الْحمْدُ لِلِّه الدالّ عَلى وُجُودِهِ بِِخلقِهِ وبِمُحْدثِ خَلقِهِ عَلى أزَليّتِهِ وباشتِباهم ْعلى أن لآ شَبَهَ لَهُ...
والصلآة والسلآم على خير خلقة مُحًمدْ وعلى آله الطيبين الطاهرين...
يـآربْ الح ـسين بِح ـق الح ـسين أشفْ صَدر الح ـسين بظهور الحجةَ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المساواة بين أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )
نستدل لذلك بالكتاب أولا ، بآية المباهلة ، وقد درسنا آية المباهلة بالتفصيل في ليلة خاصة ، وتقدم البحث هناك عن كيفية دلالة قوله تعالى : ( وأنفسكم ) ( 1 ) على المساواة بين أمير المؤمنين والنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ولما كان نبينا أفضل من جميع الأنبياء السابقين بالكتاب وبالسنة وبالإجماع ، فيكون علي أيضا كذلك ، وهذا الوجه مما استدل به علماؤنا السابقون ، لاحظوا تفسير الفخر الرازي ، وغيره ، حيث يذكرون رأي الإمامية واستدلالهم بهذه الآية المباركة على أفضلية أمير المؤمنين من الأنبياء السابقين .
يقول الرازي - في ذيل آية المباهلة - : كان في الري رجل يقال له محمود بن الحسن الحمصي ، وكان معلما للاثني عشرية ، وكان يزعم أن عليا أفضل من جميع الأنبياء سوى محمد . قال: والذي يدل عليه قوله : ( وأنفسنا وأنفسكم ) ، وليس المراد بقوله : ( وأنفسنا ) نفس محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،لأن الإنسان لا يدعو نفسه ، بل المراد به غيره ، وأجمعوا على أن ذلك الغير كان علي بن أبي طالب ، فدلت الآية على أن نفس علي هي نفس محمد ، ولا يمكن أن يكون المراد منه أن هذه النفس هي عين تلك النفس ، فالمراد أن هذه النفس مثل تلك النفس ، وذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه ، ترك العمل بهذا العموم في حق النبوة ، وفي حق الفضل أي الأفضلية ، لقيام الدلائل على أن محمدا كان نبيا وما كان علي كذلك ، ولانعقاد الإجماع على أن محمدا كان أفضل من علي ، فيبقى فيما وراءه معمولا به ، ثم الإجماع دل على أن محمدا كان أفضل من سائر الأنبياء ، فيلزم أن يكون علي أفضل من سائر الأنبياء ، فهذا وجه الاستدلال بظاهر الآية المباركة ( 2 ) .
والشيخ محمود بن الحسن الحمصي من علماء القرن السابع ، له كتاب المنقذ من الضلال ، وطبع هذا الكتاب أخيرا وهو في علم الكلام .
ثم يقول الرازي في جواب هذا الاستدلال - لاحظوا الجواب - :
والجواب : إنه كما انعقد الإجماع بين المسلمين على أن محمدا أفضل من علي ، فكذلك انعقد الإجماع بينهم - أي بين المسلمين - قبل ظهور هذا الإنسان - أي الشيخ الحمصي - فالإجماع منعقد قبل ظهور هذا وقبل وجوده على أن النبي أفضل ممن ليس بنبي ، وأجمعوا - أي المسلمون - على أن عليا ما كان نبيا ، فلزم القطع بأن ظاهر الآية كما أنه مخصوص بحق محمد ، فكذلك مخصوص في حق سائر الأنبياء .
ويتلخص الجواب : في دعوى الإجماع من عموم المسلمين على أن غير النبي لا يكون أفضل من النبي ، وعلي ليس بنبي ، فالاستدلال باطل . ولو راجعتم تفسير النيسابوري أيضا لوجدتم نفس الجواب ، وكذا لو رجعتم إلى تفسير أبي حيان الأندلسي البحر المحيط .
النيسابوري يقول ، وعبارته ملخص عبارة الرازي : فأجيب بأنه كما انعقد الإجماع بين المسلمين على أن محمدا أفضل من سائر الأنبياء ، فكذا انعقد الإجماع بينهم على أن النبي أفضل ممن ليس بنبي ، وأجمعوا على أن عليا ما كان نبيا .
