ينقل العارف الكامل آية الله السيد محمد الحسي الحسيني الطهراني(قده) عن المرحوم آية الحق وسند العلم آية الله الحاج الميرزا محمد جواد الأنصاري الهمداني رضوان الله عليه , حيث يقول :
نقل لي احد أعلام همدان ممن ربطتني به المودة والمعرفة منذ القدم , فقال : ترددت على التكيات وأماكن الذكر منذ اكثر من عشرين سنة من اجل كشف الحقيقة وفتح باب المعنويات, وترددت على الأقطاب والدراويش فأخذت منهم تعليمات عملت بها, إلا أنها لم تثمر شيئاً, ولم تنفتح امامي أي نافذة للكمال والمعارف, ولم تشرع في وجهي أي باب, حتى تصورت - من يأسي وحيرتي وضياعي - أن ليس هناك من شيء أصلاً, بل إن ما نقل عن الأئمة عليهم السلام ربما كان مبالغة. فلربما كانت هناك مطالب وامور يسيرة نقلت عن الانبياء والأئمة , فتضخمت بمرور الوقت على أيدي اتباعهم, فصار الناس يذكرونها لهم الآن كمعجزات وكرامات وخوارق العادات . قال : وكنت قد تشرفت بالذهاب إلى العتبات المقدسة, فزرت كربلاء, ثم تشرفت بالذهاب إلى النجف الاشرف حيث وفقت للزيارة. وذهبت يوماً إلى الكوفة فقمت بالأعمال الواردة لمسجد الكوفة, ثم خرجت من المسجد قبل غروب الشمس بساعة, ووقفت أمام المسجد أنتظر قدوم العربة لأرجع إلى النجف. وكان هنالك في ذلك الوقت عربة تجرها الخيول تتحرك بين النجف والكوفة (وبينهما فرسخان) , وكان الناس يدعونها بـ ((الريل )) .
وطال انتظاري دونما جدوى , إلى ان رأيت رجلاً يتجه نحوي من الناحية الأخرى , وكان متوجهاً هو الآخر إلى النجف.
وكان رجلاً عادياً يحمل على ظهره جراباً , فسلم
وقال : لماذا تقف هنا ؟
أجبت : أنتظر العربة , فأنا أريدي الذهاب إلى النجف.
قال : تعالى نتمشى سوياً ونحن نتحدث , فقال لي في الطريق دون مقدمة : أيها العزيز , إن أحاديثك التي تتحدث بها من أن ليس هناك من شيء , وأن ليس هناك أي أساس للكرامات والمعجزات , احاديث خاطئة وغير صائبة .
قلت : لقد كلت عيناي وأذناي وملئتا من هذه الكلمات , فقد سمعت كثيراً ولم ارى أثراً , فلا تتحدث معي بهذه الكلمات , إذ لا أعتقد بهذه الأمور . فلم يجب , ثم سرنا قليلً فعاد يتحدث وقال:
على الإنسان أن يلتفت إلى بعض الأمور , فهذا العالم له ملكوت , وله روح , أفليس لك روح ؟ كيف يسير بدنك الآن ؟ إنما ذلك بإرادتك وروحك . وهذا العالم له روح هو الآخر , له روح كلية , والروح الكلية للعالم هي الإمام , وهو قادر على فعل كل شيء . وإذا ما كان هناك أشخاص قد تاجروا بالامر ودعوا الناس إلى الباطل , فليس هذا دليلاً على انه لا يوجد للحقائق المسلم بها في هذا العالم.
فعلى الإنسان ان لا يتراجع عن عقائده أو أن ينحرف عن المسلمات.
قلت : لقد سمعت الكثير من هذا الكلام , ولقد كلت أذناي وثقلتا بذلك , وأنا متعب منهك , فتعال نتحدث في موضوعات اخرى , ثم ما شأنك انت و هذه الامور ؟ !
قال : لا يمكن ذلك ! لا يمكن ذلك يا عزيزي .
