اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
يـآربْ الح ـسين أشفْ صَدر الح ـسين بظهور الحجةَ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لبيك داعي الله
الشفاعة في القرآن الكريم
وردت مادة الشفاعة في القرآن الكريم بعدة معاني نفياً وإثباتاً، فقد بلغ مجموع الآيات الشريفة التي تحدثت بصورة مباشرة عن هذا المفهوم خمس وعشرين آية توزعت على ثمانية عشر سورة قرآنية شريفة .
والشفاعة الواردة في القرآن الكريم تتعرض كلها إلى الجانب الاَول من المعنى الاصطلاحي وهو رفع العقاب عن المذنبين، وليس علو الدرجة والمقام .
في موضوع الشفاعة يتحرك النص القرآني الشريف باتجاهين،
الاَول : الاتجاه الذي يُحدد الشفعاء .
والثاني : الاتجاه الذي يحدد الاَفراد والمجموعات الذين تنالهم الشفاعة من جهة، والذين لا تنالهم الشفاعة من جهة ثانية .
والقرآن إذ يُحدد ذلك فإنّه يحددهم موضوعياً من خلال طبيعة السلوك العام للاَفراد في الحياة الدُنيا .
وهناك من يرى أنّ في الآيات القرآنية اتجاهاً ثالثاً رئيسياً وهو اتجاه نفي مطلق الشفاعة . ونحن هنا نحاول معرفة الشفاعة بين النفي والاثبات .
لم يَرِد في القرآن الكريم ما ينفي الشفاعة بصورة مطلقة، بل الملاحظ هو أنّ النفي جاء بصورة خاصة متعلقاً بفئة معينة من النّاس ممن حددهم الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بمواصفاتهم، ومن هنا فإنّ الثابت هو أنّ قسماً معيناً من الناس ممن يدخلون ضمن دائرة التعريف بـ«الكفر» بكلِّ معنىً من معانيه هم المحرومون من الشفاعة .
والقرآن الكريم حين ينفي استحقاق مجموعة معينة من الناس للشفاعة فإنّه من جهة ثانية يؤكد وجودها لصنف آخر من الناس ممن يدخلون ضمن دائرة التعريف بـ «المؤمنين» .
ومثال ذلك قوله تعالى : ( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُم لَعِباً وَلَهواً وَغَرَّتهُمُ الحَيَوةُ الدُّنيَا وَذَكِّر بِهِ أن تُبسَلَ نَفسُ بِمَا كَسَبَت لَيسَ لَهَا مِن دُونِ اللهِ وَليٌّ وَلاشَفِيعٌ وَإن تَعدِلْ كُلَّ عَدلٍ لا يُؤخَذ مِنهَآ... ) (1)
والاستثناء من نيل الشفاعة كما ورد في الآية الشريفة واضحٌ فهو ينصرف إلى الذينَ اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرّتهم الحياة الدنيا .
أو قوله تعالى : ( يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا أنفِقُوا مِمَّا رَزَقنَاكُم مِنْ قَبْلِ أن يأتيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ ولا خُلّةٌ ولا شَفَاعَةٌ والكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (2)
ومع أنّ الخطاب القرآني هنا موّجه بشكلٍ خاص إلى المؤمنين (ياأيُّها الذينَ آمنوا...) إلاّ أنّ نفي الشفاعة في الآية الشريفة لم يكن نفياً مطلقاً بل هي بقرينة ذيلها، وهو قوله تعالى : ( والكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ )
____________
(1) الانعام 6 : 70 .
(2) البقرة 2 : 254 .
تدلّ على حرمان الكافرين من الشفاعة، غير أنّ الآية الكريمة جاءت لتقول للمؤمنين : إنَّ الامتناع من الانفاق في سبيل الله كفر، فيكون «الممتنع عن الانفاق» محروماً من الشفاعة لكونه من مصاديق «الكافرين» هكذا قال العلاّمة الطباطبائي في تفسير الآية المباركة (1).
