحداً وكن مع الله يكن الله معك وينصرك (من كان مع الله كان الله معه), ﴿إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم﴾ وواصل الهدم... هدماً بعد هدم وإن طال المسير فإن له وصول حيث لكل سير وصول, وسوف تصل إن شاء الله إلى ﴿قد أفلح من زكاها﴾ واعلم إن هذه المرحلة مرحلة (التخلية) التي يخلي السالك نفسه أي يطهرها من جميع الأصنام والشوائب وأوساخ الدنيا والمادة حتى تغدو أرض نفسك خصبة صالحة طاهرة لتزرع فيه (مرحلة التحلية) جميع الصفات الفاضلة, فلنبدأ بالصنم الأكبر.
حب الدنيا:
اعلم إن حب الدنيا يودي بك في المهالك ويبعدك عن السعادة والهناء وكثيرةٌ هي تلك الروايات التي رويت عن الرسول وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم في ذم حب الدنيا ووصف هذا الحب المذموم بأن محله الرأس من كل خطيئة ترتكب, وما الدنيا إلا دار يمر بها الإنسان ليصل عن طريقها إمّا إلى دار الشقاء والعذاب الأبدي أو إلى دار الأمان والسعادة الأبدية فكلٌ بحسب نوع سيره, فمن يسير في الدنيا في خط التزكية والمجاهدة ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾ سوف يدله الله ويهديه سبل النجاح والفلاح ﴿قد أفلح من تزكى﴾ ويكون مأواه الجنة وأي جنة إنها جنة لقاء غاية آمال العارفين وحبيب قلوب الصادقين سبحانه وتعالى عزه , ومن يسير في الدنيا في خط الأهواء والشهوات والرغبات المحرمة فسوف يكون مآله الخيبة والندامة والحسرة ﴿وقد خاب من دساها﴾.
كيفية هدم صنم حب الدنيا:
قليلٌ من التأمل والتفكر والتدبر في آيات القرآن الكريم التي تذكر الدنيا بذم وعدم استحسان التمسك والتعلق بها وأيضاً روايات الرسول وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام والاعتبار بالذين رحلوا عنها وخلفوا أموالهم التي كانوا يكدحون في جمعها وأولادهم الذين كانوا يتفاخرون بهم وعمرانهم الذي عمروه وما إلى ذلك من أمور تجعل الإنسان يقف ويفكر ولو للحظات قليلة ماذا سوف يكون مصيره بعد هذه الدنيا؟, هل تجهَّزَ وتعبَّأ في هذه الدار للانتقال للدار الأخرى, وقطعاً بل ويقيناً إن هناك داراً تتصف بالخلود لا فناء فيها ومادام الإنسان يحب الخلود فإن هناك داراً لذلك. فإن العطش يدل على وجود الماء, فعلى الإنسان العاقل ألا يبيع دار خالدة بلذاتها الأبدية بدنيا فانية لذاتها منقطعة وتبقى تبعاتها تطارده وتبقى معه تعذبه.
(قال أحد المؤمنين : ذات يوم توجهت لزيارة مرقد الإمام الرضا عليه السلام.. قرأت الزيارة الجامعة من كل قلبي وكنت أعيش معانيها وكأني أخاطب أهل البيت فحلقت روحي, وكنت أشع بالسعادة والبهجة كما لو كنت حمامة تخلصت روحي , من القضبان والقفص وراحت تحلق صوب منابع النور والضوء.
ولكن يا للحسرة كنت أشعر وأنا في تلك الحالة بأن حجراً ثقيلاً معلقاً في قدمي يشدني إلى الأرض حتى أسقط.. نظرت إلى ذلك الحجر فإذا مكتوب عليه (حب الدنيا) هو مصدر كل الخطايا.[1]
ماذا أفعل يا الهي لكي أجتاز هذه العقبة يجب ألا يكون في قلبي حب للدنيا ولو مقدار ذرة.
آه يا ربي ماذا أفعل مع حب الدنيا؟
لماذا أجهل هذه الحقيقة.. إن الدنيا لعب ولهو؟.
