ســورة الــدهــر
قال تعالى : (انا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا...) ((289)) .
الاية الكريمة أعلاه تشكل جزء من حوار داخلي أجراه علي و فاطمة و الحسنان عليهم السلام مع أنـفـسـهـم حينما تبرعوا ثلاث ليال بافطارهم للمسكين و اليتيم و الاسير.ويعنينا منه :
الصورة التركيبية الاستعارية و وضوحها, فهي تتحدث عن اليوم الاخر وتخلع عليه سمة (العبوس ),
و هي سمة بشرية كما هو واضح , كما تردفها بسمة وصفية ,وهي (قمطرير) بمعنى كثرة الشدة , أي لا تخلع صفة العبوس فحسب , بل ترسمه في أعلى درجاته كثافة .
و المهم هو :
أن نتأمل الاسرار الكامنة وراء هذه الاستعارة الواضحة . و لعل المتلقي يستنطق هذه الاستعارة ليستخلص منها تأويلاته لدلالة العبوس .
فأولا أن الوجه البشري , دون غيره من أعضاء الـجـسم , نتوسم فيه أعماق الشخص , صحيح أن العينين مثلا تعبر بدورها عن الاعماق كالتطييب أو حـدة النظر و نحوهما, الا أن الانعكاس الاشد سعة هوالوجه بصفته يشمل العينين و غيرهما كالجبين , حيث ترسم فيه آثار الانكماش بشكل واضح .
و لاول وهـلة قد يبدو أن الخوف من اليوم الاخر لا يتجسد في موقف خاص كالمقر الاخير مثلا, بل يقترن بالوقوف في عرصاته , و بمواقف الحساب ثم ما يترتب على ذلك في نهاية المطاف .
و مـمـا لا شـك فـيه أن العبوس الذي يسحب أثره على كل موقف يظل هو الاشد تعبيرا من غيره بـالـنـسبة الى التخوف منه , لشموله كما قلنا: لكل المراحل الاخروية , بيد أنه بالرغم من ذلك فان الدلالة التي يمكن للمتلقي أن يجعلها تأويلا في أفقه هي الحساب ثم ما يقترن به من الغضب و الا لو كان الهدف هو التذكير بالمقر الاخير, جهنم , أعاذنا اللّه تعالى منها, لصيغت في عبارة تحمل دلالة اليوم و السنة ,
و مما لا حد له من التاريخ , أما صياغتها فـي عـبـارة (يـوم ) فـهذا ما يدفع المتلقي بأن يجنح الى مثل هذا التأويل , و الاهم من ذلك كله أن التأويل من الممكن أن يمتد أيضا من خلال التداعي الذهني من قضية اليوم بما فيه من الحساب , الى ما تترتب عليه من الاثار الاخرى المواكبة له , أو المفضية في النهاية الى رسم المصير.
اذن :
فـي الـحـالات جـمـيعا, نجد أن هذه الصورة قد اكتسبت سمة فائقة من خلال ترشحها بعدة تأويلات بالنحو الذي أوضحناه .
289:الدهر / 10 .