إن الإسلام الذي جاء به رسول الإنسانية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقدمه ذلك التقدم الملحوظ حمل بين طياته عدة قوانين مهمة عملت على نشره في شتى أرجاء العالم الأكبر. فمن أشهر هذه القوانين المهمة التي كان لها دور كبير في تقدم المسلمين ونجاحهم في مختلف الميادين هو قانون: اللين واللاعنف، الذي أكدت عليه آيات القرآن الكريم المباركة فضلا عن الأحاديث الشريفة الواردة، وهو قانون لا يتصور أن يكون بمعزل عن بقية القوانين الأخرى، التي هي بمثابة منهج حياة متكامل ، دون تغييب لمنهج على حساب آخر.
ففي القرآن هناك أكثر من آية تدعو إلى اللين والسلم ونبذ العنف والبطش، ونحن نشير إلى ذلك باختصار:
قال تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتقْوَى وَلاَ تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) (سورة البقرة: 237).
وقال سبحانه: (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوء فَإِن اللهَ كَانَ عَفُواً قَدِيراً) (سورة النساء: 149).
وقال عز وجل: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) (سورة النور: 22).
وقال تعالى مخاطبا رسوله الأكرم بأن يعفو عن المسلمين: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر) (سورة آل عمران: 159).
وقال سبحانه: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِن اللهَ يُحِب الُْمحْسِنِينَ) (سورة المائدة: 13).
وقال تعالى: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) (سورة البقرة: 109).
وقال سبحانه: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) (سورة البقرة: 178).
وقال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ) (سورة البقرة: 219).
وآيات الذكر جاءت لتؤكد على مسألة السلم والسلام، فقد قال عز من قائل مخاطباً عباده المؤمنين: (يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السلْمِ كَافةً) (سورة البقرة: 208).
وقد دُعي الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الجنح للسلم إذا جنح إليه المشركون، فقال عز من قائل: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكلْ عَلَى اللهِ) (سورة الأنفال: 61).
وقال تعالى داعياً عباده المؤمنين إلى اعتزال القتال إثر جنوح المشركين إلى السلم: (فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا) (سورة النساء: 90).
وقال عز وجل في صفات المؤمنين: (وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً) (سورة الفرقان: 63).
وقال الله تعالى مخاطباً رسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): (وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السيئَةُ ادْفَعْ بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنهُ وَلِي حَمِيمٌ) (سورة فصلت: 34).
وقد قال شيخ المفسرين الطبري في تفسير هذه الآية: (وقيل: لا تستوي الخصلة الحسنة والسيئة، فلا يستوي الصبر والغضب، والحلم والجهل، والمداراة والغلظة، والعفو والإساءة). ثم بين سبحانه ما يلزم على الداعي من الرفق بالمدعو، فقال: (ادفع بالتي هي أحسن) خاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ادفع بحقك باطلهم، وبحلمك جهلهم، وبعفوك إساءتهم، (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)، معناه: فإنك إذا دفعت خصومك بلين ورفق ومداراة، صار عدوك الذي يعاديك في الدين، بصورة وليك القريب، فكأنه وليك في الدين، وحميمك في النسب) (مجمع البيان: ج9 ص23).
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تكرارا ومرارا يدعو أصحابه إلى الدفع بالتي هي أحسن، والإحسان إلى المسيئين، فقد وفد العلاء بن الحضرمي عليه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي أهل بيت أحسن إليهم فيسيئون، وأصلهم فيقطعون، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ادْفَعْ بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنهُ وَلِي حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقاهَا إِلا الذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقاهَا إِلا ذُو حَظ عَظِيم) (سورة فصلت: 34 ـ 35) فقال العلاء بن الحضرمي: إني قد قلت شعرا، هو أحسن من هذا!.
قال: (ما قلت)؟ فأنشده:
وحي ذوي الأضغان تسب قلوبهم
تحيتك العظمى فقد يرفع النغل
فإن أظهروا خيرا فجاز بمـثله
وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل
فإن الذي يؤذيك منه سمـاعه
وإن الذي قالوا وراءك لم يقل
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن من الشعر لحِكَماً، وإن من البيان لسحراً، وإن شعرك لحسن، وإن كتاب الله أحسن) (أمالي الشيخ الصدوق: ص619 المجلس 90 ح6).
وفي سورة الكافرون يقول تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَليَ دِينِ) (سورة الكافرون: 6). وفي آية أُخرى يدعو القرآن الكريم المؤمنين إلى عدم إيذاء الكافرين وإثارتهم عبر سب آلهتهم فقال سبحانه: (وَلاَ تَسُبوا الذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم) (سورة الأنعام: 108).
(وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِن اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (سورة التغابن: 14). وقال سبحانه: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) (سورة النور: 22). وقال تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِن اللهَ يُحِب الُْمحْسِنِينَ) (سورة المائدة: 13).
وقال عز وجل مخاطباً الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: (وَإِن الساعَةَ لآَتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصفْحَ الْجَمِيلَ) (سورة الحجر: 85). وقال سبحانه: (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (سورة الزخرف: 89). وقال عز وجل: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) (سورة البقرة: 109). هذا بالإضافة إلى الآيات التي تدل على الغفران والغض عن السيئة والمحبة والإحسان وما أشبه.
الکاتب: السيد محمد الحسيني الشيرازي
................