لماذا لا أدرك أنني سأغادرها وليس في وسعي أن آخذ منها شيئاً.[2]
أليست هي زاخرة بالمتاعب؟
أليست هي محفوفة بالأخطار والبلايا؟[3]
وهل يخلد فيها أحد أم هي باقية لأحد, فلماذا أتعلق بها وأركن إليها؟!
لماذا أورط نفسي في شباكها.. لا.. لا ينبغي لي أن أتعلق بها ولو مقدار ذرة..
يجب علي أن افترض نفسي راحلاً عنها مفارقاً لها, فلا يبقى في قلبي تعلق بها.
سأترك كل شيء وأرحل.. سأرحل مودعاً الحياة؛ بيتي وأبنائي وأموالي وحتى بدني.. أجل كل شيء.. وسأرحل وحيداً مجرداً من كل شيء, وسأقف في رحاب ربي, فإذا كان لي تعلق بالدنيا فلن أكون حاضراً بكل كياني أمام الهي وعندها سيحل بي غضب ربي.. سيطردني ويصب عليّ اللعنة كما طرد الشيطان من حضرته فيما مضى.. ستلاحقني لعنته إلى يوم القيامة.
فلماذا احب دنيا كهذه؟ ولماذا أخلق لنفسي كل هذه المتاعب؟.. أحمد الله إنني تخلصت من حب الدنيا ببركة أهل البيت.. كحمامة تخلصت من الفخ واتجهت إلى السماء سمت نفسي وحلقت صوب الحقائق المتألقة.
قال لي: كان يوم عرفة.. وكنت أقرأ دعاء سيدي الحسين في هذا اليوم.. لم أكن قد انتهيت بعد عندما وقعت لي مكاشفة!!
رأيت نفسي في حال سأشرحها بعد لحظات ولأني رأيت الدنيا في صورة فقد حل بعضها في قلبي ولم أعد أثق بها.
في تلك المكاشفة رأيت نفسي في وادٍ تحيط به جبال شاهقة من كل جهاته فكان كهاوية سحيقة لا يمكن الفرار منها, ولو أن صخرة وقعت من أعلى القمم لسقطت فوق رأسي.
فشعرت بالوحشة والرهبة, وما زاد في رعبي إني رأيت صخوراً تنقلع من القمم فهي تتجه نحوي وكان مكتوباً على كل صخرة بلاء من بلايا الدنيا, ولو سقطت علي لدفنتني فأشقى بذلك إلى الأبد.
وفي الأثناء تألقت في عيني أنوار أهل البيت وأحاطت برأسي تتطلع إلى مسكنتي..
فتوسلت بـ(بقية الله) شكوت له.. قلت له: إن البلايا تنصب على رأسي.. فألوذ بك يا سيدي!
(أنت يا مولاي كريم من أولاد الكرام, ومأمور بالضيافة والإجارة فأضفني وأجرني صلوات الله عليك وعلى آبائك الطيبين).[4]
فقال لي إنها ستتوقف عند حدودها.. وتناهى لي صوت رخيم يرتل بآيات القرآن.. وكان صوتاً لم أسمع مثله في حياتي كلها!
﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾.[5]
﴿أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل﴾.[6]
﴿إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا اطمأنوا بها والذين هم عن ءاياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون﴾.[7]
﴿إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلنه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون﴾.[8]
﴿إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور﴾.[9] ﴿فأما من طغى وءاثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى﴾.[10]
آه يا له من صوت يخطف القلوب ويا لها من كلمات مؤثرة تأخذني بعيداً عن حب الدنيا وتقربني من الآخرة..
لكني ما زلت في تلك الهاوية تحيطني الجبال الشاهقة ولا أدري ماذا أفعل؟!
وعادني الهم مع انقطاع الصوت حتى أخذ على قلبي وعادت الصخور تهوي باتجاهي.. فبكيت وكلما اتجه نحوي حجر توسلت بواحد من أهل البيت وسلمني الله ببركتهم.
