بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

أوّلاً: التزام الزهد والعبادة :
لقد أخذت هذه الظاهرة ساعات طويلة من وقت الإمام عليه السلام، وملأت مساحات واسعة من صفحات سيرته الشريفة، حتّى أصبح من أشهر ألقابه (زين العابدين) (76) و (سيّد الساجدين) (77) .
والزهد، من الفضائل الشريفة التي يتزيّى بها الرجال الطيّبون، المخلصون لله، الراغبون في جزيل ثوابه، العارفون بحقيقة الدنيا وأنها فانية زائلة، فلا يميلون إلى الاستمتاع بلذّاتها و مغرياتها، بل يقتصرون على الضروريّ الأقلّ، من المشرب والملبس والمسكن والمأكل .
وقد التزم أئمّة أهل البيت بهذه الفضيلة بأقوى شكل، وفي التزامهم بها معنى أكبر من مجرّد الفضل والخلق الجيّد، فكونهم أئمةً يُقتدى بهم واُمثولة لمن يعتقد بهم، واُسوة لمن سواهم، وقدوة للمؤمنين، يتبعون خطاهم، فهم لو تخلّقوا بهذا الخلق الكريم، قام جمع من الناس بذلك معهم، سائرين على طرق مأمونة من الانحراف .
فللإمام السجاد عليه السلام في العبادة مشاهد عظيمة، وأعمال جليلة، وسجدات طويلة، وصلوات متتالية، حتّى أنه كان يصلّي في اليوم والليلة (ألف ركعة) (78) وهذا يشبه ما نقل عن جدّه الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام .
وإذا نظرنا إلى عصر الإمام زين العابدين عليه السلام، وإلى ما حوله من حوادث واقعة واُمور جارية: أمكننا أنْ نقول: إنَ التزام الإمام بهذه العبادة، وبهذا الشكل من السعة، والإصْرار، والإعْلان، لم يكن عفويّاً، ولا عن غير قصدٍ وهدف، ولا لمجرد
حاجة شخصيّة، وتقرّب خاص، بل كان ورأها تدبير اجتماعي مهمّ جدّاً، إذ أنّ الامويين في تلك الفترة بالخصوص، وبعد سيطرتهم على مقدّرات العباد والبلاد جدّوا في إشاعة الفساد، وتمييع المجتمع، وترويج الترف واللهو، بين الناس، بهدف تبرير أعمالهم المخالفة للشرع المقدس، المنافية للعرف الذي يبتنى على العفة والشرف، وسعياً لتخدير الناس، وإبعاد الأمة عن الروح الإسلامية الواثبة المقتدرة التي تمكّن المسلمون بها من السيطرة على مساحات شاسعة من العالم وحضارات لامبراطوريات مجاورة لها بعد أن كانوا من الشعوب المتخلّفة تتخطفهم الأمم من حولهم، لا يملكون لعدوّهم دفعاً، ولا عن ذمارهم منعاً .
وقد خاطبتهم الزهراء فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واصفةً حالتهم بقولها: (... وكنتم على شفا حفرةٍ من النار، مَذَقةَ الشارب ونَهَزَةَ الطامع، وقبسة العجلان، وموطأ الأقدام، تشربون الطرق وتقتاتون الورق، أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناسُ من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بأبي (79) .
فأرشدهم الرسول إلى المجد والعلى والكرامة والعلم .
لكنّ الأمويين , و لأجل إخماد ثورة الإسلام في نفوس الناس , أخذوا في ترويج الفحشاء والمنكر، والفجور والخمور، والظلم والخيانة، حتّى ضُرب بهم المثل في خرق العهود والمواثيق، وتجاوز الأعراف والموازين المقبولة بين الناس، وتلاعبوا بكلّ المقدّرات والمقرّرات، وانغمسوا وجرّوا الناس معهم في الرذيلة واللعب، ومعهم الجيل الناشىء من الأمة، الذي نما على هذه الروح الطاغية اللاهية .
حتّى جعلوا من مدينة الرسول الطيّبة، مركزاً للفساد .
قال أبو الفرج الأصبهاني: إن الغناء في المدينة لا ينكره عالمهم، ولا يدفعه عابدهم (80) وحتّى: كانت يثرب تعجّ بالمغنيات،
ومن المؤسف حقاً أن مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم صارت في العصر الأموي مركزاً للحياة العابثة، وكان من المؤمَل أن تصبح معهداً للثقافة الدينية، ومصدراً للإشعاع الفكري والحضاري في العالم الإسلامي، إلاّ أن الأمويين سلبوها هذه القابلية، وأفقدوها مركزيَتها الدينية والسياسية (81) .
ولمّا خرج عُروة بن الزبير من المدينة واتخذ قصراً بالعقيق، وقال له الناس: قد
أجْفَرْتَ مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنّي رأيتُ مساجدهم لاهيةً، وأسواقهم لاغيةً، والفاحشة في فجاجهم عالية (82) .
وأضاف القرطبي: وكان في ما هناك عمّا أنتم فيه عافية (83) .
إنه في مثل هذه الأجواء والظروف ليس عفوياً، ولا عن غير هدف: أن يظلّ الإمام زين العابدين عليه السلام في المدينة، يعظ الناس ويرشدهم، ويدعوهم إلى نبذ المُتَع، ويحذّرهم من اللغو واللهو ومن الزينة والتفاخر . فكان عليه السلام يقول: لا قُدست اُمَة فيها البَرْبَط (84) .
نسأل الباري ان يجعلكم ويشملنا من انصار الحجه المنتظر ارواحنا له الفدا
نسألكم الدعاء كلما رفعتم لله كفا

(76 )تاريخ أهل البيت( ص 130 -131) مختصر تاريخ دمشق (17: 237) عن مالك بن أنس و (ص 235) عن الزهري .اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

أوّلاً: التزام الزهد والعبادة :
لقد أخذت هذه الظاهرة ساعات طويلة من وقت الإمام عليه السلام، وملأت مساحات واسعة من صفحات سيرته الشريفة، حتّى أصبح من أشهر ألقابه (زين العابدين) (76) و (سيّد الساجدين) (77) .
والزهد، من الفضائل الشريفة التي يتزيّى بها الرجال الطيّبون، المخلصون لله، الراغبون في جزيل ثوابه، العارفون بحقيقة الدنيا وأنها فانية زائلة، فلا يميلون إلى الاستمتاع بلذّاتها و مغرياتها، بل يقتصرون على الضروريّ الأقلّ، من المشرب والملبس والمسكن والمأكل .
وقد التزم أئمّة أهل البيت بهذه الفضيلة بأقوى شكل، وفي التزامهم بها معنى أكبر من مجرّد الفضل والخلق الجيّد، فكونهم أئمةً يُقتدى بهم واُمثولة لمن يعتقد بهم، واُسوة لمن سواهم، وقدوة للمؤمنين، يتبعون خطاهم، فهم لو تخلّقوا بهذا الخلق الكريم، قام جمع من الناس بذلك معهم، سائرين على طرق مأمونة من الانحراف .
فللإمام السجاد عليه السلام في العبادة مشاهد عظيمة، وأعمال جليلة، وسجدات طويلة، وصلوات متتالية، حتّى أنه كان يصلّي في اليوم والليلة (ألف ركعة) (78) وهذا يشبه ما نقل عن جدّه الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام .
وإذا نظرنا إلى عصر الإمام زين العابدين عليه السلام، وإلى ما حوله من حوادث واقعة واُمور جارية: أمكننا أنْ نقول: إنَ التزام الإمام بهذه العبادة، وبهذا الشكل من السعة، والإصْرار، والإعْلان، لم يكن عفويّاً، ولا عن غير قصدٍ وهدف، ولا لمجرد
حاجة شخصيّة، وتقرّب خاص، بل كان ورأها تدبير اجتماعي مهمّ جدّاً، إذ أنّ الامويين في تلك الفترة بالخصوص، وبعد سيطرتهم على مقدّرات العباد والبلاد جدّوا في إشاعة الفساد، وتمييع المجتمع، وترويج الترف واللهو، بين الناس، بهدف تبرير أعمالهم المخالفة للشرع المقدس، المنافية للعرف الذي يبتنى على العفة والشرف، وسعياً لتخدير الناس، وإبعاد الأمة عن الروح الإسلامية الواثبة المقتدرة التي تمكّن المسلمون بها من السيطرة على مساحات شاسعة من العالم وحضارات لامبراطوريات مجاورة لها بعد أن كانوا من الشعوب المتخلّفة تتخطفهم الأمم من حولهم، لا يملكون لعدوّهم دفعاً، ولا عن ذمارهم منعاً .
