اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
v تمهيد
إنَّ كتمان السرّّ من قضايا الأخلاق العمليَّّة، التي ينبغي إلَّا يُغفل عنها وعن أهميَّتها من قِبَلِ المؤمنين الذين يهتمُّون بتربية أنفسهم وتزكيتها على مكارم الأخلاق.
إنّ كلّ سرّ يؤدّي إفشاؤه إلى مفسدة، سواء على المستوى الفردي، أو الاجتماعي، فهذا السرُّّ يجب كتمانه من باب حرمة الإضرار بالنّفس أو الآخرين أو إيذائهم، فلا يعطى هذا السرّ إلى من يمكن أن تترتّب على إعطائه له تلك المحاذير، ولا ريب في كون هذا الأمر سوف يؤدّي إلى المساعدة على نجاح المؤمنين في أعمالهم العامّة الاجتماعيّة والدينيّة، ممّا يؤدّي إلى توفير كثير من الأجواء والإمكانيّات والعوامل التي تساعد الكثيرين على الأخذ بسبيل التديّن، ما يعني التوجّه نحو بناء النفس وتهذيبها والسير في طريق القرب الإلهيّ.
1- أهمية الكتمان
أعطى المعصومون عليهم السلام للكتمان اهتماماً خاصّاً، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "استعينوا على قضاء حائجكم بالكتمان"1 وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "سرّك أسيرك، فإن أفشيته صرت أسيره"2.
وعنه عليه السلام أيضاً: "جمع خير الدنيا والآخرة في كتمان السرّّ ومصادقة الأخيار، وجمع الشرّ في الإذاعة ومواخاة الأشرار" 3
2- موارد الكتمان
توجد موارد كثيرة لكتمان السرّّ، منها ما يتعلّق بالجانب الشخصيّّ والعائليّ، ومنها ما يرتبط بالجانب السياسيّ والاقتصاديّ، ومنها ما يرتبط بالجانب الأمنيّ والعسكريّ، والجانب الدينيّ:
أ- الجانب الشخصي والعائلي: ففيما يرجع إلى حياة الانسان اليوميّة والعائلية، والتي تبقى على حفظ بعض الاسرار الخاصة، والخاضعة للتبدل والتغيّر، فمن كتم سرّه أمكنه تجنب الأخطاء. فقد ورد عن الإمام علي عليه السلام قوله: "من كتم سرّه كانت الخيرة بيده"4.
ب- الجانب السياسي والاقتصادي: وهو خاص بالعاملين في هذا المجال، وعليهم التحرز من إفشاء أي معلومة يمكن لها أن تضرّ بمصالح المسلمين.
ج- الجانب الامني والعسكري: ولعلّه أكثر الموارد أهميّة لكتمان السرّ، لأن العدو يستفيد من المعلومات المفشاة بسرعة، ويلحق الضرر بالمسلمين.
د- الجانب الديني: وهذا يرتبط بإفشاء بعض أسرار الدين ممّا قد يستغلّه الأعداء للتشنيع على الدين والمسلمين.
3- عمَّن نكتمْ السرّّ؟
إنَّ كتمان السرّّ يجب أن يكون عن:
1- الأعداء: ومنهم المنافقون، فعن الإمام علي عليه السلام: "كن من عدوّك على أشدّ الحذر"5.
وعنه عليه السلام: "لا تشاور عدوّك واستره خبرك"6.
2- الأصدقاء: الذين لا مصلحة ضروريّة في معرفتهم بالسرّ.
فعن الصادق عليه السلام: "لا تطلع صديقك من سرّك إلَّا على ما لو اطَّلع عليه عدوّك لم يضرّك، فإنَّ الصديق قد يكون عدوّاً يوماً ما"7.
وعن علي عليه السلام: "ليس كلّ مكتوم يسوغ إظهاره لك، ولا كلّ معلوم يجوز أن تعلمه غيرك"8.
4- فوائد كتمان السرّ
لكتمان السرّّ فوائد عديدة تربويّة وعملانيّة نشير إلى بعضها:
أ- إنَّه عامل مهمّ في تحقيق النصر: فعن علي عليه السلام: "الظفر بالحزم، والحزم بإجالة الرأي، والرأي بتحصين الأسرار"9. كما أنَّ انتشار السرّّ فيه مخاطر عديدة، فقد جاء عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى: (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) أنَّه قال: "أما والله ما قتلوهم بأسيافهم ولكن أذاعوا عليهم وأفشوا سرّهم فقُتلوا"10.
ب- الحفاظ على التوازن المعنويّ للمجتمع: لأنَّ إفشاء الأسرار قد يؤدّي إلى إيجاد حالات من البلبلة في المجتمع، يقول تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾11.
5- دوافع إفشاء السرّ
توجد دوافع كثيرة قد يكون أحدها أو بعضها السبب لإفشاء السرّّ، منها: الجهل، وعدم الوعي بعواقب الأمور، والثقة العمياء بالآخرين، أو الضعف في تقوى الله عزّ وجلّ، فقد ذكرنا أنَّ افشاء السرّ قد يترتب عليه أمور عديدة هي في واقعها حرام كالإضرار بالآخرين، والإيذاء وهتك الحرمات. وهذه الأمور فيما لو حصلت والعياذ بالله، سيكون من نتائجها الابتعاد عن ساحة القرب الإلهيّ، وملء صحيفة الأعمال بأشد الذنوب التي تسوّد القلب وتسخط الربّ.
من هنا كان على الإنسان المؤمن الذي يهتمّ بتربية نفسه، وبناء شخصيّّته، أن يراعي مسألة حفظ اللسان عن المحرّمات، والتي من أبوابها عدم مراعاة كتمان السرّّ، وقد أشار الإمام الصادق عليه السلام إلى بعض موارده حيث قال: "لا ترموا المؤمنين ولا تتبّعوا عثراتهم فإنَّ من يتّبع عثرة مؤمن يتّبع الله عزّ وجلّ عثرته ومن يتّبع الله عزّ وجلّ عثرته يفضحه في بيته"12.
هوامش
1- الريشهري- ميزان الحكمة - دار الحديث - قم - الطبعة الأولي - ج 1 - ص63.
2- الريشهري- ميزان الحكمة- دار الحديث- قم الطبعة الأولى-ج2 - ص 1282.
3- المجلسي- بحار الانوار- مؤسسة الوفاء - بيروت ـ لبنان - الطبعة الثانية المصححة - ج 71 - ص 178.
4- المجلسي - بحار الأنوار - ج 72 .
5- غرر الحكم.
6- م. ن ج2 ص 802.
7- موسوعة الاستخبارات والأمن ج3 ص294.
8- نهج البلاغة حكمة 859.
9- م. ن 48.
10- أصول الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلاميِّة ,آخوندي-الطبعة الثالثة، ج2 ص 371.
11- النساء: 83.
12- الميرزا النوري - مستدرك الوسائل - مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - بيروت - لبنان - ج 9 ص 109.
13- ابن ابي الحديد - شرح نهج البلاغة - ج17 ص265.
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين