يقول السيد دستغيب عليه الرحمة :
في العاشر من جمادى الثانية سنة 1397 قمت بزيارة إلى مقبرة ( السيد المجاهد ) , أعلى الله مقامه , فجمعتني الصدفة المباركة بكوكبة من الأعلام الأفاضل , أذكر منهم الحاج السيد نور الدين , وآية الله زاده ميلاني , والحاج السيد عبد الرسول خادم , والحاج السيد محمد الطبطبائي ابن السيد مرتضى , واخو المرحوم السيد محمد علي , الذي كان من أحفاد السيد المجاهد , ومن أئمة كربلاء , إضافة إلى آخرين من اهل التقوى والإيمان والعلم .
وهناك سمعت عن المرحوم السيد محمد علي , ذاك العالم المجاهد , والذي كان في الوقت نفسه حفيداً للسيد ( صاحب الرياض ) , المتوفى قبل عشرة أعوام , أنه كان غيوراً على الدين , حريصاً على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , كما عرف عنه جهاده أيام الاحتلال الإنجليزي , الامر الذي جعله يقضي سنتين في السجن.
وقد عرف عنه كذلك أنه حين كان يقوم بالدعاء والزيارة عند حرم أبي عبدالله (ع) كان يستغرق في زيارته , فلا يكلم أحداً , ولا يجيب عن سؤال سائل , بل يكتفي إن سئل شيئاً بأن يشير بيده للسائل بأن يكف عن الكلام ريثما ينتهي من زيارته , ذلك أنه يعتبر الكلام في حرم سيد الشهداء (ع) منافياً للأدب والحشمة.
وفي إحدى زياراته تلك, أتاه عجوز لا يعرفه , وطلب إليه أن يفتش له عن مسكن ينزل فيه , وذلك بلهجة من اعتاد أن يأمر فيطاع . أجابه السيد قائلاً : سمعا وطاعة , وخرج من الحرم برفقته , مأخوذاً بما طالعه في وجهه من وقار ومهابة , حتى وصلا إلى دار خالية في عهدة السيد , وتقع في شارع مقبرة ( شريف العلماء ) , ووضعها بتصرفه , ثم غادره بكل احترام.
وفي اليوم التالي ذهب السيد لزيارة الرجل , وبينما هما يتبادلان الحديث , تناول الرجل حفنة من قطع الحجارة المرمية في ركن من أركان الغرفة , ومد يده بها إلى السيد , فإذا بها حفنة من الجواهر . وقال السيد :
إليك هذه الأحجار الكريمة , فلعل إليك بها حاجة !
فأجابه السيد : كلا لا حاجة لي بها , كما لا حاجة لي بالمال أو بغيره ! .
فرمى العجوز بها إلى حيث كانت , وقد بان عليه الرضى , فعادت إلى حالتها الاولى .
ولما كان الغد رافق السيد ضيفه العجوز إلى زيارة مرقد الحر الرياحي , مشياً على الأقدام , وسارا بمحاذاة نهر ( الحسينية) , وهنا يعرب العجوز عن رغبته بالوضوء , ثم يتقدم إلى النهر ويجتازه إلى وسطه ماشياً فوق الماء , ويشرع للوضوء قائلاً للسيد :
هيا تقدم للوضوء معي !!
أصاب العجب السيد لما يرى , لكنه قال للعجوز :
لا , سأكتفي بالوضوء على حافة النهر , فانا لا أجيد المشي فوق الماء !!
تابع الرجلان سيرهما , فإذا بأفعى عظيمة تسعى نحوهما , فخاف السيد خوفاً شديداً , فسأله العجوز :
هل انت خائف ؟
قال : أجل , خائف جداً
قال العجوز : لا تخف , ثم أشار بيده نحو الأفعى , فماتت لساعتها .
ثم تابعا سيرهما
يقول السيد محمد علي :
لقد راودني الشك في اعمال هذا الرجل , وعزمت على الذهاب في الغد وحدي إلى حيث كانت الأفعى , لأتحقق أن الأمر واقع وليس وهماً شبه لي , وقصدت المكان فعلاً في اليوم التالي , فإذا بالافعى في مكانها , غير ان الهوام كانت قد التهمت قسماً منها , فتأكدت أن العجوز من رجال الله , ومن أصحاب الكرامات.
وأكملت طريقي إلى بيته , وما أن رآني حتى بادر بالقول :
حسناً فعلت بذهابك لموقع الأفعى , فاليقين على كل حال خير من الشك !!
ثم دعاني كي نزور معاً الوادي الأيمن ( كما تدعى مقبرة كربلاء ) , وهناك شرعنا بقراءة الفاتحة لأرواح أهل القبور , ثم التفت العجوز إلي وقال :
ها هنا سيكون مثواي !!
ثم قال مغيراً الموضوع :
أتحب الذهاب إلى النجف , وزيارة جدك أمير المؤمنين (ع) ؟
قلت : أجل , أحب ذلك .
طلب مني أن اغمض عيني , ففعلت , ثم طلب إلي فتحهما , فإذا بي في وسط المقام , وهو إلى جانبي ,ففعلت, ثم توجهنا معاً إلى الحرم الشريف , وبعد الصلاة والزيارة والدعاء سألني إن كنت أفضل المبيت في النجف او العودة إلى كربلاء , فأجبته بأني ارغب بالعودة إلى كربلاء , فأمسك بيدي وعدنا إلى كربلاء بالطريقة نفسها , ثم افترقنا كل إلى بيته.
وحين قدمت لزيارته في اليوم التالي , فوجئت بصاحب الدار وهو يبكي ويقول : إنا لله وإنا إليه راجعون .
دخلت الدار , فإذا بالرجل العجوز وهو مسجى باتجاه القبلة , وقد فارق الحياة , رحمه الله تعالى .
كرامات الأولياء ومكاشفاتهم