اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

من تعدد زيارة الإمام الصادق عليه السلام لجده أمير المؤمنين المتقدمة في الحديث.
أثناء ما قدم من الحيرة أو الكوفة في العصر العباسي.
فلنلاحظ العبارات التي تهمنا في بحثنا هذا.
الحديث الأول (فنزل فصلّى، ثم تقدّم فصلّى، ثم سار قليلاً فصلّى).
الحديث الثاني (فنزل فصلّى، ثم تنحى فصلّى، ثم تنحى فصلّى).
الحديث الثالث (نزل فصلّى، ثم تقدم فصلّى، ثم تقدم فصلّى).
الحديث الرابع (صلّى، ثم سار ونزل وصلّى، ثم سار ونزل وصلّى).
بعد قراءة هذه العبارات يتبين لدينا مايلي:
1ـ أن الإمام الصادق عليه السلام كان يتنقل من موضع لآخر فلا يظن المرء أن المكان كان واحداً.
2ـ أن الإمام الصادق عليه السلام جاء راكباً وتنقل بين المواضع راكباً مرة وراجلاً (ويدل على هذا القول على ما في الحديث من كلمات تدل على ركوبه كسار، ونزل).
فبعد عرض الحديث وعباراته فلنذكر أحوال إثنين من رواة هذا الحديث. (10)
2ـ صفوان الجمّال: هو صفوان بن مهران بن المغيرة الاسدي مولاهم كوفي يكنّى أبا محمد ثقة روى عن ابي عبد الله عليه السلام وله كتاب يرويه جماعة وعرض على الصادق عليه السلام ايمانه واعتقاده بالائمة عليهم السلام فقاله له رحمك الله.
وكان صفوان ممّن حمل الإمام الصادق عليه السلام من المدينة الى العراق اكثر من مرة ولهذا أخذ من علمه ودعائه عليه السلام كثيراً، وكان ممّن تشرّف بزيارة أمير المؤمنين عليه السلام مع أبي عبد الله، وعلمه الصادق عليه السلام الزيارة المعروفة لأمير المؤمنين عليه السلام التي رواها المشايخ في كتبهم المزاريّة، وتعلّم منهُ عليه السلام الدعاء المعروف بدعاء علقمة، وروي عن صفوان انّه لما اطلع على موضع قبر امير المؤمنين ببركة الصادق عليه السلام قال: فمكثت عشرين سنة أصلّي عنده، وعلّمه الصادق عليه السلام ايضاً كيفية زيارة الحسين عليه السلام في الأربعين، قال لهُ الإمام أبي الحسن الكاظم عليه السلام لهُ يا صفوان كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً واراد عليه السلام به إكراءه جِماله من هارون الرّشيد في موسم الحج فباع صفوان جماله كلها بعد ما عاد هارون من الحج من أجل كلمة الإمام أبي الحسن عليه السلام هذه. (11)
وأما عن المواضع الثلاث التي صلّى فيها الإمام الصادق عليه السلام فهي:
مواضع صلّى فيها الإمام الصادق عليه السلام
1ـ موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام: يتّفق الشيعة عن ائمتهم صلوات الله عليهم أنهُ صلوات الله عليه لم يُدفن الاّ في الغري في الموضع المعروف الآن، والأخبار في ذلك متواترة وقد كتب السيد عبد الكريم ابن طاووس قدس سره في ذلك كتاباً سماهُ فرحة الغري ونقل الأخبار والقصص الكثيرة الدّالة على هذا المذهب، قال الدليمي في إرشاد القلوب: وأما الدليل الواضح والبرهان اللايح على أن قبرهُ الشريف صلوات الله عليه موجود بالغري فمن وجوه:
الأول: تواتر الإمامية الأثني عشرية يرويه خلف عن سلف.
الثاني: إجماع الشيعة والإجماع حجّة.
الثالث: ما حصل عندهُ من الأسرار والآيات وظهور المعجزات كقيام الزّمن, وردّ بصر الأعمى وغيرها. (12)
وقال الشيخ محمد السماوي في أرجوزته:
وكيف يخفى قبرهُ وقد طوى
صحايف الأنوار من وادي طوى
وكيف يخفى وهو في كُل حلك
وضحوة يزوره ألفا ملك
وكيف يخفى والنسيم ينبري
منهُ بطيب فوق طيب العنبر
وكيف يخفى وبكل عصر
يبدي معاجزاً بغير حصر
أم كيف يخفى وبه الوصي
أخو النبي المصطفى علي
ما شك في القبر سوى من حُرما
عن ذلك الفوز الذي قد عظما
وما تناكر الذي قد جحدا
الا من الحقد الذي توقد(13)
2ـ موضع رأس الحسين عليه السلام: يكون هذا الموضع في مسجد الحنانة، المعروف بالقائم المائل، حسب ما وجد بخط الجباعي نقلاً عن خط الشهيد قدس سره ويبعد عن قبر أمير المؤمنين بحوالي 1000م، ويقع هذا المسجد شمال غربي الكوفة على يمين الذاهب إلى النجف وهو من المساجد المعظمة، كبير الشأن، يتبرك به ويقصدهُ المجاورون والزائرون وهو أحد الأماكن الثلاث التي صلّى فيها الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.(14)
فعن المفضل بن عمرو قال: جاز مولانا الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام بالمائل طريق الغري فصلّى عندهُ ركعتين، فقيل له: ما هذه الصلاة؟
قال هذا موضع رأس جدي الحسين عليه السلام وضعوه هاهنا.
وفي أمالي الشيخ الطوسي قدس سره يضيف كلمة: عندما أتوا به من كربلاء ثم ذهبوا به الى عبد الله بن زياد(لع). (15)
وقال محمد بن المشهدي في كتاب المزار الكبير: زيارة للحسين عليه السلام مختصرة، يزار بها في كل يوم وفي كل شهر، ويزار بها عند قائم الغري (أي مسجد الحنانة).
فقد جاء في الأثر أن رأس الحسين عليه السلام هناك، وان الصادق عليه السلام جعفر بن محمد عليه السلام زارهُ هناك بهذه الزيارة وصلى عنده أربع ركعات، والزيارة هي هذه (السلام عليك يابن رسول الله، السلام عليك يا بن أمير المؤمنين، السلام عليك يابن الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين ... إلى آخره). (16)
وزيارة الإمام الحسين عليه السلام هي من مهمات أعمال هذا المسجد كما ورد في كتب الأدعية والزيارات، واحتمل البعض أن مدفن رأس الحسين عليه السلام في هذا المسجد موضع منبر القائم عليه السلام وهو من المواضع الثلاثة التي صلّى فيها الإمام الصادق عليه السلام وهي موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام وموضع رأس الإمام الحسين عليه السلام ـ في الحنّانة ـ وهذا الموضع.
نسألكم الدعاء كلما رفعتم لله كفا
نسأل الباري ان يجعلكم ويشملنا من انصار الحجه المنتظر ارواحنا له الفدا

(11) سفينة البحار ـ الشيخ عباس القمي ج2 ص37.
(12) ارشاد القلوب ـ الديلمي ـ نقلاً عن مزار البحار.
(13) عنوان الشرف في وشي النجف ـ السماويy.
(14) مساجد الكوفة ـ كامل سلمان الجبوري نقلاً عن إرشاد القلوب.
(15) وسائل الشيعة ـ الحر العاملي 2/ 444.
(16) المزار الكبير ـ المشهدي ـ ص 517.