الْحمْدُ لِلِّه الدالّ عَلى وُجُودِهِ بِِخلقِهِ وبِمُحْدثِ خَلقِهِ عَلى أزَليّتِهِ وباشتِباهم ْعلى أن لآ شَبَهَ لَهُ...
والصلآة والسلآم على خير خلقة مُحًمدْ وعلى آله الطيبين الطاهرين...
يـآربْ الح ـسين بِح ـق الح ـسين أشفْ صَدر الح ـسين بظهور الحجةَ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل طلب الشفاعة من غيرالله سبحانه وتعالى يُعدّ عملاً محرّماً؟
من الأدلّة التي تمسّك بها الوهابيّون لتحريم طلب الشفاعة من أولياء اللّه أنّهم قالوا: إنّ القرآن الكريم قد نهى عن دعاء غير اللّه سبحانه، وإنّ طلب الشفاعة من غيره سبحانه يُعدُّ نوع دعاء وطلب من غيره، قال تعالى: (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً ) .( [1])
فإذا كان دعاء غير اللّه أمراً محرّماً، ومن جهة ثانية كانت الشفاعة حقّاً ثابتاً لأولياء اللّه، فإنّ طريق الجمع هو أن نطلب الشفاعة من اللّه لا من الأولياء، ثمّ قالوا: والشاهد على أنّ هذا النوع من الدعاء، عبادة ،الآية التالية:
( وَ قَالَ رَبُّكُمْ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَستَكبروْنَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) . ( [2])
فإذا أمعنّا النظر نجد أنّ الآية في بدايتها استعملت لفظ الدعوة وفي آخرها استعملت لفظ العبادة، وهذا شاهد على أنّ مفهومي الدعوة والعبادة يعتبران مفهوماً واحداً.
وقد ورد في كتاب «إرشاد القلوب» والكتب الأخلاقية الأُخرى: «الدُّعاء مُخّ الْعِبادَة». هذه هي الشبهة التي أثارها الوهابيون.( [3])
جواب الشبهة
أوّلاً: ليس المقصود من تحريم دعاء غير اللّه في قوله سبحانه: (فَلا تَدْعُوا ) تحريم مطلق دعاء غير اللّه، بل المنهي عنه عبادة غيره سبحانه، بشهادة صدر الآية حيث يقول سبحانه: ( وَ إِنَّ الْمَساجِدَ للّه ) ، فهذه الجملة دليل على أنّ المقصود في الآية هو النهي عن دعاء خاص كان يُعدّ ملازماً للعبادة، والنهي عن القيام المقترن بالذلّة والخضوع غير المتناهيين مقابل من يعتقد أنّ إدارة العالم بيده وأنّه الحاكم المطلق في الخلق.( [4])
ولا شكّ أنّ هذه القيود غير موجودة في طلب الشفاعة من إنسان يعتقد أنّ اللّه أعطاه حقّ الشفاعة بإذنه سبحانه.
ثانياً: إنّ الّذي حُرّم في الآية المباركة هو أن ندعو مع اللّه غيره، وأن نعتبر المدعو في رتبة اللّه سبحانه، ويوضح ذلك بجلاء قوله تعالى: (مع اللّه ) ، فإذا توسّل إنسان بشخص الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) طالباً منه أن يدعو له ربّه ليغفر له ذنوبه أو يقضي له حاجته، فإنّ ذلك الإنسان بلا شكّ ولا ريب لم يدعُ (مع اللّه) أحداً، بل في الواقع أنّ هذا الدعاء لا يخرج عن كونه دعاءً للّه وحده.
نعم إذا عُدَّ التوسّل وطلب الحاجة من الأوثان نوعاً من الشرك، فإنّما ذلك بسبب أن المشركين كانوا يعتقدون أنّ الأوثان قادرة على تلبية حاجاتهم وتوفير
متطلّباتهم، والحال أنّها في الواقع أعجز من أن تفعل شيئاً لنفسها فضلاً عن غيرها، ولذلك ذمّ القرآن الكريم اعتقادهم هذا بقوله: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَ لا أََنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ) .( [5])
وقوله سبحانه: (إنَّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ... ) .( [6])
وبعبارة مختصرة: إنّ المشركين اعتقدوا أنّ الأوثان تمتلك القدرة الخارقة على الفعل، ولذلك وقفوا أمامها بمنتهى الذلّة والخضوع، مستمدّين منها العون لقضاء حوائجهم، ومعتقدين أنّها الفاعل التام والمتصرف المطلق في عالم الخلق.
وبالطبع أنّ طلب الحاجة بهذا النحو من الاعتقاد يعدّ و بلا شكّ ولا ريب حراماً قطعاً وشركاً جليّاً لا يمكن الفرار منه.
وأمّا الدعاء وطلب الشفاعة من شخص قد منحه اللّه ذلك المقام فلا يُعدُّ شركاً، لعدم توفر شروط الشرك فيه.
ثالثاً: إنّ للدعاء معنىً وسيعاً وشاملاً، وأحياناً يطلق على العبادة على نحو الاستعمال المجازي، كما في قوله تعالى: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ... ) .( [7])
وكما ورد في الحديث:«الدُّعاء مخّ العبادة».( [8]) والذي استدلّ به المانع لطلب الشفاعة من البشر، والحال أنّ مثل هذه الاستعمالات الجزئية والمجازية لا تعتبر مبرراً ودليلاً لتفسير الدعاء بالعبادة دائماً، ورفض طلب الحاجة من غير اللّه ودعائه، واعتبار ذلك أمراً غير معقول وأنّه شرك.( [9])
*************************
[1] . الجن: 18.
[2] . غافر: 60.
[3] . إرشاد القلوب للديلمي: 135.
[4] . في الواقع أنّ معنى الآية هو: فلا تعبدوا مع اللّه أحداً كما ورد في قوله سبحانه: ( ولا تدعوا مع اللّه إلهاً آخر ) .
[5] . الأعراف: 197.
[6] . الأعراف: 194.
[7] . غافر: 60.
[8] . إرشاد القلوب للديلمي: 135.
[9] . منشور جاويد:8/141ـ 143.
موقع اية الله العظمى السبحاني دام ظله
حرسكمـ الله بعينه التي لآتنآمـ☺ ~