يقول العلامة الطهراني : لقد سكن المرحوم النراقي النجف الأشرف وتوفي فيها , ومقبرته في النجف ملحقة بالصحن المطهر , وقد مر عليه خلال أيام إقامته في النجف يوم من الأيام شهر رمضان لم يكن لديه شيء في منزله للإفطار , فقالت له زوجته : ليس في البيت من شيء , فاخرج وأحضر شيئاً !
ويغادر المرحوم النراقي البيت وليس في جيبه فلس واحد , فيتوجه مباشرة إلى وادي السلام في النجف لزيارة أهل القبور , ويجلس مدة بين القبور يقرأ الفاتحة , حتى مالت الشمس للغروب وبدأ الظلام ينتشر رويداً رويداً . ثم يرى المرحوم في تلك الحال جماعة من العرب وقد جاءوا بجنازة وحفروا لها قبراً , ثم إنهم وضعوا الجنازة في القبر , والتفتوا إلى المرحوم النراقي فقالوا : إن لدينا عمل ونحن في عجلة من أمرنا لنعود إلى مكاننا , فقم أنت بباقي تجهيزات هذه الجنازة .ثم إنهم تركوا الجنازة وذهبوا .
يقول المرحوم النراقي : دخلت القبر لأفتح الكفن وأضع خد الميت على التراب ثم أضع فوقه اللبن وأهيل عليه التراب فشاهدت فجأة نافذة , ثم دخلت تلك النافذة لأشاهد روضة كبيرة ذات أشجار خضراء يانعة متكاتفة محملة بالثمار المتنوعة . وكان هناك طريق من باب هذه الروضة إلى قصر مجلل , وقد فرش هذا الطريق بأجمعه بحصى صغار من المجوهرات .
وبلا إرادة مني , توجهت مباشرة إلى ذلك القصر , فرأيت أنه قصر فخم مبني بطابوق من المجوهرات , ثم صعدت السلم ودخلت غرفة كبيرة فشاهدت شخصاً يتصدر تلك الغرف وأشخاصاً جالسين في أطراف الغرفة فسلمت عليهم وجلست , فردوا علي السلام .
ثم شاهدت أن هؤلاء الجالسين في أطراف الغرفة كانوا يديمون السؤال من ذلك الجالس في صدرها عن أحواله , ويستفسرون عن أحوال أقاربهم وخاصتهم , فكان يجيب على أسئلتهم . كان ذلك الرجل مبتهجاً مسروراً وهو يجيب على أسئلة الجالسين واحداً بعد الآخر .
ثم انقضت مدة فشاهدت فجأة ان ثعباناً قد دخل من باب الغرفة وتوجه مباشرة إلى ذلك الرجل فلدغه ثم خرج من الغرفة . ولقد امتقع وجه ذلك الرجل من لدغة الثعبان وتورم بعض الشيء , ثم انه عاد إلى حاله الأولى تدريجياً , فشرعوا من جديد بالحديث مع بعضهم وبالاستفسار عن الأحوال والسؤال عن أخبار الدنيا من ذلك الرجل . ثم انقضت ساعة فشاهدت مرة أخرى أن ذلك الثعبان دخل من الباب من جديد ولدغ الرجل بنفس الطريقة وعاد من حيث أتى . فاضطربت حال الرجل وامتقع وجهه , ثم أنه عاد إلى حاله الأولى .
فسألته في تلك الحال : من أنت أيها السيد ؟ وأين هذا المكان ؟ ولمن هذا القصر ؟ وما هذا الثعبان ؟ ولماذا يقوم بلدغك ؟
قال : أنا الميت الذي وضعته تواً في القبر , كما أن روضة الجنة البرزخية هذه لي , أنعم الله علي بها فظهرت من نافذة فتحت من قبري إلى عالم البرزخ . هذا القصر لي , وهذه الأشجار المجللة , وهذه المجوهرات , وهذا المكان الذي تراه جنتي البرزخية , وها قد جئت إلى هنا . كما أن هؤلاء الجالسين في أطراف الغرفة أقاربي وأرحامي الذين توفوا قبلي , وها هم قدموا لرؤيتي وللسؤال عن أهليهم وأرحامهم وأقاربهم في الدنيا , فكنت أحدثهم عن أحوال أولئكم .
قلت : فلماذا يلدغك هذا الثعبان ؟!
قال : إليك الأمر : أنا رجل مؤمن , من أهل الصلاة والصيام والخمس والزكاة , ومهما فكرت فإنني لا أجد ان خطأ قد بدر مني لأستحق عليه عقوبة كهذه . وهذه الروضة بهذه المواصفات هي النتيجة البرزخية لأعمالي الصالحة تلك . اللهم إلا أني كنت أسير في الزقاق يوماً في حر الصيف , فرأيت صاحب دكان ينازع أحد الذين يشترون منه , فاقتربت منهما لأصلح بينهما , فرأيت صاحب الدكان يقول : إنني أطلبك ثلاثمائة دينار ( ستة شاهيات ) , بينما المشتري يقول : إنني مدين بخمس شاهيات .
فقلت لصاحب الدكان : تنازل عن نصف شاهي . وقلت للمشتري : تنازل أنت أيضاً وارفع يدك عن نصف شاهي . فأعط خمسة شاهيات ونصف لصاحب الدكان . فسكت صاحب الدكان ولم يقل شيئاً .
ولأن الحق كان لصاحب الدكان , ولأنني كنت بقضائي الذي لم يرضه صاحب الدكان قد أضعت نصف شاهي من حقه , فإن الله عز وجل – جزاءً لهذا العمل – قد عين لي هذا الثعبان ليلدغني بهذا المنوال كل ساعة إلى يوم ينفخ في الصور فيحضر الخلائق في المحشر للحساب , وأنجو آنذاك ببركة شفاعة محمد وآل محمد عليهم السلام .
ثم إني حين سمعت بذلك نهضت وقلت : إن أهلي ينتظروني في البيت , وعلي أن أذهب فآخذ لهم إفطاراً . فنهض ذلك الرجل الجالس في صدر الغرفة فشايعني إلى الباب , وحين أردت الخروج أعطاني كيساً صغيراً من الرز وقال : هذا رز جيد , فخذه لعيالك .
فأخذت الرز وودعته وخرجت من الروضة من النافذة التي كنت قد دخلتها من قبل , فرأيتني داخل ذلك القبر , وكان الميت راقداً على الأرض وليس هناك من نافذة . ثم إني خرجت من القبر ووضعت عليه اللبن وأهلت التراب , وتوجهت إلى منزلي وجلبت كيس الرز فطبخنا منه .
وانقضت مدة ونحن نطبخ من ذلك الرز فلا ينفد , وكلما طبخنا منه شيئاً فاحت منه رائحة طيبة فعطرت أرجاء المحلة , وكان الجيران يتساءلون : من أين اشتريتم هذا الرز ؟
وأخيراً حل يوم لم أكن فيه في المنزل , فقدم إلينا أحد الضيوف , وقامت زوجتي بطبخ شيء من ذلك الرز وتركته على النار لينضج , وكان العطر الفواح يتصاعد منه فيملأ فضاء البيت . ويتساءل ذلك الضيف : من أين لكم هذا الرز الذي يفوق عطره جميع أنواع الرز العنبر ؟
فاستحيت زوجتي وشرحت له القصة ؛ ثم إنهم طبخوا القدر الباقي من الرز بعد ذلك فنفد جميعه ولم يبق منه شيء .