تأويل خُطبة الإمام عليٍّ ( عليه السلام ) المعروفة بالزوراء
نقل العلاَّمة الحلِّي ( رضوان الله عليه ) عن أبيه أنَّه قال : إنَّ ما منع أهل الكوفة والحلَّة وكربلاء والنجف أنْ يُقتلوا قَتلاً عامَّاً في فتنة المغول ، ونجوا مِن هُجوم جنود هولاكو عليهم ؛ هو أنَّه عندما وصل هولاكو إلى خارج بغداد ، وقبل أنْ يفتحها ، كان أكثر أهل الحلَّة قد دفعهم الخوف إلى ترك منازلهم واللجوء إلى البطاح ، ولم يبقَ فيهم في المدينة إلاَّ القليل ، كان منهم أبي ، والسيِّد ابن طاوس ، والفقيه ابن أبي العِزِّ . فقرَّر هؤلاء الثلاثة أنْ يكتبوا رسالة إلى هولاكو يُعلنون فيها إطاعتهم له .
كتبوا الرسالة وبعثوا بها مع شخصٍ غير عربيٍّ . وعند وصول الرسالة إلى هولاكو أصدر أمراً بأسمائهم وأرسله مع شخصين هما ( نكله ) ، و( علاء الدين ) وأوصاهما بأنْ يقولا لكاتبي الرسالة : إذا كان ما كتبتموه مِن صميم القلب ، وأنَّ ما في قلوبكم يُطابق ما في رسالتكم ، فاقدموا علينا .
جاء مبعوثا هولاكو إلى الحلَّة وأبلغا رسالة هولاكو إلى الثلاثة . إلاَّ أنَّهم شعروا بالخوف مِن لُقيا هولاكو ؛ لأنَّهم لم يكونوا يعرفون عاقبة الأمر . فقال أبي للمبعوثين : ألا يكفي أنْ أذهب أنا وحدي إلى هولاكو ؟ قالا : بلى ، فسافر مع المبعوثيَن . ولم تكن بغداد قد فُتحت بعد ، ولم يكن الخليفة العبَّاسي قد قُتل . وعندما وصل أبي إلى هولاكو سأله هذا : كيف بادرتم إلى مُكاتبتي ؟ وكيف جئتني قبل أنْ تدري نتيجة الأمر بيني وبين الخليفة ؟ أنَّى لكم الثقة بأنَّ الأمر بيني وبين الخليفة لا يؤدِّي إلى التصالح وأنِّي لن أتركه ؟
فقال له أبي : كتابة الرسالة إليك ومُثولي بين يديك إنَّما كانا للرواية التي وصلتنا مِن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
قال في خطبة الزوراء :
( ... وما أدراك ما الزَّوراء ! أرض ذات أثلٍ ، يشتدُّ فيها البُّنيان ، وتكثر فيها السكَّان ، ويكون فيها مخادم وخزَّان ، يتَّخذها وُلد العباس موطناً ، ولزخُرفهم مسكناً ، تكون لهم دار لهو ولعب ، يكون بها الجور الجائر ، والخوف المُخيف ، والأئمَّة الفَجرة ، والأُمراء الفسقة ، والوزراء الخونة ، تخدمهم أبناء فارس والروم ، لا يأتمرون بمعروف إذا عرفوه ، ولا يتناهون عن مُنكرٍ إذا نكروه ، تكتفي الرّجال منهم بالرجال ، والنّساء بالنّساء ، فعند ذلك الغمِّ العميم ، والبُكاء الطويل ، والويل لأهل الزّوراء مِن سطوات التُّرك ، وهُمْ قومٌ صغار الحدق ، وجوههم كالمَجانِّ المُطوَّقة ، لباسهم الحديد ، جردٌ مُردٌ ، يَقدمهم ملكٌ يأتي مِن حيث بدا مُلكهم ، جهوريٌّ الصَّوت ، قويُّ الصّولة ، عالي الهِمَّة ، لا يمرُّ بمدينةٍ إلاّ فتحها ، ولا تُرفع عليه رايةً إلاّ نكسها ، الويل الويل لمَن ناوأه فلا يزال كذلك حتَّى يظفر ) .
بعد أنْ قرأ والد العلاَّمة الحلِّي الخُطبة قال لهولاكو : إنَّ الأوصاف التي ذكرها عليٌّ ( عليه السلام ) في الخُطبة نراها جميعاً فيك ؛ ولهذا كتبنا الرسالة وسعيت إليك . فتقبَّل هولاكو آراءهم بحسن القَبول ، وكتب له أمراً جعل فيه أهل الحلَّة موضع رعايته .
ولم يمضِ طويل وقت حتَّى فتح هولاكو بغداد وقتل المُستعصم ، آخر خُلفاء بني العبَّاس . وحسبما يقول البستاني في دائرة معارفه : بأنَّه قَتَل في هذا الحدث الدمويِّ أكثر مِن مليوني شخصٍ ، ونُهبت أموال كثيرة ، وأُحرقت دور كثيرة . واتَّضح أخيراً أنَّ عُلماء الحلَّة الثلاثة كانوا قد فهموا خُطبة علي ( عليه السلام ) على حقيقتها وطبَّقوها على هولاكو وجنوده ، فكان تمييزهم الصحيح وكتابتهم الرسالة في الوقت المُناسب قد أنقذوا أرواح أهل الحلَّة والكوفة والنجف وكربلاء مِن موت مُحقَّق ، فنجوا مِن مذبحة جماعيَّة .
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ
السلام على الحسين ، وعلى علي بن الحسين ، وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
جزاكم الله خيرا أخواتي على المرور
لاعدمنا هذه الدعوات الله يقضي حوائجكم جميعا
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله كل خير على هذا الطرح الرائع
وبارك الله بكم وجزيتم خير الجزاء
وجعله الله في ميزان حسناتكم