قلت : لقد كنت في التكيات وأماكن الذكر طوال عشرين سنة والتقيت بالمرشدين والأقطاب , لم انتفع شيئاً !
قال : ليس هذا دليلاً على ان الإمام ليس لديه شيء هو الآخر , ما الذي تريده لتصدق بالامر ؟ !
وكنا آنذاك قد وصلنا إلى خندق الكوفة( وكانوا قد حفروا في السابق خندقاً بين النجف والكوفة لا تزال آثاره واضحة حتى الآن ) .
فقلت : إن أحيا أحد ميتاً لقبلت كلامه , ولقبلت واقتنعت بكل ما يتحدث به عن الإمام والنبي وعن معجزاتهم وكراماتهم .
فتوقف وقال : ما الذي هناك ؟
فنظرت ورأيت حمامة متيبسة ساقطة في الخندق .
ثم قال : اذهب فهاتها !
فذهبت وأتيت بالحمامة الميتة المتيبسة .
قال : تمعن فيها أهي ميتة ؟
قلت : ميتة ومتصلبة وقد تناثر بعض ريشها .
قال : أفتصدق إن أنا أحييتها ؟
أجبت : لن أصدق بهذا وحده , بل إنني سأصدق جميع ما ستقوله , وبجميع معجزات الأئمة وكراماتهم .
فأمسك الحمامة بيده وتأمل قليلاً , ثم دعا بدعاء وقال للحمامة : طيري بإذن الله.
فما إن قال ذلك حتى حلقت الحمامة طائرة وذهبت ! وكنت غارقاً في عالم من الحيرة , مذهولاً مبهوتاً .
ثم قال لي : تعال ! أرأيت ؟ أصدقت ؟
ثم تحركنا إلى النجف إلا اني لم أكن في حالة طبيعية , وكان التعجب والحيرة يلفان وجودي .
ثم قال : أيها العزيز ! إن هذا الذي شاهدتني أفعله بإذن الله هو من أعمال صبية طلاب مذهب الحقيقة !
هكذا كان نص كلامه : " هو من أعمال صبية طلاب مذهب الحقيقة " . فما الذي كنت تقوله يا ترى ؟ كنت تقول : إن لم أشاهد بعيني شيئاً فإنني لن أؤمن ! أفجاء النبي والإمام ليبسطوا لي ولك كل يوم مائدة فيصبوا من هذه الكرامات في افواه الناس ؟ ! لقد كانت لهم جميع أنواع القدرة , وكانوا يستخدمونها بإذن الله كلما اقتضت الحكمة ذلك , ومن المحال أن يصدر منهم عمل دون إذن الله تعالى .
لقد كان هذا عمل صبية طلاب مذهب الحقيقة , ولا زال هناك طريق طويل حتى المنزل المقصود .
كنا نتحدث باستمرار , وكنت أستفسر منه فيجيبني على كل أسئلتي , حتى وصلنا النجف الأشرف .
(وكان القادمون من الكوفة إلى النجف الأشرف سابقاً يصلون أول ما يصلون إلى المقبرة المعروفة بوادي السلام , ثم يدخلون النجف).
وعندما وصلنا وادي السلام أراد أن يودعني لينصرف , فقلت له : لقد وصلت اليوم إلى هذه النتيجة بعد عشرين سنة من المشقة والألم ولست بتاركك ! إنك تريد أن تدعني وتنصرف , لكني سألازمك بعد الآن .
قال : تعال غداً عند بزوغ الشمس , فنلتقي هنا .
ولم تغمض لي عين تلك الليلة حتى الصباح من فرط شوقي للقائه , وكان اشتياقي يتصاعد كل ساعة ,بل وكل دقيقة للذهاب صباح الغد لرؤيته وكنت في وادي السلام أول طلوع الصبح , فشاهدت جنازة يرافقها عدة أشخاص , وحين ارادوا دفنها اتضح أنها كانت جنازة ذلك الرجل !
كرامات الأولياء ومكاشفاتهم