اللهم صل على محمد وال محمد الابرار الاخيار
رجل تقي وعالم جليل في العقد التسعيني من عمره، اغتاله الظالمون رغم كبر سنه، فالتحق بآبائه الكرام في ركب الشهادة الخالد.
ولادته ونشأته :
ولد الشهيد السعيد السيّد قاسم شبر شيخ الشهداء (1) سنة عام 1890م (1308 هـ) في مدينة النجف الأشرف، وكان الابن الثالث من أبناء السيد محمد شبّر، توفّي والده وهو في التاسعة من العمر، وقد التحق بالحوزة العلمية الشريفة والمباركة في نفس تلك السنة حيث سلك طريق أجداده، وفي ظِلّ تلك الأجواء الإيمانية ابتدأ مسيرته العلمية الجادة واستطاع بما يمتلك من فهم وقابلية عالية على التلقي ان يخطو خطوات كبيرة في مشواره العلمي.
أسرته :
آل شبَّر من أسر العراق العلوية العلمية التي يتّصل نسبها بالإمام زين العابدين (عليه السلام)، قال جعفر آل محبوبة : (آل شبر أسرة عراقية قديمة في الهجرة، وهي من أقدم الطوائف العلوية القديمة في العراق وأعرقها في العروبة وأقدمها في الهجرة ,وكان مقرّها الأصلي في الحلّة الفيحاء ولم تزل بقيَّتهم بها حتّى اليوم، وبها عُرفت، ومنها تفرَّعت) (2)
دراسته أساتذته :
ابتدأ بدروس المقدمات كدرس النحو وعلوم العربية وقراءة القرآن على أساتذة أكفاء وبعدها شرع بدروس السطوح العالية(3) والدرس الخارج، فدرس على كبار العلماء منهم :
1ـ الشيخ محمد حسين النائيني (1276ﻫ ـ 1355ﻫ).
2ـ السيّد أبو الحسن الإصفهاني (1277 ـ 1365 هـ).
3 ـ الشيخ علي الإيرواني.
4ـ السيّد محمّد الحسني البغدادي (ت 1392 هـ) .
5 ـ السيّد محمود الشاهرودي (1301 ـ 1394 هـ).
ولاؤه لأهل البيت (عليهم السلام) :
كان السيد شديد التعلّق بأهل البيت (عليهم السلام)، وبالذات الإمام الحسين (عليه السلام)، حيث كان يذهب كل ليلة جمعة إلى مدينة كربلاء المقدّسة لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، كما وُجِد مع كفن الشهيد كيس كتب عليه : (هذه المناديل تُنشر على صدري وكتفي في القبر، لأنّني جفَّفت بها الدموع التي جرت على الإمام الحسين (عليه السلام)) .
وفي عاشوراء كان يقرأ قصة مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) في ديوانه الخاص بكتاب (مثير الأحزان).
مؤلفاته :
كان للسيد عدة مؤلفات ألا أنها صودرت أثناء مهاجمة قوات امن نظام صدام على داره فأحرقوا مكتبته النفيسة وسرقوا ما وجد فيها من مخطوطات له ولغيره، نذكر منها ما يلي :
1ـ المؤمنون في القرآن .
2ـ شرح نهج البلاغة .
3ـ تقريرات لبعض أساتذته في الفقه والأصول .
نشاطه الديني ومواقفه :
لا تخفى أهمية التبليغ و استقرار العلماء في المدن والمناطق وشعورا بهذه المسؤولية انتقل سماحة السيد في الأربعينات من عمره إلى مدينة النعمانية بوكالة من السيّد الاصفهاني عام (1935 م) (4)، ثمّ أصبح وكيلاً للسيّد محسن الحكيم (1306 ـ 1390هـ) بعد وفاة السيّد الأصفهاني(1277 ـ 1365هـ) ومن ثم وكيلا للسيد الخوئي (1317 ـ 1413ﻫ)، وكان من وكلاء السيد الشهيد السيد محمد باقر الصدر (1353ـ 1400هـ) ومن المقربين له جدا.
حيث اهتم بالتبليغ الديني ونشر الوعي وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وامتاز السيد بمحاضراته الوعظية المؤثرة والتي كان لها التأثير الكبير على مستمعيه، وكان مدرسة بما للكلمة من معنى بأخلاقه وتواضعه ومحبته للناس .
أسس مركز تعليم البنات في النعمانية ـ وهو مشروع رائد في وقته ـ ثم تعهدت به جمعية الصندوق الخيري للسيد مرتضى العسكري.
ونشط السيد الشهيد ضد أي مظاهر للفساد في المدينة كبارات الخمور ـ والتي عملت الحكومات المتعاقبة على التشجيع عليها ـ وكان له تأثير نفسي على الوجهاء وشيوخ العشائر في المدينة وكذلك كان تأثيره على الشباب حين كان يتصف بروح شبابية.
