اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم ياكريم
سيدةٌ جليلة
مؤمنةٌ صالحة
من ربَّات الفصاحة والبلاغة
سجل لها التاريخ موقفاً فريداً
فغدا بتخليده إياه
كمن كتبه بماءٍ من ذهب
كانت مثالاً حياً لنصرة الحق
وتجسيداً واقعياً للتعبير عن حرية الرأي
أم الخير بنت الحريش بن سراقة البارقية الكوفية
جاء في كتاب تاريخ مدينة دمشق لإبن عساكر.
قدمت على معاوية وحاورها محاورة تدل على فصاحتها وجزالتها ،عن الشعبي قال :
كتب معاوية بن أبي سفيان إلى واليه بالكوفة أن أوفد علي أم الخير بنت الحريش بن سراقة البارقية رحلة محمودة الصحبة غير مذمومة العاقبة واعلم أني مجازيك بقولها فيك بالخير خيرا وبالشر شرا.
فلما ورد الكتاب عليه ركب إليها فأقرأها إياه قالت أما أنا فغير راغبة عن طاعة ولا معتلة بكذب ولقد كنت أحب لقاء أمير المؤمنين لأمور تلجلج مني بمجرى النفس يغلي بها صدري غلي المرجل بحب البلس يوقد بجزل السمر فلما حملها وأراد مفارقتها قال لها يا أم الخير إن معاوية ضمن لي أن يجازيني فيك بالخير خيرا وبالشر شرا فانظري كيف تكونين قالت يا هذا لا يطمعك برك بي في نزو معك بالباطل ولا يؤنسك معرفتي أن أقول فيك [غير] الحق فسارت خير مسير فلما قدمت على معاوية أنزلها بيتا مع الحرم ثلاثة أيام ثم أذن لها في اليوم الرابع وعنده جلساؤه فقالت السلام عليك يا أمير المؤمنين قال وعليك السلام وبالرغم منك دعوتني بهذا الاسم؟ قالت مه يا هذا [فكل بديهة للسلطان مدحضة لما يجب علمه فقال صدقت كيف حالك وكيف رأيت مسيرك؟ قالت لم أزل في عافية وسلامة حتى أدتني إلى ملك جزل ذي عطاء بذل فأنا في عيش أنيق و [عند] ملك رقيق فقال معاوية بحسن نيتي والله ظفرت بكم وأعنت عليكم قالت مه يا هذا] والله لك من دحض المقال ما تردى عاقبة قال ليس لهذا أردناك قالت إنما أجري في ميدانك إذا أجريت شيئا أجريته فسل عما بدا لك قال كيف كان كلامك يوم قتل عمار بن ياسر قالت لم أكن والله رأيته قبل ولا رأيته بعد وإنما كانت كلمات نفثهن لساني حين الصدمة فإن شئت أحدثت لك مقالا غير ذلك فعلت قال لا أشاء ثم التفت إلى بعض أصحابه
فقال أيكم يحفظ كلام أم الخير
فقال رجل من القوم أنا أحفظه يا أمير المؤمنين كحفظي لسورة الحمد.
قال فهاته
قال نعم كأني بها ياأمير المؤمنين في ذلك اليوم وعليها برد زبيدي كثيف الحاشية على جمل أرمك الأرمك الأشقر وقد أحيط حولها وبيدها سوط منتشر الضفر وهي كالفحل يهدر في شقشقته تقول " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم " إن الله قد أوضح الحق وأبان الدليل ونور السبيل ورفع العلم فلم يدعكم في عمياء مبهمة ولا شعواء مدلهمة فإلى أين تريدون رحمكم الله أفرارا عن أمير المؤمنين أم رغبة عن الإسلام أم ارتدادا عن الحق أما سمعتم الله يقول " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم "
ثم رفعت رأسها إلى السماء وهي تقول اللهم إنه قد عيل الصبر وضعف اليقين وانتشرت الرغبة وبيدك اللهم أزمة القلوب فاجمع اللهم الكلمة على التقوى وألف القلوب على الهدى واردد الحق إلى أهله هلموا رحمكم الله إلى الإمام العادل إنها إحن بدوية وضغائن أحدية وأحقاد جاهلية وثب بها معاوية حين الغفلة ليدرك بثارات بني عبد شمس ثم قالت " قاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون " صبرا معاشر المهاجرين والأنصار قاتلوا على بصيرة من ربكم وثبات من دينكم فكأني بكم غدا قد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة لا تدري ما يسلك بها من فجاج الأرض باعوا الآخرة بالدنيا واشتروا الضلالة بالهدى وباعوا البصيرة بالعمى " عما قليل ليصبحن نادمين " حين تحل بهم الندامة فيصلبون الإقالة " ولات حين مناص " إنه والله من ضل عن الحق وقع في الباطل ومن لم يكن الجنة نزل النار أيها الناس إن الأكياس استقصروا عمر الدنيا فرفضوها واستطالوا مدة الآخرة فسعوا لها والله أيها الناسلولا أن يبطل الحق ويظهر الظالمون وتقوى كلمة الشيطان لما اختاروا ورود المنايا على خفض العيش وطيبه إلى أين تريدون رحمكم الله أيها الناس عن ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وزوج ابنته وأبي ابنيه خلق من طينته وتفرع من نبعته وخصه بسره وجعله باب مدينته وأعلم بحبه المسلمين وأبان ببغضه المنافقين فلم يزل كذلك حتى أيده الله بمعونته يمضي على سنن استقامة لا يفرح لراحة اللذات بها وهو مفلق الهام مكسر الأصنام صلى والناس مشركون وأطاع والناس مرتابون فلم يزل كذلك حتى قتل مبارزي بدر وأفنى أهل أحد وهزم الله به الأحزاب وقتل أهل حنين وفرق جمع هوازن فيالها من وقائع زرعت في قلوب قوم نفاقا وردة وشقاقا قد اجتهدت في القول وبالغت في النصيحة وبالله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله .
فقال معاوية والله يا أم الخير ما أردت بهذا القول إلا قتلي ولو قتلتك ما حرجت في ذلك
[فقالت] :والله ما يسوؤني أن يجري الله قتلي على يدي من يسعدني الله بشقائه!
نسألكم الدعاء