ســورة الممتحنــة
قـال تـعالى :
(ان يثقفوكم يكونوا لكم أعداء و يبسطوا اليكم أيديهم و ألسنتهم بالسوء و ودوا لو تكفرون )((267)) .
ان الـرمـز الـملحوظ أعلاه ((يبسطوا اليكم أيديهم و ألسنتهم بالسوء)) ينطوي على جملة من الاسرار الفنية لعل أوضحها نقل الرمز من تركيبه المألوف الى تركيب جديد له .
فمن المعروف أن بـسط اليد هو رمز للعطاء, فقد استخدمه القرآن الكريم في الدلالة المذكورة , كما هو بين , الا أن الاستخدام الجديد لهذا الرمز جاء في الموقع الذي تحدث عنه الان , مقرونا بجملة سمات , منها :
نقله أو تـوظيفه في سياق سلبي هو بسط اليد بالسوء, و هذا النقل أو التوظيف ينطوي ليس على مجرد التوظيف الجديد, بل على نقله مادة الاستعارة , و هي العطاء المالي , الى العطاء العسكري , و هو المساعدة مثلا, ثم توظيف ذلك الى ما هو سلبي بدلا من الايجابي , أي نقله من المساعدة الى الـمـحـاربـة ,فـالنص يتحدث عن العدو مشيرا الى أنه يبسط يده بالسوء بالنسبة الى الاسلاميين ,
هذايعني كما قلنا أن الرمز قد استخدم في سياق مضاد مما يهبه طرافة و اثارة , كما هو بين ,مضافا الى أن بسط اليد نفسه في استخدامه الجديد يـظل مرتبطا بظاهرة المساعدة التي تتم عادة عن طريق اليد, من حيث استخدامها للسلاح .
و الاشد اثـارة و طـرافة أن هذا الرمز قد تمدد استخدامه و استطال و اكتسب اثارات ممتعة حينما وظفه الـنـص القرآني الكريم ليس في عملية المساعدة المرتبطة باليد, كالعطاء المالي أو العسكري أو غـيـرهـمـا,مـمـا له علاقة بالاستخدام اليدوي , بل تجاوز به الى تخوم جديدة تتصل باللسان أو الكلام من حيث كونه أداة تعبيرية أو اعلامية عن المساعدة أو المعاداة , فاليد و اللسان كما هو واضح يـجسدان أداة المساعدة أو المعاداة عسكريا و اعلاميا, و هذا ما وظفه النص حينما نقل بسط اليد بـالـسـلاح الى بسط اللسان بالسوء,
و بهذا الاستخدام يكون النص قد سلك أكثر من منحى فني في عـمـلـيـات توظيف الرمز,
فأولا نقل بسط اليد الى بسط اللسان ,كما قلنا,
و ثانيا نقله من الزاوية الايـجـابية المساعدة الى الزاوية السلبية أو المعاداة ,
محققا بذلك تجانسا مع بسط اليد بالسلاح في الرمز الاول ((و يبسطوا اليكم أيديهم )) من جانب ,و توظيفا جديدا لعملية البسط باللسان من جانب آخـر.
و الاشـد اثـارة مـن ذلك كله من جانب ثالث هو نقل الرمز من بسط اليد بالسلاح الى بسطها بالسوء, حيث ان استخدامه لعبارة ((السوء)) بصفتها جديدا له طرافته و اثارته , أي نقل هذا الرمز مـن اسـتـخـدامـه الـمـألوف للسلاح الى استخدام مطلق ما هو سلبي , بحيث يشمل السلاح المادي المعروف و غيره من أشكال المساعدة المادية , فضلا عن الجانب الجديد لعملية البسط باللسان .
و فـي ضـوء هـذه الـحـقـائق , نـجد أن النص القرآني الكريم قد حفل , من خلال العبارة الرمزية الـمـذكـورة (و يـبـسـطـوا... بـالسوء) بجملة من التوظيفات الفنية للرمز المذكور بالنحوالذي أوضحناه.
267- الممتحنة / 2 .
مجمع البحوث الإسلامية