كان شجاعا لا يخاف في الله لومة لائم فمنذ أن حطَّت رجله أرض النعمانية لم يسجِّل له التاريخ أنّه خاف أو تراجع عن مُقارعة الظالمين، فقد تسلَّح ابان المد الشيوعي سنة (1959 م)، وتصدى للأفكار المنحرفة، وأوضح الفكر الإسلامي الناصع ليثبت العقيدة الحقة للمجتمع، كما حارب البعثيين في أيّامهم ـ رغم جبروتهم وطغيانهم ـ حيث عملوا ما عملوا من جرائم وفساد، حيث دمّروا الحوزات العلمية ونشر الأفكار المعادية للدين، وزجِّ المؤمنين في المعتقلات الرهيبة، وإعدامهم، وتشريدهم .
كان موقفه من التسفيرات الظالمة مشرفا فرافض ذلك وطلب إيقافها لكونهم أبناء هذا البلد.
ومن مواقفه انه أرسل برقية تهنئة للإمام الخميني بمناسبة انتصار الثورة الإسلامية وفي ضمن ما جاء فيها إنكم قضيتم على رأس الصهيونية .
قصة اعتقاله وشهادته :
وفي انتفاضة شهر رجب عام 1979م، تحركت وفود البيعة للإمام الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) ومن بينها موكب أهالي النعمانية يتقدمه السيد شبر(5).
وفي يوم الجمعة المصادف 15/6/1979م وفي الساعة الثانية بعد منتصف الليل اعتقله جلاوزة الأمن المجرمون بطريقة ماكرة(6).
جرت محاكمته الصورية والهزلية بواسطة المجرم مسلم الجبوري في السادس من شعبان 1399 هـ وبكل خساسة قال : (حكمتك المحكمة إعداماً رمياً بالرصاص) فابتسم ساخراً بهذا الجلاد قائلاً : (ما أجملها من ليلةٍ كنت أنتظرها طول عمري أن أقُتل في سبيل الله على يد أشر خلق الله إنها والله الشهادة وأن أكون مثل جدي الحسين عليه السلام) (7) .
وقد وصلت الخسة بالحكومة الجائرة إلى عدم تسليم جثمانه الطاهر فلم يُعلم في أيِّ مكان دفن، لكنه في قلوب محبيه دائما.
أقام أبناء النعمانية مزار رمزيا له لإحياء ذكراه بإعادة هيكلية داره ـ التي سرقت محتوياته ومكتبته بعد إعدامه وبيعت إلى احد أذناب البعث الصدامي ـ حيث ضم ما تبقى من مقتنيات الشهيد وخاصة عمامته الشريفة التي وضعت في صندوق زجاجي في المزار (8).
من المصادر
مقالات في الانترنت.
معلومات شفاهية من معارف الشهيد (ره).
مقال: شيخ الشهداء العلامة الجليل السيد قاسم شبر، فاضل عباس الشمري
(1) كان الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) قد أطلق لقب شيخ شهداء العراق على السيد قاسم شبر لكبر سنه.
(2) الأسر العلوية , للبحّاثة جعفر آل محبوبة .
(3)احد مراتب الدراسة في الحوزات العلمية، فهي المرحلة المتوسطة بعد المقدمات والتي تؤهل طالب العلوم الدينية حضور مجالس البحث الخارج في الفقه والأصول.
(4)وقد استقبل استقبالا كبيرا من قبل الأهالي ليستقر مؤقتا في دار السيد سلمان الخطيب ومن ثم تم تأمين دار سكن لعائلته.
(5) خاطب الشهيد الصدر (قدس) بالقول : (لقد جاء وفدنا ليجدد العهد بكم ويرجوكم البقاء هاهنا وأنتم القائد الأكبر)، فأجاب الإمام الشهيد : (إنه ليسعدني أن أعبر عن شعوري تجاه عواطفكم وهذا ليس غريباً عنكم فأنت من قادة الإسلام وفي علماء الإسلام ومن المنارات التي نعتز بعلمهم وبمؤلفاتهم وبجهادهم) .
(6) وأخذوا السيّد وعشرين شخصاً من أصحابه، وفي اليوم الثاني من وصولهم إلى مدينة الكوت تمَّ نقلهم إلى مديرية الأمن في العاصمة بغداد، وهناك أصطف رهط من الجلادين وهم يحملون أسلاك الكيبل وتقدم أحد مدراء الأمن وكان يحمل ملفاً من خمسمائة صفحة وتجرأ على السيد وبصق عليه وقال: (هذه مصائبك ومشاكلك يا سيد قاسم )... وعانى سماحته ما عانى من تعذيب فكسر المجرم فاضل البرّاك يد السيد الشريفة، ونقل إلى مجزرة الثورة البعثية وهو بهذه الحالة وما يعانيه من آلام.
(7) قدمت أسرة الشهيد المجاهدة الكثير من الشهداء.
(8) أقامت ـ أخيرا ـ مديرية شهداء واسط مهرجان تأبينياً للذكرى السنوية لشهادة شيخ الشهداء ( رض) في ساحة الشهداء في وسط قضاء النعمانية، وقد شمل المهرجان على تشييع رمزي انطلق من مسجد النعمانية الكبير مروراً بساحة الشهداء وانتهى إلى مزار السيد قاسم شبر.
نسألكم الدعاء