بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

ثانياً: التزام البكاء على سيد الشهداء عليه السلام:
لقد صاحبتْ هذه الظاهرة الإمام زين العابدين عليه السلام مدّة إمامته ونضاله، بحيث لا يمكن المرور على أيّ مرفق من مرافق عمره الشريف، أو أيّ موقف من مواقفه الكريمة، إلاّ بالعبور من مجرى دموعه وفيض عيونه .
ولا ريب أنّ البكاء، كما أنه لا يتهيّأ للإنسان إلاّ عند التأثّر بالأمور الأكثر حساسيّة، وإثارةً وحرقةً، ليكون حسباً للهدو ء و الترويح عن النفس .
فكذلك هو وسيلة لإثارة القضيّة، أمام الاَخرين، وتهييج مَنْ يرى دموع الباكي تنهمر، ليتعاطف معه طبيعيّاً، وعلى الأقل يخطر على باله التساؤل عن سبب البكاء ?.
وإذا كان الباكي شخصيةً مرموقةً، وذا خطر اجتماعي كبير، مثل الإمام زين العابدين عليه السلام، فإن ظاهرة البكاء منه، مدعاة للإثارة الأكثر، وجلب الاهتمام الأكبر، بلا ريب .
والحكّام الظالمون، فهم دائماً يهابون الثوّار في ظلّ حياتهم، فيحاولون إسكاتهم بالقتل والخنق، مهما أمكن، ويتصّورون ذلك أفضل السبل للتخلّص منهم، أو تطويقهم بالسجن والحبس .
وكذلك هم يحاولون بكل جدّية، في إبادة آثار الثورة ومحوها عن الأنظار، والأفكار حتّى لا يبقى منها ولا بصيص جذوة .
ولكنهم رغم كل قدراتهم لم يتمكّنوا من اقتلاع العواطف التي تستنزف الدموع من عيون الباكين على أهليهم وقضيَتهم، فالبكاء من أبسط الحقوق الطبيعية للباكين . والإمام زين العابدين عليه السلام قد استغلّ هذا الحقّ الطبيعي في صالح القضية التي من أجلها راح الشهداء صرعى على أرض معركة كربلاء .
وإذا أمعنّا النظر في تحليل التاريخ وتابعنا مجريات الأحداث، التي قارنت كربلاء، وجدنا أن المعركة لم تنتهِ بعدُ، وإنما الدماء الحمر، أصبحت تجري اليوم دموعاً حارّة بيضاً، تحرق جذور العدوان، وتجرف معها مخلّفات الانحراف وتروّي بالتالي اُصول الحقّ والعدالة .
وبينما يعدّ الطغاة ظاهرة البكاء دليلاً على العجز والضعف و الانكسار و المغلوبيّة، فهم يكفّون اليد عن الباكي، لكون بكائه علامةً لاندحاره أمام القوّة، وعلامة
الاستسلام للواقع، نجد عامة الناس، يُبدون اهتماماً بليغاً لهذه الظاهرة، تستتبع عطفهم، وتستدرّ تجاوبهم إلى حدّ ما، وأقلّ ما يُبدونه هو نشدانهم عن أسباب البكاء ?
وتزداد كلّ هذه الامور شدّةً إذا كان الباكي رجلاً شريفاً معروفاً وبالأخص إذا كان يُفيض الدمعة بغزارة فائقة، وباستمرار لا ينقطع كما كان من الإمام زين العابدين عليه السلام، حتّى عدّ في البكائين، وكان خامسهم بعد آدم، ويعقوب، ويوسف، وجدّته فاطمة الزهراء (12) .