وأدركت كم هي سيئة هذه الدنيا وكم مجنون من يتعلق بها, لا عقل لمن يحب دنيا تهوي عليه بالبلايا من كل صوب ولا نجاة لأحد من بلاياها إلا من استضاء بنور أهل البيت ولاذ بهم وفاء إلى ظلالهم الوارفة.
(من أتاكم نجا ومن لم يأتكم هلك).[11]
الآن وقد مرت عشرون من السنين على تلك المكاشفة لم يصبني من بلايا الدنيا شيء.. لأني كنت لائذاً بحمى أهل البيت عليهم السلام, ذات يوم كنت في مجلس حسيني, وقارئ يتلو مصاب سيد الشهداء, ذكر إعراض أصحاب الحسين عليه السلام عن الدنيا, وبكيت لمصابهم وبكيت لمصابي أنا لماذا لم أكن مثلهم..
فجأة رأيت نفسي في حالة.. لم أكن نائماً.. أجل.. ولعل ما حصل لي كان مكاشفة.. مكاشفة تختلف عن المكاشفات العادية.
وعلى أي حال رأيت نفسي في السجن, وكان السجن في فوضى وكان بعض الأشقياء يؤذون الآخرين, ولم يكونوا يكترثون للسجان وكانوا يشيعون أخباراً مختلفة عن خارج السجن.
يقول أحدهم: إذا تحررتم من السجن فإن الملك القوي سوف يقبض عليكم ويعذبكم أشد العذاب بل وسيرميكم في النار ولن يمهلكم لتتنفسوا نفساً واحداً.
الذين صدقوا هذه الشائعة لم يكونوا يرغبون في الخروج من السجن فالسجن بكل آلامه لديهم أفضل.
الجهلة من الذين فقدوا ذاكرتهم نسوا بالمرة ما وراء قضبان السجن, وكانوا يقولون: لا يوجد شيء خارج السجن فكل ما هو موجود هو هذا السجن, ولذا فأنهم يرفضون الخروج من السجن.
ولكن كان هناك بضعة أفراد يدركون أنهم في السجن, سجن مع الأعمال الشاقة, وأن السجن في فوضى وأن حقوق السجناء المحدودة تسحق تحت الأقدام.. كانوا يدركون أي نعمة هي خارج السجن وأي لذة وأي قصور جميلة هي بانتظارهم.. لهذا كانوا يعدون اللحظات, وكانوا يقدمون طلباً بإطلاق سراحهم يومياً..
وفي هذه الأثناء همس أحدهم في أذني:
مثل هذا السجن ومثل هؤلاء السجناء مثل الدنيا وأهلها.[12]
فلو أنك قلت لهذين الفريقين؛( خلصكم الله من هذا السجن) فكأنك قلت لأحد من أهل الدنيا: (أماتك الله), ولكنك لو قلت لذوي العقل من أولياء الله: أماتك الله فكأنك قلت له: خلصك الله من هذا السجن وسيبتهج بما قلت له كما فعل أصحاب سيد الشهداء الحسين عليه السلام عشية عاشوراء, فقد كانوا فرحين لأن غداً سيطلق سراحهم من السجن... سجن الدنيا.[13]
﴿قل يأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبدا ...﴾.[14]
قال لي: لو أن امرأً التفت إلى أخبار المعصومين في ذم الدنيا والثناء عليها لعالج في ذاته مرض حب الدنيا, وأدرك قيمتها.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ( نعم العون على طاعة الله المال).[15]
ويقول الإمام الصادق عليه السلام: (نعم العون على الآخرة الدنيا).[16]
ويقول الإمام الباقر عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله):العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال).[17]
ويقول الإمام الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله:(ملعون من ألقى كلَّه على الناس).[18]
ويقول الإمام السجاد عليه السلام:(الدنيا دنياءان: دنيا بلاغ, ودنيا ملعونة).[19]
فالدنيا في رؤية الإمام دنيا يفيد المرء منها قدر ما يحتاج والأخرى ملعونة لا خير فيها.
