اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
حب الشهرة
حب الشهرة من الأمراض الروحية التي يجب على السالك أن ينتبه إليها وأن لا يسمح إلى ولو ذرة من (حب الشهرة) أن يدخل قلبه فيحجبه عن الله سبحانه وتعالى عزه, لأنه متى ما دخل حب الشهرة قلب الإنسان فسوف يجعل أكثر الأعمال التي يقوم بها من أجل هذه الهدف وليس من أجل الله وبالتالي يكون معبوده وعشقه الاشتهار عند الناس, فمثلاً يريد أن يشتهر بأنه عالم فتكون دراسته من أجل هذا الهدف الذي وضعه لنفسه من قبل أن يعزم على الدراسة أو يحب أن يشتهر بين الناس بأنه عامل نشط للإسلام وخدمة الدين والناس, يكثر من الأعمال والأنشطة حتى يعرف عند أكثر الناس بنشاطه و يعلو صيته في أرجاء المنطقة التي يقطنها.
زلة اللسان تكشف الإنسان:
كان لي أحد الأصدقاء من المعممين (طالب علم) وكان مجداً مجتهداً في دروسه واكتشفت أنه مصاب بهذا المرض (حب الشهرة), بزلةٍ من زلات لسانه,لأنه كما قلنا سابقاً إن أكثر هذه الأمراض الروحية تكون خفية عن الناس وعن حتى صاحبها, فتظهر بعض الأحيان بسبب موقف من المواقف فيصرح بها صاحبها, وإليكم الموقف الذي حصل.
كنت مع صاحبنا هذا في احتفال عرس وبعد قليل جاء أحد الطلبة المعممين أيضاً من الذين له مكانة في قلوب أكثر الحاضرين في ذلك الاحتفال, فقام أكثر الناس احتراماً له ولمكانته عندهم وهم يهتفون بالصلاة على محمد وآل محمد, وانهال أصحاب الكاميرات عليه بالتصوير والحاضرون بالسلام عليه وتقبيل جبينه, كل هذا وصاحبنا ينظر ونفسه امتلأت غيضاً مما يحصل, بعد الحفل بفترة زمنية, ذهبت إلى زيارته ونحن نتجاذب أطراف الحديث أنتقل يتحدث عن الحفل وما قام به الناس لذلك المعمم وأنه تضايق من تصرفهم هذا, وقال: يفعلون كل هذا وينهالون عليه بالتصوير ولا يفعلون هذا مع الذي يخدمهم (وكان يشير إلى نفسه) ماذا فعل هو لهم حتى يعاملوه بكل هذه الحفاوة؟ وبعد ذلك وبكل صراحة يقول أنا أريد أن أشتهر في المجتمع كما أشتهر فلان ( أحد المشايخ العاملين) وأن تكون لي شعبية في المجتمع مثله, ولم يكتف بذلك بل يسأل عن الكيفية التي تجعله مشهوراً,فتأمل ولا تتعجب,فإن عشت أراك الدهرُ عجباً.
آثار مرض حب الشهرة:
لهذا المرض آثار تعود على الفرد المصاب به بالحسرة والندامة في الدنيا والآخرة, في الدنيا تراه دائماً متألماً إذا لم يصل إلى الهدف الذي ينشده وفي الآخرة يغدو صفر اليدين من أعماله فيتفاجأ من خلو صحيفته من أعماله الكثيرة التي عملها في الدنيا, فيأتيه الجواب خذها من الذي عملت من أجله, فحينئذٍ يتحسر على أعماله التي راحت هباءً منثوراً ويندم ولات حين مندم.
ومن آثار هذا المرض أيضاً ينتج عنه أمراض أخرى خطيرة مثل العجب بالأعمال وبالنفس والغرور والرياء, فتسيطر عليه أشد سيطرة وتتحكم في تصرفات و سكناته وأقواله ويصبح أسيراً لها.
