اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم واهلك عدوهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الجريمة:
كان من «عادة السيد(رحمه الله) أن يقيم مجلس التعزية في (البرانية) يوم الجمعة، ليلة السبت وينتهي المجلس في الساعـة 8 ليلاً، وبعدها يخرج سماحته إلى بيته مع ولديه، حيث يوصلانه إلى هناك ويعودان إلى داريهما. وفي الليلة التي استشهد فيها خرج السيد على عادته مع ولديه بلا حماية ولا حاشيـة نظراً لان المسافـة إلى البيت كانت قريبـة، وفيما كانوا يقطعون الطريق إلى بداية منطقة (الحنانة) في إحدى ضواحي النجف القريبة وعند الساحة المعـروفة بـ (ساحة ثورة العشرين) جاءت سيارة اميريكة الصنع (اولدزموبيل) ونزل منها مجموعـة من عناصر السلطة وبأيديهم أسلحة رشاشة وفتحوا النار على سيارة السيد، فقتل أولاده على الفور، وبقي سماحته على قيد الحياة لكنه نقل إلى المستشفى مصاباً برأسه ورجليه، وبقي قرابة الساعة بالمستشفى ثمّ قضى نحبه شهيداً. وبعد استشهاده حضر جمع من مسؤولي السلطة إلى المستشفى، وذهب آخرون إلى بيته ولم يسمحوا بتجمهر المعزّين أو الراغبين بتشييع جنازته، ولذا قام ولدا السيد الشهيد بتشييعه ليلاً ومعهم ثمانية رجال وبعض النساء، حيث تم دفنه في المقبرة الجديدة في وادي (الغري)».
http://alfatimi.tv/files/videos/1317494515fc264.flv[/alfatimitv]
من قال إن الصدر غيبه الثرى
أوما تراه بمقلتي مغروسا
خسأ الممات فصدرنا بدمائه
أعطى لكل العالمين دروسا
حقاً توهمنا بموت زعيمنا
فبدا لنا وجه الزمان عبوسا
فإذا بنا الأموات بعد رحيله
وإذا به الحي المقيم طقوسا
قدسته حيأ وميتاً ناطقاً
يهدي الى الحق المبين نفوسا
أحيا الشريعة في البلاد بأسرها
وأنار درباً مظلماً منحوسا
أكبرته صدراً عظيماً شامخاً
جعل الفؤاد بذكره مهووسا
قد صرت من حزني وفرط تأوهي
أنعى قياماً فقده وجلوسا
ردود الأفعال على جريمة الاغتيال
ردود الأفعال الداخلية:
حفر الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر حضوراً عميقاً في قلوب العراقيين وضمائرهم، وتحوّل هذا الحضور إلى حب ورابطة قلّما تجسّدت بين الشعب العراقي وبين فقيه من الفقهاء، ولا يمكن حصر مظاهر وتجليات هذا الحب في سلوكية الناس قبل وبعد اغتيال الصدر الثاني، فبعض هذه المظاهر والتجليات كانت تعكسها صور ودرجات التفاعل معه المعلنة من خلال خطب الجمعة.
لقد تحوّل الصدر الثاني إلى رمز وقضية في الوجدان العراقي، والعراقيون بمعظمهم لا يريدون أن يصدّقوا أن الصدر اغتيل. وبعد اغتياله واظب اغلبهم على أداء صلاة الجمعة رغم الأجواء الأمنية المشحونة بالتوتر والاختناق.
لقد كان الصدر الثاني يمثّل لهم الطموح والأمل والصدق والقيادة التي يريدون، وبعد اغتياله توقعت الكثير من الصحف العربية والأجنبية حدوث انتفاضات في معظم المدن العراقية وهذا ما حصل بالفعل.
فبعد اغتيال الشهيد محمّد محمد صادق الصدر اندلعت من جامع المحسن في تظاهرات صاخبة أغلقت الشوارع الرئيسية للمدينة من جهة قناة الجيش وساحة المظفر والحبيبية وحي جميلة، ورفعت شعارات ضد صدام حسين وندّدت باغتيال الصدر، وقذفت جداريات صدام بالوحل، وهرعت قوات فدائيي صدام يقودها قصي صدام الذي اتخذ موقع قيادة له في نقطة قريبة من قناة الجيش ليوجّه عملية قمع الانتفاضة بنفسه، وأكد شهود عيان توجه 12 دبابة وعدد من المدرعات والسيارات التي تحمل الدوشكات الأحادية والثنائية نحو المدينة وأخمدت الانتفاضة في اليوم الأول لها بعد سقوط ما يقرب من 50 قتيلا وجرح 200 آخرين فيما سقط 17 قتيلا في صفوف الجيش، وكذلك اندلعت مظاهرات ومواجهات في مدينة الناصرية، ولعل هذا يفسر اصطحاب وزارة إعلام بغداد عدداً من مراسلي الصحف إلى بعض أجزاء مدينتي الثورة والناصرية بعد انتهاء المواجهات».
أما مدينة النجف الاشرف فقد حدثت فيها صدامات محدودة بعد حادث الاغتيال حيث كانت مطوقة بالدبابات والأسلحة الثقيلة بشكل لم يحصل من قبل إطلاقاً كما أن دوريات السلطة كانت تملأ الأزقة والشوارع التي كانت شبه خالية من الناس.
ويكاد يتفق الجميع على أن هذه الاحتجاجات والصدامات والاضطرابات قد حصلت في عدة مدن من العراق في رد فعل غاضب على هذه الجريمة.
لقد قام الشعب العراقي بانتفاضة محدودة كرد فعل على اغتيال الشهيد الصدر الثاني لأنه يدرك انه لا يملك أدوات هذا الفعل، ولان قيادته التي كان يراهن عليها قد اغتيلت إلاّ أن اللافت هو انه بعد هذه الانتفاضة المحدودة فإن أعمالاً ثأرية منظّمة قد بدأت داخل العراق، وان وضعاً من تحدّي السلطة عبر عدم الالتزام بأوامرها قد تبلور بشكل أكبر، وان صلاة الجمعة رغم معارضة السلطة أقيمت في أكثر من مدينة عراقية، ولو أنها توقفت في مسجد الكوفة، وكل ذلك يدلّل على أن ردوداً مؤجّلة قد تفجّر داخلياً انتقاماً لاغتيال الشهيد الصدر الثاني الذي تحوّل قبره إلى مزار يومي لآلاف العراقيين.
فاللافت إن ردود الفعل، لا سيما العسكرية أخذت سيراً تصاعدياً، ولقد شكّلت عمليات يوم 19 / 3 / 1999 في مدينة البصرة مفاجأة للسلطة وذلك عندما سقطت لعدة ساعات بيد الثوار وتم فيها مقتل محافظ البصرة ومدير الأمن فيها، كما تم في هذه العملية محاكمة أكثر من عشرين عنصراً حزبياً وامنياً، تم إعدامهم على الفور، وان العمليات التي سبقت هذه العملية أظهرت تطوّراً نوعياً في القدرة على الخداع والتمويه واللجوء إلى أساليب تغطية معقّدة إذ إن «سيارات فخمة وحديثة معظمها من نوع شبح مرسيدس أخذت تجوب المدن الرئيسية في العراق، وعندما تقترب من المسؤولين في الحزب أو الدولة، سواء كانوا في سياراتهم أم راجلين فان من في داخل السيارات المذكورة يفتحون النار على المسؤول، وتنطلق السيارة من دون ارتباك إلى واجهتها بعد تنفيذ أفرادها المهمة المكلّفين بها، ولقد سجّلت العديد من هذه الحوادث في مدن بغداد والحلة وكركوك والسماوة وتركّزت بشكل كبير في تكريت، بعد أن باتت الأجهزة الأمنية شبه عاجزة عن ملاحقة هذه السيارات لعدم تمييزها عن سيارات المسؤولين الكبار، فضلا عن إنها سيارات حديثة وسريعة يصعب على المفارز والدوريات ملاحقتها، وقد أطلق المواطنون على هذه السيارات تسمية (سيارات السيد) نسبة إلى المرجع الشهيد السيد محمد محمّد صادق الصدر.
كما أن معلومات من داخل العراق تقول إن الثوار في إحدى هذه العمليات استخدموا الملابس والإشارات التي يستخدمها فدائيو صدام حسين.
ردود فعل خارجية:
ومن ردود فعل الشارع العراقي، إلى ردود فعل العراقيين في الخارج بأعدادهم الكبيرة الموزّعة على دول عربية وإسلامية وأوروبية، فان هنالك مشتركاً في قوى رد الفعل هذا مع فارق في سياقاته وطرق التعبير عنه، فلربما لم يحصل في تاريخ تواجد العراقيين في الخارج ردّ فعل لهم على حدث معين، مهما كان هذا الحدث، مثلما حصل في موقفهم إزاء خبر استشهاد الصدر الثاني، فبالإضافة إلى بيانات الاستنكار التي أصدرتها الحركات والأحزاب العراقية بمختلف اتجاهاتها الفكرية والسياسية، فإن المسيرات والمظاهرات الاحتجاجية التي اندلعت في إيران وسوريا ولبنان والأردن ودول أوروبية وأميركا واستراليا وأماكن أخرى من العالم كانت من الشمولية والقوة والتحدي ما أظهر لأول مرة حضوراً عراقياً مؤثراً ومتفاعلا مع ما يحصل داخل العراق، إذ إن ظاهرة الشهيد محمد محمد صادق الصدر لم تمثل أملاً لعراقيي الداخل وحسب، بل إنها مثّلت أملاً مشحوناً بالجدل للكثير من كوادر وقواعد الحركة الإسلامية خارج العراق، التي اصيب بعضها بالانشقاقات والتعدُّد السلبي.
لقد توحد الجميع في استنكار اغتيال الصدر الثاني، إلاّ إن هذا التوحّد جاء متأخراً ويعبّر عن تتويج «قسري» أو غير طبيعي للمواقف فرضه حادث الاغتيال، إذ إن زمن ما قبل الحادث اختزن تناقضاً حاداً بين مواقف الحركات والأحزاب بين داعم للظاهرة ومحارب لها، واختزن تناقضاً حاداً في سياسة المحاربين لها بين موقفهم من الاغتيال، وموقفهم قبل الاغتيال، والذي تسبب في إحدى الحالات باحتجاجات عنيفة بسبب الموقف السلبي من مرجعية الصدر الثاني.
على أية حال، لم تقتصر ردود الفعل على اغتيال الصدر الثاني على العراقيين في الخارج، وإنما تم استنكار هذا العمل من الجمهورية الإسلامية في إيران، ومن مراكز عديدة للشيعة في العالم، وفي لبنان حالت هذه الجريمة دون استقبال رئيس المجلس النيابي نبيه بري لوزير خارجية النظام الحاكم في العراق محمد سعيد الصحاف، ومن خلال ما تقدم يمكن القول:
* إن رد الفعل الخارجي للعراقيين على اغتيال الصدر الثاني شكّل حالة تكاد تكون استثنائية على وتيرة تعاطيهم مع الأحداث داخل العراق، فلقد جاء هذا الرد قوياً وممزوجاً بالإحساس بالمظلومية التي لحقت به، وحجم الخسارة التي حلّت بالشعب العراقي بفقدانه.
* كما إن هذا الرد جاء شمولياً، لم يستثن تقريباً كل أماكن تواجد العراقيين في الخارج.
* كما انه ردّ مندّد بعملية الاغتيال ليس من قبل الحركات الإسلامية العراقية فقط، إنما من قبل معظم الأحزاب والحركات العراقية المعارضة الأُخرى، بالإضافة إلى تنديد واستنكار وسائل الإعلام، وشيعة العالم ومنظمات حقوق الإنسان في العالم، وأحزاب وحركات إسلامية وعلمانية عربية وبالأخص في لبنان.
ا لسلام على الجسد المسجى ومنه يشع الضياء . السلام على شهيد العارفين . السلام على نهج السائرين . السلام على نائب المعصومين المظلومين
يتبع