ويقول الإمام الباقر عليه السلام: (من طلب الرزق في الدنيا استعفافاً عن الناس وسعياً على أهله وتعطفاً على جاره لقي الله عز وجل ووجهه مثل القمر ليلة البدر).[20]
قال الإمام الصادق عليه السلام: (الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله).[21]
وقال في رجل قد سمعه قائلاً: (لا قعدن في بيتي ولأصلِّين و لأصومنَّ و لأعبدنَّ ربي فأما رزقي فسيأتيني , قال عليه السلام: هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم).[22]
وقال عليه السلام: (إن الله ليحب الاغتراب في طلب الرزق).[23]
وقال له رجل: (والله إنا لنطلب الدنيا ونحب أن نؤتيها.
فقال عليه السلام: تحب أن تصنع بها ماذا؟
قال أعوذ بها على نفسي وعيالي وأصل رحمي أتصدق بها وأحج وأعتمر. فقال: ليس هذا طلب الدنيا, هذا طلب الآخرة).[24]
وقال في مناسبة أخرى: ( ليس منا من ترك دنياه لآخرته).[25]
وقال نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله: ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء).[26]
وقال صلى الله عليه وآله في مناسبة أخرى:( الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لله منها).[27]
وقال صلوات الله عليه وآله:(من أحب دنياه أضر بآخرته, ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى).[28]
وقال عليه وآله الصلاة والسلام: (حب الدنيا رأس كل خطيئة).[29]
وقال عليه وآله الصلاة والسلام: (يا عجباً كل العجب للمصدِّق بدار الخلود وهو يسعى لدار الغرور).[30]
وقال صلى الله عليه وآله: (من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء, وألزم الله قلبه أربع خصال: هماً لا ينقطع عنه أبداً, وشغلاً لا يتفرغ منه أبداً, وفقراً لا ينال غناه أبداً, وأملاً لا يبلغ منتهاه أبداً).[31]
وقال الإمام الصادق عليه السلام: (الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له).[32]
وروى عليه السلام عن جده صلى الله عليه وآله قوله: (مالي وللدنيا إنما مثلي ومثلها كمثل الراكب رفعت له شجرة في يوم صائف فنام تحتها ثم راح وتركها).[33]
وقيل لأمير المؤمنين عليه السلام صف لنا الدنيا فقال: (وما أصف لك من دار أولها عناء وآخرها فناء, في حلالها حساب وفي حرامها عقاب من استغنى فيها فتن ومن افتقر فيها حزن ومن ساعاها فتنته ومن قعد عنها واتته ومن أبصر بها بصرته, ومن ابصر إليها أعمته).[34]
وقال عليه السلام:
يا أهل لذات دنيا لا بقاء لـــــها إن اغـــتراراً بظــل زائل حــــمق[35]
وقال الإمام الصادق عليه السلام: (مــا أعجب رســول الله من الدنيــا ألا إن
ويكون فيها جائعاً خائفاً).[36]
وقال لقمان لابنه وهو يعظه: ( يا بني بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعاً, ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعاً).[37]
وتمثلت الدنيا لعيسى(ع) في صورة امرأة زرقاء فقال لها:كم تزوجت؟ قالت كثيراً قال فكم طلقك؟ قالت بل كلهم قتلت! قال: فويح أزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بالماضين) [37]
وقال (ع): ( الدنيا جسر فاعبروها ولا تعمروها).
وقال أيضاً: ( إنما الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها).[38]
وكتب أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى سلمان الفارسي: ( أما بعد فإنما مثل الدنيا مثل الحية لين مسها قاتل سمها, فاعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها, وضع عنك همومها لما أيقنت به من فراقها وتصرف في حالاتها, وكن آنس ما تكون بها أحذر ما تكون منها, فإن صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور اشخصته عنه إلى محذور, أو إلى إيناس إزالته عنه إلى إيحاش والسلام).[39]
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ( إنما مثل صاحب الدنيا كمثل الماشي في الماء, هل يستطيع الذي يمشي في الماء ألا تبتل قدماه).[40]
وقال الإمام الصادق عليه السلام: (مثل الدنيا كمثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتى يقتله).[41]
وقارن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله متاع الدنيا بالآخرة قائلاً: ﴿ما الدنيا في الآخرة إلا كمــثل ماء البحر كلمــا شرب مـنه العطـشان ازداد عطشــاً حتى يقتله﴾.[42]
وعن الإمام الكاظم عليه السلام: إن لقمان وعظ ابنه قائلاً: ( يا بني إن الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير, فلتكن سفينتك فيها تقوى الله وحشوها الإيمان, وشراعها التوكل وقيمها العقل, ودليلها العلم وسكانها الصبر).[43]
وروى الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه الباقر عليه السلام قوله: (مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القز كلما ازدادت على نفسها لفاً كان ابعد لها من الخروج حتى تموت غماً)[44] .