وقد خاطبتهم الزهراء فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واصفةً حالتهم بقولها: (... وكنتم على شفا حفرةٍ من النار، مَذَقةَ الشارب ونَهَزَةَ الطامع، وقبسة العجلان، وموطأ الأقدام، تشربون الطرق وتقتاتون الورق، أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناسُ من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بأبي (79) .
فأرشدهم الرسول إلى المجد والعلى والكرامة والعلم .
لكنّ الأمويين , و لأجل إخماد ثورة الإسلام في نفوس الناس , أخذوا في ترويج الفحشاء والمنكر، والفجور والخمور، والظلم والخيانة، حتّى ضُرب بهم المثل في خرق العهود والمواثيق، وتجاوز الأعراف والموازين المقبولة بين الناس، وتلاعبوا بكلّ المقدّرات والمقرّرات، وانغمسوا وجرّوا الناس معهم في الرذيلة واللعب، ومعهم الجيل الناشىء من الأمة، الذي نما على هذه الروح الطاغية اللاهية .
حتّى جعلوا من مدينة الرسول الطيّبة، مركزاً للفساد .
قال أبو الفرج الأصبهاني: إن الغناء في المدينة لا ينكره عالمهم، ولا يدفعه عابدهم (80) وحتّى: كانت يثرب تعجّ بالمغنيات،
ومن المؤسف حقاً أن مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم صارت في العصر الأموي مركزاً للحياة العابثة، وكان من المؤمَل أن تصبح معهداً للثقافة الدينية، ومصدراً للإشعاع الفكري والحضاري في العالم الإسلامي، إلاّ أن الأمويين سلبوها هذه القابلية، وأفقدوها مركزيَتها الدينية والسياسية (81) .
ولمّا خرج عُروة بن الزبير من المدينة واتخذ قصراً بالعقيق، وقال له الناس: قد
أجْفَرْتَ مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنّي رأيتُ مساجدهم لاهيةً، وأسواقهم لاغيةً، والفاحشة في فجاجهم عالية (82) .
وأضاف القرطبي: وكان في ما هناك عمّا أنتم فيه عافية (83) .
إنه في مثل هذه الأجواء والظروف ليس عفوياً، ولا عن غير هدف: أن يظلّ الإمام زين العابدين عليه السلام في المدينة، يعظ الناس ويرشدهم، ويدعوهم إلى نبذ المُتَع، ويحذّرهم من اللغو واللهو ومن الزينة والتفاخر . فكان عليه السلام يقول: لا قُدست اُمَة فيها البَرْبَط (84) .
نسأل الباري ان يجعلكم ويشملنا من انصار الحجه المنتظر ارواحنا له الفدا
نسألكم الدعاء كلما رفعتم لله كفا

( 77 )قد مضى أن هذه الألقاب وردت في الحديث المرفوع، فلاحظ (ص 35- 37) من كتابنا هذا .
( 78 )سير أعلام النبلاء(4:392) وشرح الأخبار(3:254و272) والخصال للصدوق وعلل الشرائع له(ص232) والإرشاد للمفيد(256) وكشف الغمة(1:33) نقلا عن رسالة الجاحظ في فضل بني هاشم و(2:86) وفلاح السائل(ص244) وتذكرة الحفاظ(1:75) وبحار الأنوار(6746).
(79)بلاغات النساء (ص 13) وانظر: فدك للقزويني (ص 153) وخطبتها في مسجد أبيها لما منعها أبو بكر فدكاً مروية في الاحتجاج للطبرسي، وشرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد (4: 78)، وطرقها عديدة متضافرة .
(80)الأغاني طبع دار الكتب (8: 224) ولاحظ (4: 222) ففيه موقف مالك فقيه المدينة، وانظر العقد الفريد (3: 233 و 245) .