إنّ البكاء على شُهداء كربلاء، وثورتها، لم يكن في وقت من الأوقات أمر حزن
ناتجٍ من إحساس بالضعف والانكسار، ولا عَبرة يأس وقنوط، لأن تلك الأحداث، بظروفها ومآسيها قد مضت، وتغيّرت، وذهب أهلوها، وعُرف حقّها من باطلها، وأصبحت للمقتولين كرامة وخلوداً، وللقاتلين لعنةً ونقمةً، لكنّ البكاء عليهم وعلى قضيّتهم، كان أمر عِبرة وإثارة واستمداد من مفجّرها، وصانع معجزتها، وحزناً على عرقلة أهدافها المستلهمة من ثورة الإسلام التي قام بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
والدليل على كل ذلك أنّ لكلّ حزن أمداً، يبدأ من حين المصيبة إلى فترة طالت او قصرت، وينتهي ولو بعد جيل من الناس .
أما قبل حدوث المصيبة، فلم يُؤْثَر في المعتاد، أو المعقول للناس، أن يبكوا لشيء لكن قضيّة الحسين أبي عبد الله عليه السلام، قد أقيمت الأحزان عليها قبل وقوعها بأكثر من نصف قرن، واستمرّ الحزن عليها إلى الأبد، فهي الى القيامة باقية .
والذين أثاروا هذا الحزن، قبل كربلاء، وأقاموا المآتم بعد كربلاء: هم الأئمة من أهل البيت عليهم السلام .
فمنذ وُلد الحسين عليه السلام أقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم مآتم على سبطه الوليد ذلك اليوم، الشهيد بعد غدٍ .
فكيف يقيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مجلس الحزن على قرّة عينه، يوم ولادته، أ هكذا يَستقبل العظماء مواليدهم ? أولا يجب أن استبشروا بالولادات الجديدة، ويتهادوا التهاني والأفراح والمسرّات ? !.
وتتكرّر المجالس التي يعقدها الرسول العظيم، ليبكي فيها على وليده، ويبكي
لأجله كل مَنْ حوله، وفيهم فاطمة الزهراء عليها السلام أم الوليد، وبعض أمّهات المؤمنين، وأشراف الصحابة (13) .
وحقاً عُدّ ذلك من دلائل النبوّة ومعجزاتها (14) .
وهكذا أقام الإمام علي عليه السلام، مجلس العزاء على ولده الحسين عليه السلام، لمّا مرّ على أرض كربلاء، وهو في طريقه إلى صفّين، فوقف بها، فقيل: هذه كربلاء، قال: ذات كرب وبلاء، ثم أومأ بيده إلى مكان، فقال: هاهنا موضع رحالهم، ومناخ ركابهم، وأومأ بعده إلى موضع آخر، فقال: هاهنا مهراق دمائهم (15) .
ونزل إلى شجرة، فصلّى إليها، فأخذ تربةً من الأرض فشمّها، ثم قال: واهاً لكِ من تربة، ليقتلنّ بكِ قوم يدخلون الجنة بغير حساب (16) .
ورثاه أخوه الحسن عليه السلام وقال له: لا يوم كيومك يا أبا عبد الله... ويبكي عليك كلّ شي ...(17) .
وحتّى الحسين عليه السلام نفسُه، نعى نفسَه ودعا إلى البكاء على مصيبته، وحثّ المؤمنين عليه، حيث قال: أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى (18) .
وهكذا الأئمة عليهم السلام بعد الحسين، أكّدوا على البكاء على الحسين بشتّى الأشكال .
نسأل الباري ان يجعلكم ويشملنا من انصار الحجه المنتظر ارواحنا له الفدا
نسألكم الدعاء كلما رفعتم لله كفا

اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

ثانياً: التزام البكاء على سيد الشهداء عليه السلام:
لقد صاحبتْ هذه الظاهرة الإمام زين العابدين عليه السلام مدّة إمامته ونضاله، بحيث لا يمكن المرور على أيّ مرفق من مرافق عمره الشريف، أو أيّ موقف من مواقفه الكريمة، إلاّ بالعبور من مجرى دموعه وفيض عيونه .