وعلى السالك طريق الحق والحقيقة أن يتحرر من عبودية هذا الهوى ولا يسمح لهذا المرض الخبيث أن يسري إلى قلبه فيحل فيه وهو حرم الله (القلب حرم الله فلا تُسكن في حرم الله غير الله) فبدلاً أن يكون سائراً لله, يصبح سائر إلى الشهرة, الذي إن وصل إليها لا يرتوي منها أبداً فهي كما البحر إن شرب منه ازداد عطشاً, فكلما حصل على شهرة في مجال ما وفي مكان ما, أراد أن يحصل على شهرة في مجالات أخرى وفي أماكن عديدة وهكذا.
لو يعلم الطالب للشهرة كم هي مكلفة ومتعبة ومسببة لكثرة الانشغال لما سعى إليها, ولكن حبه لها يعمي بصيرته عن ذلك.
فكلما اشتهر الإنسان قصده الناس أكثر, وطلبوا منه ما قد لا يتحمله ولكن بما أنه مريض بهذا المرض تراه يضغط على نفسه من أجل معبوده (حب الشهرة) وربما يكون على حساب أهله وأولاده و وقته وصحته وراحته.
يقول أحد المعلمين في علم العرفان:( لا أدري لماذا يحب البعض الشهرة بالرغم من الأضرار التي تلحقهم بسببها, وغياب المنفعة من ورائها؟!
إنهم يحبون أن يكونوا معروفين بين الناس والأعجب من هذا أن بعضهم مفتون بالشهرة إلى حد يود أن يكون مشهوراً ولو بالصيت السيئ, فهم يتباهون بمعروفيتهم بين الناس.
وهذا مرض ولا ريب.. مرض نفسي يجب علاجه خاصة لمن يريد السير إلى الله وأن يبلغ الحقيقة الحقة و حق الحقيقة.
ذات ليلة رأيت في عالم الأطياف نفسي في حضرة (بقية الله) روحي فداه وطلبت منه أن أحظى بقربه قلت له: أريد أن أكون معك يا سيدي دائماً.
قال لي: لا, لأنك أصبحت مشهوراً ومعروفاً بين الناس, ولو أخذتك معي لحدثت ضجة بين الناس وتساءلوا: ماذا جرى لفلان؟ وهذا لا ينسجم مع خطي, ولو كنت في مثل زمان طفولتك غير مشهور بين الناس لاصطحبتك معي.
قال لي أحد العلماء: منذ بداية حياتي وأنا لا أعمل عملاً إلا كان نصفه من أجل الشهرة.. أريد أن أكون معروفاً يعرفني الناس, والآن وقد بلغت مرادي أدركت أن أسوأ الأشياء أن يكون الإنسان معروفاً ومشهوراً.. لأن الإنسان المشهور يخسر, وفيما يخسره حريته.. وسيقصده الناس بما لا يحتمل ولا يطاق والأسوأ من كل هذا أنَّ هذه الشهرة ستكون سداً في طريق تكامله الروحي وسترسخ حب الجاه في نفسه.
ولذا إذا أراد المرء أن يطوي طريق التكامل المعنوي بحرية, فعليه أن يبتعد عن حب الشهرة منذ شبابه ولا يدع للشهرة طريقاً تسلكه إليه.
وقد قال الإمام الصادق عليه السلام لمعروف الكرخي: (أقلل معارفك [1] ). [2]
وهذا الإرشاد من الإمام عليه السلام ليس معناه أن تكون انطوائياً على نفسك,منزوياً عن المجتمع,لا, وإنما من باب (ألهاكم التكاثر ) بأن لا تلهيك كثرة المعارف عن الاهتمامات الأولوية في حياتك وخاصة عن بنائك لنفسك وعلاقتك بربك.
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
[1] مجمع البحرين مادة معروف الكرخي.
[2] السيد حسن الأبطحي, بين يدي الأستاذ/ ص ص: 144-145.