ونفس الكلام أيضا تجدونه بتفسير أبي حيان ( 3 ) ، وتفسير النيسابوري مطبوع على هامش تفسير الطبري ( 4 ) . فكان الجواب إذن دعوى الإجماع من عموم المسلمين قبل الشيخ الحمصي على أن من ليس بنبي لا يكون أفضل من النبي .لو ثبت هذا الإجماع ، أو كان مستندا إلى أدلة قطعية ، ولم يكن في مقابله أدلة قطعية ، لسلمنا ووافقنا على هذا الجواب . ولكن القول بأفضلية أئمة أهل البيت من سائر الأنبياء سوى نبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، هذا القول موجود بين علماء هذه الطائفة قبل الشيخ الحمصي ، فأين دعوى الإجماع - إجماع المسلمين - قبل ظهور هذا الإنسان . الشيخ الحمصي كما ذكرنا ، وفاته في أوائل القرن السابع ، لكن الاستدلال الذي ذكره الشيخ الحمصي إنما أخذه من الشيخ المفيد ، والشيخ المفيدوفاته سنة ( 413 ) ، فقبل الشيخ الحمصي هذا القول موجود ، وهذا الاستدلال مذكور بالكتب ، على أنا إذا راجعنا كلام الشيخ المفيد لوجدناه ينسب الاستدلال إلى من سبقه من العلماء ، فهذا الاستدلال موجود من قديم الأيام ، وإذا كان الدليل هوالإجماع ، إذن لا إجماع على أن غير النبي لا يكون أفضل من النبي ، وليس للرازي ولا لغيره جواب غير الذي قرأته لكم .
وأما المساواة بين أمير المؤمنين والنبي من السنة ، فهناك أدلة كثيرة وأحاديث صحيحة معتبرة ، متفق عليها بين الطرفين ، صريحة في هذا المعنى ، أي في أن أمير المؤمنين والنبي متساويان ، إلا في النبوة ، لقيام الإجماع على أن النبوة ختمت بمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
نذكر بعض الأحاديث : منها : حديث النور : خلقت أنا وعلي من نور واحد ، ففي تلك الأحاديث يقول رسول الله : إن الله سبحانه وتعالى قسم ذلك النور نصفين ، فنصف أنا ونصف علي ، قسم ذلك النور نصفين ، وهما مخلوقان من نور واحد ، ولما كان رسول الله أفضل البشر مطلقا ، فعلي كذلك ، وقد قرأنا هذا الحديث .
ومن الأحاديث أيضا قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالنص : أنا سيد البشر تجدون هذا الحديث في صحيح البخاري ( 5 ) ، وفي المستدرك ( 6 ) ، وفي مجمع الزوائد ( 7 ) ، وإذا كان علي مساويا لرسول الله بمقتضى حديث النور ، وبمقتضى آية المباهلة ، فعلي أيضا سيد البشر ، وإذا كان سيد البشر ، فهو أفضل من جميع الأنبياء .
قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أنا سيد ولد آدم ، وهذا الحديث تجدونه في صحيح مسلم ( 8 ) ،
وفي سنن الترمذي ( 9 ) ، ومسند أحمد (10 ) ، وفي المستدرك (11 ) ، وفي مجمع الزوائد ( 12 ) وغير هذه المصادر .
وإذا كان علي ( عليه السلام ) بمقتضى آية المباهلة وبمقتضى حديث النور مساويا لرسول الله ، فيكون أيضا سيد ولد آدم .
**********************
الهوامش
( 1 )سورة آل عمران : 61 .
( 2 ) تفسير الرازي 8 / 81 .
( 3 ) البحر المحيط في تفسير القرآن 2 / 480 .
( 4 ) تفسير النيسابوري - هامش الطبري 3 / 214 .
( 5 ) صحيح البخاري 6 / 223 .
( 6 ) المستدرك على الصحيحين 4 / 573 .
( 7 ) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 9 / 116 .
( 8 ) صحيح مسلم ، كتاب الفضائل باب تفضيل نبينا على جميع الخلائق .
( 9 ) سنن الترمذي 2 / 195 .
( 10 ) مسند أحمد 1 / 5 .
( 11 ) المستدرك 3 / 124 .
( 12 ) مجمع الزوائد 10 : 376 .
كتاب تفضيل الأئمة على الأنبياء
حرسكمـ الله بعينه التي لآتنآمـ☺ ~