اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

لقد كان له مجلس في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعظ الناس فيه:
قال سعيد بن المسيب: كان علي بن الحسين عليه السلام يعظ الناس ويزهّدهم في الدنيا، ويرغّبهم في أعمال الاَخرة، بهذا الكلام، في كل جمعة، في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحفظ عنه، وكتب، كان يقول: :
أيّها الناس اتقوا الله واعلموا أنكم إليه ترجعون، فتجدُ كلّ نفس ما عملت في هذه الدنيا من خير مُحْضَراً وما عملت من سُو، تَوَد لو أنّ بينَها وبينه أمداً بعيداً، ويحذّركم الله نفسه .[ مقتبس من القرآن الكريم . سورة آل عمران (3) الاَية (30) ]
ويحك يابن آدم الغافل، وليس بمغفول عنه .
يابن آدم إنَ أجلك أسرع شي إليك قد أقبل نحوك حثيثاً يطلبك، ويوشك أن يدركك، وكأنْ قد أوفيت أجلك، وقبض الملك روحك وصرت إلى قبرك وحيداً، فردَ إليك فيه روحك، واقتحم عليك فيه ملكان: ناكر ونكير لمسألتك وشديد امتحانك .
ألا، وإن أوّل ما يسألانك: عن ربك الذي كنت تعبده ? وعن نبيك الذي اُرسل إليك ? وعن دينك الذي كنت تدين به ? وعن كتابك الذي كنت تتلوه ? وعن إمامك الذي كنت تتولاّه ? .
ثمّ، عن عمرك في ما كنت أفنيته ? ومالك من أين اكتسبته ? وفي ما أنت أنفقته ? .
فخذ حذرك، وانظر لنفسك، وأعدّ الجواب قبل الامتحان والمسألة والاختبار . .
فإن تَكُ مؤمناً عارفاً بدينك، متّبعاً للصادقين، موالياً لأولياء الله، لقَاك الله حجّتك وانطلق لسانك بالصواب وأحسنت الجواب، وبُشرت بالرضوان والجنة من الله عز وجل، واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان .
وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك ودُحضت حجّتك وَعِييْتَ عن الجواب، وبُشّرت بالنار، واستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم وتصلية جحيم .
واعلم يابن آدم: أن من وراء هذا أعظم، وأفظع، وأوجع للقلوب يوم القيامة، وذلك يوم مجموع له الناس، وذلك يوم مشهود، يجمع الله عز وجل فيه الأوّلين والاَخرين .
ذلك يوم ينفخ في الصور، وتبعثر فيه القبور .
وذلك يوم الأزفة، إذ القلوب لدى الحناجر، كاظمين .
وذلك يوم لا تقال فيه عثرة، ولا يؤخذ من أحد فدية، ولا تُقبل عن أحد معذرة، ولا لأحد فيه مستقبل توبة، ليس إلاّ الجزاء بالحسنات والجزاء بالسيئات .
فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرّةٍ من خيرٍ وجده، ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرّةٍ من شرٍّ وجده .
فاحذروا، أيها الناس من الذنوب والمعاصي ما قد نهاكم الله عنها، و حذّركموها في كتابه الصادق، والبيان الناطق .
ولا تأمنوا مكر الله وتحذيره وتهديده، عندما يدعوكم الشيطان اللَعين إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا، فإن الله عز وجل يقول: (إنّ الذين اتقوا إذا مسّهم
طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) الأعراف (7) الاَية: 201 ]
وأشْعِروا قلوبكم خوف الله، وتذكّروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه، كما قد خوَفكم من شديد العقاب، فإنه من خاف شيئاً حذره، ومن حذر شيئاً تركه . ولا تكونوا من الغافلين، المائلين إلى زهرة الدنيا، الذين مكروا السيئات، فإن الله يقول في محكم كتابه: (أ فأمِنَ الذين مكروا السيّئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلّبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوّف..) .[النحل (16) الاَيات 45 47 ]
فاحذروا ما حذّركم الله، بما فعل بالظلمة، في كتابه، ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما تواعد به القوم الظالمين في الكتاب .
والله، لقد وعظكم الله في كتابه بغيركم، فإن السعيد من وُعِظَ بغيره .
ولقد أسمعكم الله في كتابه ما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم، حيث يقول

و ايْمُ الله، إنّ هذه عظة لكم وتخويف، إن اتّعظتم وخفتم .
ثم رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب، فقال الله عز وجل: (ولئن مسّتهم نفحة من عذاب ربك ليقولنّ يا ويلنا إنّا كنّا ظالمين) الأنبياء (21 )] .[الاَية (46)
فإن قلتم أيها الناس: إن الله عز وجل إنمّا عنى بهذا أهل الشرك ?
فكيف ذاك ? وهو يقول: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تُظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبّةٍ من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) [ الأنبياء (21 )]الاَية (47)
إعلموا عباد الله إن أهل الشرك لا تُنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدواوين،ـــــ
وإنما يحشرون إلى جهنم زمراً، وإنما نصب الموازين ونشر الدواوين لأهل الإسلام .
فاتقوا الله عباد الله .
واعلموا أن الله عز وجل لم يحبّ زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه، ولم يرغّبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها، وإنما خلق الدنيا وأهلها ليبلوهم
فيها: أيّهم أحسن عملاً لاَخرته ? .
و ايْمُ الله، لقد ضرب لكم فيه الأمثال، وعرّف الاَيات لقوم يعقلون، ولا قوّة إلاّ بالله .
فازهدوا في ما زهّدكم الله عزوجل فيه من عاجل الحياة الدنيا .
فإن الله عز وجل يقول وقوله الحقّ: (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتّى إذا أخذت الأرض زخرفها و أزيّنت وظنّ أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأنْ) لم تَغْنَ بالأمسِ كذلك نفصّل الاَيات لقوم يتفكّرون) .[ يونس (10) الاَية (24]
فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكّرون، ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله عز وجل قال لمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم : (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار) [ هود (11) الاَية (113) ]
ولا تركنوا إلى زهرة الدنيا وما فيها ركون من اتّخذها دار قرار و منزل استيطان، فإنها دار بُلغة، ومنزل قلعة، ودار عمل، فتزوَدوا الأعمال الصالحة فيها قبل تفرق أيامها، وقبل الإذن من الله في خرابها، فكان قد أخر بها الذي عمرّها أول مرة وابتدأها وهو ولي ميراثها فأسأل الله العون لنا ولكم على تزوّد التقوى، والزهد فيها .
جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا، الراغبين لاَجل ثواب الاَخرة، فإنما نحن به وله .
وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (85) .
نسأل الباري ان يجعلكم ويشملنا من انصار الحجه المنتظر ارواحنا له الفدا
نسألكم الدعاء كلما رفعتم لله كفا
