اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في الحديث الشريف: "إن روح المؤمن أشد اتصالاً باللّه من اتصال شعاع الشمس بالشمس".
تصرح الايات الكثيرة كالتي صدّرنا بها الدرس على أن الإنسان مطلوب منه في هذه الحياة أن يسلك الطريق والسبيل الموصل إلى اللّه أو كما يعبر إمامنا الخميني رحمه الله على الإنسان أن يبدأ ويسعى في حركة الهجرة من بئر الدنيا إلى اللّه فيقول: "... هناك أشخاص تحركوا وخرجوا من هذه البئر وهاجروا ﴿وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ﴾1، أحد الاحتمالات هو أن هذه الهجرة هي من النفس إلى اللّه و"البيت" هنا هو نفس الإنسان، فهناك طائفة خرجوا وهاجروا عن هذا البيت الظلماني: "مهاجراً إلى اللّه ورسوله" إلى أن وصلوا إلى منزل أدركه الموت وصلوا مرتبة لم يعد لهم فيها شيء من أنفسهم موت مطلق وعندها "وقع أجرهم على اللّه" فهنا أجر اخر ما هو الجنة ولا اشكال النعيم الأخرى هنا "اللّه" فقط"2.
فالمطلوب من الإنسان أن يهاجر إلى اللّه ولكن هذه الهجرة وهذا السفر له خطة وموازين حتى لا نكون من "الذين ضل سعيهم في الحياة الدني" وحتى لا نتبع السبل فتفرق بنا عن سبيله ونحن إضافة إلى ذلك نحتاج إلى دليل فالسلوك إلى اللّه صحيح أنه أمر فطري.
كما يقول الإمام الخميني رحمه الله: "لا يخفى على كل ذي وجدان أن الإنسان بفطرته الأصيلة وجبلته الذاتية بعشق الكمال التام المطلق ويتوجه قلبه شطر الجميل على الإطلاق والكامل من جميع الوجوه وهذا من فطرة اللّه التي فطر الناس عليها وبهذا الحب للكمال تتوفر إرادة الملك والملكوت وتتحقق أسباب وصول عشاق الجمال المطلق إلى معشوقهم غير أن كل امرىء يرى الكمال في شيء ما حسب ماله ومقامه فيتوجه قلبه إليه فأهل الاخرة يرون الكمال في مقامات الاخرة ودرجاتها فقلوبهم متوجهة إليها وأهل اللّه يرون الكمال في جمال الحق، والجمال في اله سبحانه يقولون: ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا﴾".
لكن لما كان الكثيرون يضلون أو يضللون فيتوهم الإنسان ما ليس بطريق موحل إلى الهدف طريقاً وما ليس بدليل دليلاً وما ليس بوسيلة وسيلة فيتبع التوهمات والمشعوذين ومدعي القداسة وقد حذر تعالى من ذلك "ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله".
سنتحدث عن موازين عملية السلوك دون ترتيبها بحسب الأولويات:
1- التمسك بظاهر الشريعة:
قد يتوهم بعض الناس أنهم إذا قطعوا شوطاً ما في عالم السير والسلوك إلى اللّه عزّ وجلّ وأصلحوا شيئاً من قلوبهم أنهم انتهوا من مرحلة تهذيب الظاهر وعليه فإنهم لا يعودون مكلفين بما يكلف به الناس عادة ثم ينجرفون خلف هذه الدسائس والمكائد الشيطانية ويبتدعون طرقاً وأساليب أو يزين لهم من يظنونهم أهل السلوك هذه البدع والأباطيل وكم تكون خسارتهم عظيمة عندما يكتشفون بعد طول عذاب ومشقة أنهم واهمون... وأن الذي ظنوه سبيل اللّه لم يكن سوى سبيل الشيطان.
ولذا فإن على السالك أن يحذر من هذه الأفكار وهذه الأعمال وعليه أن يضبط سلوكه على وفق الشريعة الغراء ولا يحيد عنها فكل عمل يعرض عليه أن يبحث عن مشروعيته ولا يغالي في تقدير نفسه وتقديس مدعي القداسة وبالتالي فإن كل طريقة لا توافق الشريعة في ظاهرها وأحكامها بادعاء الوصول إلى الأسرار والاستغناء عن الوظائف العبادية من خلال الإكتفاء بمقام الباطن كما كان يفعله بعض أهل التصوف على مر العصور حتى في زمن الأئمة عليهم السلام فالبدء يكون من ظاهر الشريعة يقول الإمام الخميني رحمه الله: "إن طي أي طريق في المعارف الإلهية لا يمكن إلا بالبدء بظاهر الشريعة، وما لم يتأدب الإنسان باداب الشريعة الحقة لا يحصل له شيء من حقيقة الأخلاق الحسنة كما لا يمكن أن يتجلى في قلبه نور المعرفة وتنكشف له العلوم الباطنية وأسرار الشريعة"3.
ولكن كما يحتاج الإنسان في ابتداء سيره وسلوكه إلى التمسك بظاهر الشريعة والسير على ضوئها كذلك فهو يحتاج وينبغي له عدم مخالفتها طيلة سيره وسلوكه يقول الإمام الخميني رحمه الله: "... وبعد انكشاف الحقيقة وظهور أنوار المعارف في قلبه سيستمر أيضاً في تأدبه بالاداب الشرعية الظاهرية"4.
بل إن سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وهو الإنسان الذي مثّل في حياته أكمل نموذج للسالكين إلى اللّه وال البيت جميعاً لم يدعوا يوماً أنهم غير مكلفين بظاهر الشريعة بل كانوا يوبخون من يدعي غير ذلك وهل هناك أفضل من خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وعترته الذين مع ذلك لم يكن التأدب بظاهر الشريعة موضوعاً عنهم، ولذا يرد الإمام الصادق عليه السلام على من ظن أن الذي يعرف ال محمد يسقط التكليف عنه قائلاً: "والله ما أنصفونا أن نكون أخذنا بالعمل ووضع عنهم".
وعن ذلك يقول الإمام الخميني رحمه الله: "والإنسان الشرعي هو الذي ينظم سلوكه وفق ما يتطلبه الشرع، وأن يكون ظاهره كظاهر الرسول الأكرم صلى اللّه عليه واله وسلم وأن يقتدي بالنبي العظيم صلى اللّه عليه واله وسلم ويتأسى به في جميع حركاته وسكناته"5.
2 السلوك حركة دائمة إلى اللّه:
السلوك إلى اللّه نهايته بحسب غاية السالك ولكن المدة غير محدودة لأن المقامات المترتبة عليه أولاً غير محدودة سواء كان المطلوب هو الاخرة "ولدينا مزيد" أن المطلوب هو اللّه ولأن الإنسان طالما أنه في ظرف الدنيا فهو في خطر حتى ينظر فيما يختم له.
فعن الإمام الرضا عليه السلام عن ابائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "الدنيا كلها جهل إلا العلم والعلم كله حجة إلا ما عمل به والعمل كله رياء إلا ما كان مخلصاً والإخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له".
ولذا فإن السلوك إلى اللّه عملية وحركة دائمية طالما أن الإنسان موجود في دار الدنيا وفي ذلك يقول الإمام الخميني رحمه الله: "إن أولياء اللّه لم يخلدوا إلى الراحة أبداً وكانوا دائمي الخوف من هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر".
ولعله لذلك سمي هذا السفر بالجهاد الأكبر فهو كبير بمخاطره وكبير بمعاناته وكبير باثاره وأجره.
شبكة المعارف الإسلامية
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين