اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

ولنقرأ معاً كلاماً له عليه السلام في الزهد، لنقف على معالم رفيعة وآفاق وسيعة مما عند الإمام في هذا المقام: .
إنَ علامةَ الزَاهِدينَ في الدنيا الرَاغبينَ في الاَخِرَةِ تركُهُمْ كلَ خَليطٍ وخَليلٍ ورَفْضُهمْ كُلَ صاحِبٍ لا يريدُ ما يُريدوُنَ .
ألا وَإنَ العامِلَ لِثَوابِ الاَخِرَةِ هو الزَاهدُ في عاجِلِ زَهرةِ الدنيا، الاَخذُ لِلمَوتِ أُهْبَتَهُ، الحاث علَى العَملِ قَبْلَ فَناءِ الاَجَلِ ونُزولِ ما لابدَ مِن لِقائِهِ . وتَقدِيمِ الحَذَرِ قَبْلَ الحَيْنِ، فإنَ اللهَ عز َوجلَ يقولُ: (حَتّى إذا جأَ أحَدَهُمُ المَوْتُ قالَ رَب ارْجِعُون لَعلّي أعْمَلُ صالِحاً في ما تَرَكْتُ (97)) فَلْيُنْزِلَنَ أحَدُكُم اليَوْمَ نَفْسَهُ في هذِه الدنيا كمَنْزِلَةِ المَكْرُورِ إلى الدنيا، النّادِمِ على ما فَرَطَ فيها مِنَ العمَلِ الصّالح لِيَوْمِ فاقَتِهِ .
وَاعْلَمُوا عِبادَ اللهِ: أنَه مَنْ خافَ البَياتَ تَجافى عَنِ الوِسَادِ . وَامْتَنَعَ مِنَ الرقادِ،
وأمْسَكَ عَنْ بَعْضِ الطّعام والشَرابِ مِنْ خَوْفِ سُلْطانِ أهلِ الدنيا، فَكيفَ، وَيْحَكَ يا ابنَ آدَمَ، مِن خَوفِ بَياتِ سُلطانِ رَبَ العِزَةِ وأخْذِهِ الألِيمِ وبَياتِهِ لأِهلِ المَعاصِي والذنوبِ مَعَ طوارِقِ المَنايا باللّيل والنَهارِ ? فَذلِكَ البَياتُ الّذي لَيْسَ مِنْهُ مُنْجًى، ولا دُونَه مُلْتَجأ، ولا مِنْهُ مَهْرَب .
فَخافُوا اللهَ أيها المُؤمِنونَ مِنَ البَياتِ خَوفَ أهْلِ التَقوى، فَإنَ اللهَ يقولُ: (ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامي وَخافَ وَعيدِ (98).
فَاحْذَرُوا زَهْرَةَ الحَياةِ الدنيا وغُرُورَها وشُرُورَها وتذكَروا ضَرَرَ عاقبةِ المَيْلِ إِلَيْها، فَإنَ زِيْنَتَها فِتْنَة وحُبَها خَطيئَة .
واعلَم وَيْحَكَ يَا ابنَ آدمَ أنَ قَسْوَةَ البِطْنَةِ وكِظَةَ المِلاَْةِ وسُكْرَ الشَبَعِ وغِرَةَ المُلْكِ مِمّا يُثَبطُ ويُبَطّيُ عَنِ العَمَلِ ويُنْسِي الذكْرَ ويُلْهِي عَنِ اقْتِرابِ الأجَلِ، حَتّى كَأَنَ المُبْتَلى بِحُب الدنيا به خَبَل مِنْ سُكْرِ الشَرابِ .
وأنَ العاقلَ عَنِ اللهِ، الخائِفَ مِنْهُ، العامِلَ له لَُيمَرنُ نَفْسَهُ ويُعَودُها الجُوعَ حتّى ما تَشْتاقَ إلى الشَبَعِ، وكَذلِكَ تُضَمَرُ الخَيْلُ لِسَبْقِ الرهانِ .