ولا ريب أنّ البكاء، كما أنه لا يتهيّأ للإنسان إلاّ عند التأثّر بالأمور الأكثر حساسيّة، وإثارةً وحرقةً، ليكون حسباً للهدو ء و الترويح عن النفس .
فكذلك هو وسيلة لإثارة القضيّة، أمام الاَخرين، وتهييج مَنْ يرى دموع الباكي تنهمر، ليتعاطف معه طبيعيّاً، وعلى الأقل يخطر على باله التساؤل عن سبب البكاء ?.
وإذا كان الباكي شخصيةً مرموقةً، وذا خطر اجتماعي كبير، مثل الإمام زين العابدين عليه السلام، فإن ظاهرة البكاء منه، مدعاة للإثارة الأكثر، وجلب الاهتمام الأكبر، بلا ريب .
والحكّام الظالمون، فهم دائماً يهابون الثوّار في ظلّ حياتهم، فيحاولون إسكاتهم بالقتل والخنق، مهما أمكن، ويتصّورون ذلك أفضل السبل للتخلّص منهم، أو تطويقهم بالسجن والحبس .
وكذلك هم يحاولون بكل جدّية، في إبادة آثار الثورة ومحوها عن الأنظار، والأفكار حتّى لا يبقى منها ولا بصيص جذوة .
ولكنهم رغم كل قدراتهم لم يتمكّنوا من اقتلاع العواطف التي تستنزف الدموع من عيون الباكين على أهليهم وقضيَتهم، فالبكاء من أبسط الحقوق الطبيعية للباكين . والإمام زين العابدين عليه السلام قد استغلّ هذا الحقّ الطبيعي في صالح القضية التي من أجلها راح الشهداء صرعى على أرض معركة كربلاء .
وإذا أمعنّا النظر في تحليل التاريخ وتابعنا مجريات الأحداث، التي قارنت كربلاء، وجدنا أن المعركة لم تنتهِ بعدُ، وإنما الدماء الحمر، أصبحت تجري اليوم دموعاً حارّة بيضاً، تحرق جذور العدوان، وتجرف معها مخلّفات الانحراف وتروّي بالتالي اُصول الحقّ والعدالة .
وبينما يعدّ الطغاة ظاهرة البكاء دليلاً على العجز والضعف و الانكسار و المغلوبيّة، فهم يكفّون اليد عن الباكي، لكون بكائه علامةً لاندحاره أمام القوّة، وعلامة
الاستسلام للواقع، نجد عامة الناس، يُبدون اهتماماً بليغاً لهذه الظاهرة، تستتبع عطفهم، وتستدرّ تجاوبهم إلى حدّ ما، وأقلّ ما يُبدونه هو نشدانهم عن أسباب البكاء ?
وتزداد كلّ هذه الامور شدّةً إذا كان الباكي رجلاً شريفاً معروفاً وبالأخص إذا كان يُفيض الدمعة بغزارة فائقة، وباستمرار لا ينقطع كما كان من الإمام زين العابدين عليه السلام، حتّى عدّ في البكائين، وكان خامسهم بعد آدم، ويعقوب، ويوسف، وجدّته فاطمة الزهراء (12) .
إنّ البكاء على شُهداء كربلاء، وثورتها، لم يكن في وقت من الأوقات أمر حزن
ناتجٍ من إحساس بالضعف والانكسار، ولا عَبرة يأس وقنوط، لأن تلك الأحداث، بظروفها ومآسيها قد مضت، وتغيّرت، وذهب أهلوها، وعُرف حقّها من باطلها، وأصبحت للمقتولين كرامة وخلوداً، وللقاتلين لعنةً ونقمةً، لكنّ البكاء عليهم وعلى قضيّتهم، كان أمر عِبرة وإثارة واستمداد من مفجّرها، وصانع معجزتها، وحزناً على عرقلة أهدافها المستلهمة من ثورة الإسلام التي قام بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
والدليل على كل ذلك أنّ لكلّ حزن أمداً، يبدأ من حين المصيبة إلى فترة طالت او قصرت، وينتهي ولو بعد جيل من الناس .
أما قبل حدوث المصيبة، فلم يُؤْثَر في المعتاد، أو المعقول للناس، أن يبكوا لشيء لكن قضيّة الحسين أبي عبد الله عليه السلام، قد أقيمت الأحزان عليها قبل وقوعها بأكثر من نصف قرن، واستمرّ الحزن عليها إلى الأبد، فهي الى القيامة باقية .
والذين أثاروا هذا الحزن، قبل كربلاء، وأقاموا المآتم بعد كربلاء: هم الأئمة من أهل البيت عليهم السلام .
فمنذ وُلد الحسين عليه السلام أقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم مآتم على سبطه الوليد ذلك اليوم، الشهيد بعد غدٍ .
فكيف يقيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مجلس الحزن على قرّة عينه، يوم ولادته، أ هكذا يَستقبل العظماء مواليدهم ? أولا يجب أن استبشروا بالولادات الجديدة، ويتهادوا التهاني والأفراح والمسرّات ? !.
وتتكرّر المجالس التي يعقدها الرسول العظيم، ليبكي فيها على وليده، ويبكي
لأجله كل مَنْ حوله، وفيهم فاطمة الزهراء عليها السلام أم الوليد، وبعض أمّهات المؤمنين، وأشراف الصحابة (13) .
وحقاً عُدّ ذلك من دلائل النبوّة ومعجزاتها (14) .
وهكذا أقام الإمام علي عليه السلام، مجلس العزاء على ولده الحسين عليه السلام، لمّا مرّ على أرض كربلاء، وهو في طريقه إلى صفّين، فوقف بها، فقيل: هذه كربلاء، قال: ذات كرب وبلاء، ثم أومأ بيده إلى مكان، فقال: هاهنا موضع رحالهم، ومناخ ركابهم، وأومأ بعده إلى موضع آخر، فقال: هاهنا مهراق دمائهم (15) .
ونزل إلى شجرة، فصلّى إليها، فأخذ تربةً من الأرض فشمّها، ثم قال: واهاً لكِ من تربة، ليقتلنّ بكِ قوم يدخلون الجنة بغير حساب (16) .
ورثاه أخوه الحسن عليه السلام وقال له: لا يوم كيومك يا أبا عبد الله... ويبكي عليك كلّ شي ...(17) .
وحتّى الحسين عليه السلام نفسُه، نعى نفسَه ودعا إلى البكاء على مصيبته، وحثّ المؤمنين عليه، حيث قال: أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى (18) .
وهكذا الأئمة عليهم السلام بعد الحسين، أكّدوا على البكاء على الحسين بشتّى الأشكال .
نسأل الباري ان يجعلكم ويشملنا من انصار الحجه المنتظر ارواحنا له الفدا
نسألكم الدعاء كلما رفعتم لله كفا

(12) الخصال للصدوق (ص 272) و أمالي الصدوق (المجلس 29) ص (121)
(13) إقرأ عن المجالس التي أقامها الرسول كتاب: سيرتنا و سنتنا للأميني، ولاحظ تاريخ دمشق لابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين (ص 165 185 ).
( 14) دلائل النبوة للبيهقي (6: 468) ومسند أحمد (3: 242 و 265) وانظر أمالي الصدوق (ص 126) ودلائل النبوة، لابي نعيم (ص 709) رقم (492) .
(15) وقعة صفين (ص 141) والمصنف لابن أبي شيبة (:15: 98)رقم (191214) وكنز العمال (7: 105 و 110) و أمالي الصدوق المجلس (78 )( ص 478 و 479 ).
(16) تاريخ دمشق لابن عساكر (ترجمة الإمام الحسين ) (ص 235) رقم 280 وانظرالأرقام (236- 239) .
(17) أمالي الصدوق (المجلس (24) ص 101) .
( 18) فضل زيارة الحسين للعلوي (ص 41) الحديث (13) .