اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

الباب الثالث
المقام ونشوؤه في القرن الثاني الهجري
قدمنا ذكر أن الإمام الصادق عليه السلام جاء إلى الحيرة سنة137 هـ.
وسكن سنتين أو أكثر حول مشهد أمير المؤمنين عليه السلام.
واختلف إلى قبر جدهِ مرات عديدة، وصلّى قريباً من مشهد جدهِ ركعتين, وقال عن سببهما بأن الموضع هو موضع منبر القائم عليه السلام.
ومرة كان معه أبان بن تغلب, فكرر الإمام فعله الذي كان يفعله في تعظيم المواضع, وأشار لأبان بن تغلب بموضع منبر القائم عليه السلام ومات أبان سنة141هـ.
وأستشهد الإمام الصادق عليه السلام 148هـ.
فنشأ المقام بين سنتي (137 ـ 141ه).
فهذا أول تأريخ إستخرجناه للبحث عن تأريخ مقام الإمام المهدي عليه السلام في وادي السلام.
لكن وللأسف الشديد خفي علينا تأريخ المقام بعد هذا التأريخ بثمانية قرون فلا نعرف تأريخاً للمقام في الثمانية قرون التي بعد القرن الثاني الهجري.
ولا نعرف من بناه؟ ومن أشاده؟ ومن زاره؟ وما الذي طرأ عليه من حوادث؟ ومن تشرف فيه بلقاء صاحب الأمر عليه السلام؟
ولكن ومن خلال وجود المقام إلى الآن، نعرف تعاهد الشيعة له بمواصلة زيارتهم لهذا المقام القديم.
الباب الرابع
تاريخ المقام في القرن الحادي عشر الهجري
1ـ التأريخ الأول للمقام في هذا القرن: (سنة 1026ه).
في سنة 1026 هـ توفي السيد مبارك الملقب بالأزرق عينية بن مطلب المشعشعي ودفن في النجف في وادي السلام بقرب مقام الإمام المهدي عليه السلام.(22)
أقول: أن هذا التأريخ القديم يدل على وجود للمقام في سنة 1026هـ وعبارة (دفن في النجف في وادي السلام قرب مقام الإمام المهدي عليه السلام تدل على وجود عمارة للمقام في تلك السنة وما قبلها ولكن للإسف خفي علينا من الذي أشادها، ومما يدل على وجود تلك العمارة في هذا القرن ما ذكرة العلامة المجلسي قدس سره في بحاره، وقال فيما نقله: (أن للمقام بيت ومحراب وصحن) والحكاية التي نقلها العلامة المجلسي قدس سره قريبة من هذهِ السنة أي سنة (1026ه).
2ـ التأريخ الثاني للمقام في هذا القرن: (عصر العلامة المجلسي+ مجدد القرن الحادي عشر)
قال العلامة المجلسي1 (1137 ـ 1111ه) في كتاب بحار الأنوار:
وفي (باب نادر في ذكر من رآه عليه السلام في الغيبة الكبرى قريباً من زمانن)
وذكر حكاية (الجزيرة الخضراء) وقال بعد إيرادها: ولنلحق بتلك الحكاية:
بعض الحكايات التي سمعتها عمّن قرب من زماننا، ثمَّ سرد حكايتين (يعني فيمن رآه) قال:
ومنها ما أخبرني به جماعة من أهل الغريِّ، على مشرفه السلام أنَّ رجلا من أهل قاشان أتى إلى الغريِّ، متوجهاً إلى بيت الله الحرام، فأعتلَّ علّة شديدة، حتى يبست رجلاه، ولم يقدر على المشي، فخلفهُ رفقاؤه وتركوه عند رجل من الصُلحاء كان يسكن في بعض حُجرات المدرسة المحيطة بالرّوضة المقدسة، وذهبوا إلى الحج، فكان هذا الرجل يغلق عليه الباب كل يوم، ويذهب إلى الصحاري للتنزه ولطلب الدّراري(23) التي تؤخذ منها، فقال له في بعض الأيام، إني قد ضاق صدري وأستوحشت من هذا المكان، فأذهب بي اليوم واطرحني في مكان، واذهب حيث شئت، قال: فأجابني إلى ذلك، وحملني وذهب بي إلى مقام القائم صلوات الله عليه خارج النجف، فأجلسني هناك وغسل قميصهُ في الحوض وطرحها على شجرة كانت هناك، وذهب إلى الصحراء، وبقيت مغموماً، أُفكر فيما يؤول إليه أمري فإذا أنا بشاب صبيح الوجه، أسمر اللون دخل الصحن وسلّم عليَّ وذهب إلى بيت المقام، وصلّى عند المحراب ركعات بخضوع وخشوع لم أرَ مثله قط، فلمّا فرغ من الصّلاة، خرج وأتاني وسألني عن حالي، فقلت له: أُبتليت ببلية ضقت بها لا يشفيني الله فأسلم منها، ولا يذهب بي فأستريح، فقال: لا تحزن سيعطيك الله كليهما، وذهب فلمّا خرج رأيت القميص وقع على الأرض، فقمت وأخذت القميص وغسّلته وطرحته على الشجرة، فتفكرت في أمري وقلت: أنا كنت لا أقدر على القيام والحركة، فكيف صرت هكذا؟ فنظرت في نفسي فلم أجد شيئاً مما كان بي، فعلمت أنهُ القائم صلوات الله عليه، فخرجت في الصحراء فلم أرَ أحداً، فندمت ندامة شديدة، فلمّا أتاني صاحب الحجرة سألني عن حالي وتحيّر في أمري فأخبرتهُ بما جرى، فتحسر على ما فات منهُ ومني، ومشيت إلى الحجرة، قالوا: فكان هكذا سليماً، حتى أتى الحاجُّ ورُفقاؤه فلما رآهم، وكان معهم قليلاً فمرض ومات، ودفن في الصحن، فظهر صحة ما أخبرهُ عليه السلام من وقوع الأمرين معاً، وهذه القصة من المشهورات عند أهل المشهد، وأخبرني به ثقاتهم وصلحاؤهم. (24)
أقول: أقول روى العلامة المجلسي هذه الحكاية الواقعة في القرن الحادي عشر الهجري عن جماعة مع أهل الغريِّ، وأشار على أنها وقعت قريبة من زمانه، وسمعها ممن قرب من زمانه، ووصف الرواة للحكاية بأن مقام القائم عليه السلام خارج النجف، وخروج الرجل صاحب الحجرة بالرجل المريض الى هذا المقام يدل على شهرة المقام في ذلك العصر، فالجماعة الثقات الصلحاء الذين رووا الحكاية كلهم يعرفون مقام القائم خارج النجف (أي خارج سورها في وادي السلام) وقال القاشاني واصفاً دخول القائم عليه السلام (فإذا أنا بشاب صبيح الوجه، اسمر اللّون) دخل الصحن وسلّم عليَّ وذهب إلى بيت المقام وصلّى عند المحراب، فانّ هذا الوصف لعمارة المقام (صحن، وبيت للمقام، وحوض) في ذلك العصر (أي بداية القرن الحادي عشر الهجري تشبه إلى حد كبير إلى عمارة المقام في عصرنا الحاضر هذا، فلو وصفنا العمارة الآن لما زدنا عن ذلك الوصف.
ثم قال العلامة المجلسي قدس سره: هذهِ القصّة من المشهورات عند أهل المشهد(25)، وأخبرني بها ثقاتهم وصلحاؤهم. وهذا مما يدل على صدق الحكاية، فكفاها صدقاً ناقلها وتواترها ورواتها الثقات الصلحاء بوصف العلامة المجلسي قدس سره لهم، ووصفهم لموقع المقام وعمارته من صحن وبيت ومحراب لدليل على صدق الحكاية أيضاً.
فبعد عرض الحكاية علمنا أن المقام في بداية القرن الحادي عشر الهجري، كان مشهور ومعروف على مستوى جماعة أهل المشهد، وزائري مشهد أمير المؤمنين عليه السلام.
نسأل الباري ان يجعلكم ويشملنا من انصار الحجه المنتظر ارواحنا له الفدا
نسألكم الدعاء كلما رفعتم لله كفا
