حيث أن الرب العظيم بادراكه لذاته أزهر أول مخلوق قابل للفيض الرباني و منه انبثق فجر الحياة فخلقت بها المخلوقات أفواجاً، إنها الزهراء عليها سلام الله، قال رسول الله صلى الله عليه و اله: (خلقَتُها (فاطمة) من نور عظمة الله تبارك و تعالى)، و في حديث قدسي يخاطب الله الكريم أحسن كليم فيقول: (فطمتكِ بالعلم) كما مر أن الزهراء سلام الله عليها مظهر ادراك الله لذاته و قد يكون الخطاب في (ولولاها لما خلقتكما) اشارة الى ذلك.
و هذه هي مقومات العناية الالهية، حيث العظمة و العلم، فالزهراء سلام الله عليها هي عناية الله المحيطة بالأكوان، فإذا كان الرسول صلى الله عليه و آله سيد الرسل و خاتم الأنبياء فهو القائل سلام الله عليه بأن الزهراء ( أم أبيها ) و الأم أي المحيطة و المقصود بالاحاطة هنا هو ما يسمى بالعناية الالهية و التي من لوازمها الهداية و الولاية و الحجة و هي سلام الله عليها حجة الحجج،فبنورها شخَّص كل نبي و ولي موقعه و شأنه و بنورها يعي كل كائن عظمة الله عز و جل و بمقدار وعيه بها يسبح الله و يحمده، مع فارق أن وعي الانسان حيث أنه قابل للرشد و التكامل فكلما اشتد وعيا و المقصود بالوعي أولا معرفة من هي الزهراء -بمقدار الوسع- و أنها محور آمال الأنبياء و دعاءهم و آلامهم و كمالهم و هي محور كل انسان يسعى للاستكمال، فبمقدار ما يخبت الانسان في الزهراء سلام الله عليها تكون له موقعية في هذا الوجود و بمقداره يسبح الله و يستغفره.
و قد امتاز الدين الاسلامي أكمل الأديان بأن كانت كل الأديان السماوية السابقة من آدم و من دونه الى أيام الخاتم صلى الله عليه و آله تحت لواء الولاء للزهراء عليها السلام ، و من استحق شرف حمل هذا اللواء هو الخاتم سلام الله و صلواته عليه و هو القائل : (آدم و من دونه تحت لوائي) لواء الرسول صلى الله عليه و اله هو الزهراء عليها السلام التي مثلت عظمة الله و كبريائه و... وكثير من نازع رسول الله لنيل ذاك اللواء من عاشق واقعي له أو حاقد شيطاني،بل أنه حتى اليوم النزاع مستمر مع التأكيد الشديد في الشريعة على تركه حيث و بعد الخاتم صلى الله عليه و اله كل من ينازعه فيه فنزاعه لايمكن أن يكون الا شيطنة، هناك من لايمكنه أن يتقبل فيض الله لأنه لا استعداد له و غالبا مايكون هؤلاء من البسطاء من الناس أو العقلاء و هناك من يرد فيض الله لأنه لاوعي له كثير ممن تلبس بلباس الدين عادة يكون أول نزاع يقع بينه و بين الله و رسوله في الزهراء سلام الله عليها بل إن البعض يتساءل لما لم يكن هو الزهراء!! هذا حال الوسط الاسلامي و هي علامات على الكفر بالنعم لابد من الالتفات اليها و الا فإن عذاب الله لشديد...
بفضل الرسول صلى الله عليه و آله و الأئمة عليهم الصلاة و السلام انتقلت الأمة من الحياة تحت اللواء الى الحياة فيه و به و لأجله و ذلك لاستلزام وجود القابل – الزهراء عليها السلام- و الفاعل –الخاتم صلى الله عليه و آله- سابقاً كان من يقرأ تعاليم الأنبياء و يطيع و يسلم فهو كأنما يجمع مجموعة من الأحجار الكريمة التي يكرم لأجلها لاتصالها بالأصيل و لأنه طبقاً لذاك الزمان و ماكان عليه الانسان حيث لا يمكن للكون أن يستقبل الاسلام و القرآن دفعة واحدة فلزم التدرج في انزال الحقيقة و هذا مايسمى بتكامل الأديان. لكن الآن، من يقرأ القرآن و يجمع حبوبه كالعصفور طالما انه لم يتحول الى ذهب و الماس، طالما أنه لم يرشد و تنمو أجنحته ليرقى الى القدس، طالما أنه لايزال قابع في هذه الأرض ولم تغذيه هذه الحبوب و لم تنميه و لم تصيِّره طائرا قدسيا كما يعبر السيد الامام عليه السلام، فهو فقط يجمع الذهب! ينبغي أن يصير هو ذهب، و العجيب أن البعض يجمع الذهب و يصرفه في امور دنيوية لا تستحق... العاقل يجمع الذهب و يبني وجوده و نفسه به... أما الكثير يجمع و يوزع بالمجان!! هذا عمل المجنون، المذهب صوته يتغير و وجهه يتغير...كل شيء فيه يصبح خالصاً لصاحبه.
صحيح أن العالم الغربي أيضاً يتغير لكن تغيره مشوه غير منسجم و مضطرب؛ لذلك النظرية كل يوم تتغير و طبق ذلك يتغير الانسان، أما في العالم الايماني النظرية ثابتة و الانسان يتغير من حال الى حال كيفاً حسب قدره و سعته.
هذه المساجد و مجالس الدعاء و العزاء و الدروس و الابحاث... كلها حبوب من الذهب على الانسان أن يجمع و يؤسس وجوده الكل يحارب حتى يرفعك ... دماء أنبياء سالت حتى الانسان يصير ذهبا... الى متى يبقى الانسان خلف الباب؟ من يقبل أن يستظل بلواء الزهراء عليها السلام فمالضامن أن لايكون خلف بابها سلام الله عليها، فيسلم لهم في آن و ... في آن آخر حسب مصالح و أمور دنياه، الى متى يترك الانسان اموره لأجل أمور دنيا هي ليست في شأنه و ليست من مقامه؟
نحن وظيفتنا فقط تعديل القابليات... المهم هو اعطاء القلوب و التسليم، المهم أن القلب يريد أن يسلك... و كل من يريدهم سلام الله عليهم لابد أن يكون مثلهم،أويس كان راعي كسر سنه، لماذا؟ لأن الرسول صلى الله عليه و آله في معركة أحد انكسر سنه.. العقل له حساب و العشق شيء آخر، من يراه من العقلاء يظنه مجنون، لكن هو ذاته على يقين أنه مجنون لأن من يدعي أنه عاشق و لم تصدر منه أفعال المجانين فعليه أن يتأمل في ادعائه.
وادي القلب ظريف جدا و مظلم و ايضا بعيد في عين قربه لذلك يصعب رؤيته.
القلب مظهر اسم يامن هو عال في دنوه دان في علوه، و لهذه الخصوصيات احتاج الى المزهر بالأصالة، لذلك نجد التاريخ يحدثنا عن أنها سلام الله عليها كانت تزهر لأهل السماوات كما تزهر لأهل الأرض و كان يرى الناس ذلك،بل كان يتصل بها كل ما له هذه الخصوصية و هذا معنى أن تعي الكائنات الزهراء سلام الله عليها و تحيا بها وفيها و لأجلها – كما جاء في قصة اليهودي و رداء الزهراء عليها السلام- و قد نفسر بذلك مسألة الانتظار حيث أن الانتظار لايعني عدم تشخيص الرتب و المواقع، بل ان الانتظار في الواقع ليس للانسان المستكمل حيث عليه أن يحدد موقعه هل سيبقى تحت اللواء أم يقوم فيكون هو لواء و علامة و حتى تعَد العدة و يكتمل العدد فكل سالك قائم؛ نعم، هو قائم بالتبع كما أنه منتظر بالتبع، الامام عجل الله فرجه الشريف هو المنتظِر بالأصالة.
بقلم : فاطمة آل يوسف