اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
أشار القرآن إلى آثار التقوى بالنسبة إلى ذرية الإنسان، حيث نجد في قصّة ذلك العبد الصالح مع النبي موسى (عليه السلام) أنّ القرآن يحدّثنا بقوله تعالى: ﴿فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَة اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً﴾1.
فكان الجواب من العبد الصالح ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً﴾2. ففي الآية الكريمة دلالة واضحة على أنّ صلاح الآباء له آثار طيّبة على سعادة الأبناء.
عن إسحاق بن عمّار، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: "إنّ الله ليُصلح بصلاح الرجل المؤمن وُلده ووُلد وُلدِه، ويحفظه في دُوَيْرته ودُويرات حوله، فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله" ثمّ ذكر الغلامين، فقال: ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً﴾ ألم ترَ أنّ الله شكر صلاح أبويهما لهما"3. وكذلك عن زرارة وحُمران، عن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق (عليهما السلام) قال: "يحفظ الأطفال بأعمال آبائهم، كما حفظ الله الغلامين بصلاح أبيهما"4. نظير هذه الآية قوله تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾5 حيث لم "تؤمر الناس بالترحّم والترؤف ونحو ذلك، بل بالخشية واتقاء الله، وليس إلاّ أنّه تهديد بحلول ما أحلّوا بأيتام الناس، من إبطال حقوقهم وأكل مالهم ظلماً، بأيتام أنفسهم بعدهم، وارتداد المصائب التي أوردوها عليهم إلى ذريّتهم بعدهم"6.
لا يقتصر الأمر على الآثار الفردية للتقوى في الدنيا، بل أشار القرآن الكريم إلى الآثار الاجتماعية المترتّبة على التقوى في هذه النشأة، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَات مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾7، أي أنّ أهل القرى لو آمنوا واتّقوا لفتح الله سبحانه بركات السماء من الأمطار والثلوج والحرّ والبرد وغير ذلك، كلّ في موقعه وبالمقدار النافع منه، وبركات الأرض من النبات والفواكه والأمن وغيرها، وهذا خير دليل على أنّ افتتاح أبواب البركات مسبّب لإيمان أهل القرى جميعاً وتقواهم، أي أنّ ذلك من آثار إيمان النوع الإنساني وتقواه"8. نظير هذه الآية قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً﴾9، "والمراد بالطريقة: طريقة الإسلام، والاستقامة عليها: لزومها والثبات عليها، على ما تقتضيه من الإيمان بالله وآياته. والماء الغدق: الكثير منه. ولا يبعد أن يستفاد من السياق أنّ قوله ﴿لأسقيناهم ماءً غدقاً﴾ مثل أُريد به التوسعة في الرزق، ويؤيّده قوله تعالى بعد هذه الآية: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيه﴾10. فيكون معنى الآية "وأنّه لو استقاموا" أي الجن والإنس على طريقة الإسلام لله، لرزقناهم رزقاً كثيراً لنمتّعهم في رزقهم"11. أجل، يبقى الكلام في معرفة كيف أنّ الاستقامة على طريقة الإسلام وهداه، تكون سبباً لفتح بركات السماء والأرض على الإنسان، وما هي العلاقة القائمة بين الإيمان والتقوى وبين الرزق الكثير الوافر. وهذا ما نحاول الوقوف عليه، عند عرض الآثار السلبية للفجور في هذه النشأة، حيث سيتبيّن أنّ من الحقائق الناصعة التي أكّدها القرآن الكريم، أنّ أساس نزول النعم والنقم على الإنسان، إنّما تدور مدار تقواه وفجوره.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكهف : 77.
(2) الكهف: 82 .
(3) تفسير العيّاشي، ج2 ص363، ح63، نقلاً عن البرهان في تفسير القرآن، العلاّمة المحدِّث السيّد هاشم البحراني، ج5 ص60 منشورات مؤسّسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان.
(4) المصدر السابق.
(5) النساء: 9.
(6) الميزان في تفسير القرآن، ج4 ص251.
(7) الأعراف: 96.
(8) الميزان في تفسير القرآن، ج8 ص201.
(9) الجن: 16.
(10) طه: 131.
(11) الميزان، مصدر سابق، ج20 ص46.