فَاتّقوا اللهَ عِبادَ اللهِ تَقوى مُؤَملٍ ثَوابَهُ وخائِفٍ عِقابَهُ فَقَدْ للهِ أنْتُمْ أعْذَرَ وأنْذَرَ وشَوَقَ وخَوَفَ، فَلا أنْتُمْ إلى ما شَوَقكُمْ إلَيْهِ مِنْ كَرِيمِ ثَوابِهِ تَشْتاقُونَ فَتَعْمَلونَ، ولا أَنْتُمْ ممّا خَوَفكُمْ بِهِ مِنْ شَديدِ عقابهِ وأليمِ عَذابِهِ تَرْهَبُونَ فَتَنْكُلُونَ .
وقد نَبَأكمُ اللهُ في كتابِه أنّه: (مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِن فَلا كُفرانَ لِسَعْيِهِ وَ إنّا لَهُ كاتِبُونَ (99) .
ثُمَ ضَرَبَ لكمُ الأمثالَ في كِتابِهِ وَصَرَفَ الاَياتِ لِتَحْذَرُوا عاجِلَ زَهْرَةِ الحَياةِ الدنْيا فقال: (إنّما أمْوالُكُمْ وَأوْلادُكُمْ فِتْنَة وَاللهُ عِنْدَهُ أجْر عَظِيم (100) .
فاتّقوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعوا وأطِيعوا، فَاتّقوا اللهَ وَاتَعِظوا بِمَوَاعِظِ اللهِ . وما أعلَمُ إلاّ كَثيراً مِنكُمْ قَدْ نَهَكَتْهُ عَواقِبُ المَعاصِي فَما حَذَرَها وَأضَرَتْ بِدينِهِ فَما مَقَتَها .
أما
تَسْمَعُونَ النداءَ مِنَ اللهِ بعَيْبها وَتَصغِيرِها حَيثُ قال: (اِعْلَمُوا أَنَمَا الحَيوةُ الدنيا لَعِب وَلَهْو وزِينَة وَتَفاخُر بَيْنَكُمْ وَتَكاثُر في الأمْوالِ وَالأوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أعْجَبَ الكُفّارَ نَباتُه ثُمَ يَهيجُ فَتَراهُ مُصْفَرا ثُمَ يَكُونُ حُطاماً وَفي الاَخِرَةِ عَذاب شَدِيد وَمَغْفِرَة مِنَ اللهِ سابِقُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبكُمْ وجَنَةٍورِضْوان وَمَا الحَيوةُ الدنْيا إلاّ مَتاعُ الغُرُورِ عَرْضُها كَعَرْضِ السَماءِ وَالأرْضِ أُعِدَتْ لِلَذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشأُ وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظيم )(101) .
وقالَ: (يا أيهَا الّذِينَ آمَنُوا اتَقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْس ما قَدَمَتْ لِغَدٍ وَاتَقُوا اللهَ إنَ اللهَ خبير بما تعملون* وَلا تَكُونُوا كَالَذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أنْفُسَهُمْ أولئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ) (102) .
فَاتَقوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَتَفَكَرُوا وَاعْمَلُوا لِما خُلِقْتُمْ لَهُ، فَإنَ اللهَ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً ولَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدًى، قَدْ عَرَفكُمْ نَفْسَهُ وَبَعَثَ إلَيْكُمْ رَسُولَهُ وأَنْزَلَ عَليكم كِتابَهُ، فيه حَلالُهُ وحرامُهُ وحُجَجُهُ وأمثالُهُ .
فاتَقُوا اللهَ فَقد احْتَجَ عليكم رَبكم فَقال: (ألَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ و لِساناً و َشَفَتَيْن ِوَهَدَيْناهُ النَجْدَيْنِ) (103) فهذِه حُجَة عَلَيكم فَاتَقوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإنَه لا
قوَة إلاّ بالله ولا تكْلانَ إلاّ عَلَيه، وصلّى اللهُ على محمّد [ نبِيهِ ] وآلِه (104).
نسأل الباري ان يجعلكم ويشملنا من انصار الحجه المنتظر ارواحنا له الفدا
نسألكم الدعاء كلما رفعتم لله كفا

(98)سورة إبراهيم آية 14.
(99) سورة الأنبياء آية 94.
(100) سورة التغابن آية 15.
(101)سورة الحديد آية 20 21 .
(102)سورة الحشر آية 18 19 .
(103)سورة البلد آية 8 10 .