فهذا قبس من كلام النورانيين المعصومين عليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم يُنير لنا ما حجبه حب الدنيا عن بصيرتنا لكي لا نغتر بها ونركن إليها ونتيه في لذاتها وشهواتها الظلمانية,ونأخذ منها ما يوصلنا إلى الله سبحانه,ونترك منها ما يبعدنا عنه تعالى عزه.
وللحديث تتمة إن شاء الله.
1] (حب الدنيا رأس كل خطيئة) بحار الأنوار ج72 ص90 ح62.
[2] (الدنيا دار ممر لا دار مقر). نهج البلاغة حكمة 133.
[3] (دار بالبلاء محفوفة) نهج البلاغة خطبة 217.
[4] زيارة يوم الجمعة/ مفاتيح الجنان ص120.
[5] القرآن الكريم, سورة الأنعام/ الآية: 32.
[6] القرآن الكريم, سورة التوبة/ الآية:38.
[7] القرآن الكريم, سورة يونس/ الآيتان:7-8.
[8] القرآن الكريم, سورة يونس /الآية:24.
[9] القرآن الكريم, سورة لقمان/ الآية: 33.
[10] القرآن الكريم, سورة النازعات/ الآية: 37-41.
[11] القمي ,مفاتيح الجنان ,الزيارة الجامعة الكبيرة.
[12] (الدنيا سجن المؤمن) الخصال ج1/53.
[13] خرج حبيب بن مظاهر يضحك, فقال له يزيد بن الحسين: ما هذه ساعة ضحك. قال حبيب: وأي موضع أحق بالسرور من هذا؟ ما هو إلا أن يميل هؤلاء بسيوفهم فنعانق الحور. رجال الكشي/ 53, مقتل الحسين/ 216.
[14] القرآن الكريم, سورة الجمعة/ الآية:6.
[15] وسائل الشيعة 6/17.
[16] المصدر السابق 12/11؛ مسند أحمد 3/128؛ سنن النسائي 7/61.
[17] وسائل الشيعة 12/11.
[18] وسائل الشيعة 12/118.
[19] أصول الكافي 2/ 317.
[20] وسائل الشيعة 12/11.
[21] أصول الكافي 5/ 88.
[22] وسائل الشيعة 12/ 14.
[23] أصول الكافي 5/ 88.
[24] وسائل الشيعة 12/19.
[25] من لا يحضر الفقيه 2/51؛ وسائل الشيعة 12/49.
[26] المحجة البيضاء 5/353.
[27] المصدر السابق.
[28] المستدرك للحاكم النيسابوري 4/ 319.
[29] المحجة البيضاء 5/ 353.
[30] المصدر السابق.
[31] المصدر السابق 5/355.
[32] أصول الكافي2/ 129.
[34] المحجة البيضاء 5/ 311.
[35] نهج البلاغة الخطبة 82.
[36] المحجة البيضاء 5/ 362.
[37] أصول الكافي 2/ 129.
[38] المحجة البيضاء 6 / 399.
[39] بحار الأنوار 73/ 93؛ الخصال 1/ 33.
[40] نهج البلاغة الرسالة 65.
[41] المحجة البيضاء 6/ 12.
[42] أصول الكافي 2/ 136.
[43] المحجة البيضاء 6/ 14.
[44] أصول الكافي 1/6؛ بحار الأنوار 78/ 299.
[45] أصول الكافي 2/ 134.
[46] المصدر نفسه.