والآية القرآنية الشريفة المتقدمة هي من أكثر الآيات القرآنية التي وقعت في موقع الاستدلال على نفي الشفاعة، وهذا الاستدلال على نفي مطلق الشفاعة صحيح لو لم تُعقب الآية بجملة ( والكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) حيثُ كان فيها إيضاح بأنّ الذين لا ينفقون مما رزقهم الله في سبيله هم الذين لا تنالهم الشفاعة ؛ لاَنّهم يدخلون في عداد الكافرين بناءً على ما تقدم .
ومن هنا فليس في القرآن الكريم نفي مطلق للشفاعة، وإنما يصحُّ أن يقال إنّ النفي الموجود في القرآن المجيد هو نفيٌ مقيد للشفاعة بقيد موضوعي فإذا ارتفع القيد ارتفع النفي .
وفي مقابل ذلك نجد أنَّ القرآن الكريم زاخر بالآيات التي تؤكد وجود الشفاعة، مثل قوله تعالى : ( هَلْ يَنْظُرُونَ إلا تَأويلَهُ يَوْمَ يَأتي تَأويلُهُ يَقُولُ الَّذين نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءتْ رُسُلُ رَبِنَا بالحقِ فَهَلْ لنا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أو نُرَدُّ فَنَعمَلَ غَيْرَ الَّذي كُنّا نَعْمَلُ قد خَسِرُوا أنفُسَهُم وَضَلَّ عَنْهُم ما كانُوا يَفتَرُون) (2) . ومع أنَّ الاَية الكريمة تتحدث عن نموذج معين من الناس من الذين كانوا يفترون على الله الكذب، وهي تنفي أن تنالهم الشفاعة يوم القيامة لاَنّهم كما يقول القرآن قد ( خسروا أنفسهم ) فإنّها توضح من جهة أُخرى حقيقة وجود الشفاعة بحيثُ يطلبها هؤلاء فلا ينالونها أبداً .
ــــــــــــــــــــــ
(1) الميزان في تفسير القرآن، للسيد محمدحسين الطباطبائي 2 : 323 .
(2) الاعراف 7 : 53 .
أو قوله تعالى : ( لا يَمْلِكُون الشَّفَاعَةَ إلاّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الَّرَحمَن عَهْدَاً ) (1).
أو قوله عزّ شأنه : ( يومئذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرَّحمنُ وَرَضِي لَهُ قولاً ) (2).
وكقوله تعالى : ( ولا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إلاّ مَنْ شَهدَ بالحَقِّ وَهُم يَعْلَمُونَ ) (3).
وهذهِ الآيات الشريفة وغيرها كثير تصرّح بوجود الشفاعة يوم القيامة، غاية الاَمر أنّ القرآن الكريم يصف الشفعاء بعدّة صفات، فمنهم (مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحمن عَهْدَاً ) ومنهم ( مَنْ أذِنَ لَهُ الرَّحمنُ ) ومنهم (مَنْ شَهِدَ بالحَقِّ وهُمْ يَعْلَمُونَ ) وأصحاب هذه الصفات الثلاثة وغيرها قد أعطاهم الله سبحانه وتعالى المنزلة العالية التي تجعلهم قادرين على أن يشفعوا فيمن يرتضي الرحمن شفاعتهم فيهم .
وخلاصة القول هي أنّ الشفاعة موجودة بصريح القرآن وغاية الاَمر هي محدودة بحدود في طرف الشفعاء وفي طرف المشفع فيهم، وأنّها لا تنال قسماً من النّاس .
ــــــــــــــــــــــ
(1) مريم 19 : 87 .
(2) طه 20 : 109 .
(3) الزخرف 43 : 86 .
كتاب الشفاعة حقيقة اسلامية
فكد كيدك وأسع سعيك وناصب جهدك
فوالله لـآ تمحو ذكرنا ولاتميت وحينا ولا يرحض عنك عارها وهل رأيك الأ فند وأيامك الا عدد وجمعك إلا بدد يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين