اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الإنسان في عالم البرزخ والقيامة له مشاكل كثيرة: الخلوة، والوحشة، والمدّاقة في الحساب.. فمن الممكن في مسألة بسيطة، أن يوقفوا الإنسان عليها سنوات طويلة، وكل سؤال يبقى عليه عشرة أو عشرين سنة.. عندئذ ما الذي ستعيشه النفس من العذاب في عالم البرزخ، حتى لو خرج منها منتصراً!..
- إن من العقبات: الظلام، ووحشة القبر.. لذا لابد من اكتساب نور من أجل ذلك اليوم.. إن الروايات تقول: إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه.. إنسان ربى فتاة إلى سن الثامنة عشر أو الثانية والعشرين، وجاء إنسان -بحسب الظاهر- يرضى دينه وأمانته، وإذا بهذا الإنسان يخطئ في المصداق.. وبعد فترة يتفاجأ أنه جعل كريمته، ومن أعطاها وجوده، مع حيوان على شكل ملك.. فهناك الكثيرون يتصنعون بعض الأمور، للحصول أو الوصول إلى مآربهم.. والإنسان غير ملزم أن يعرف الواقع، ولكن لو كان عنده نور، ورب العالمين هداه للنور الذي جعله يميز أن هذا الإنسان يصلح التعامل معه أو لا يصلح، لما وقع في كثير من الأخطاء في أموره الحياتية.
إن أحد العلماء الصالحين، أمضى حياته في تأييد لجهة من الجهات، لعل عشرين سنة وهو يتحمس أو يتحزب لجهة، ثم عرف أن تحزبه لم يكن في محله، وتراجع وأمضى باقي حياته لمهاجمة هذه الجهة.. فنصف العمر ذهب في التحزب، والنصف الآخر ذهب في اللاتحزب.. مثلاً: لو أن هذا العالم عرف طريقه من أول يوم: مع من يتعامل، وأين يسلك، وما هو أقرب الطرق الموصلة إلى الله عز وجل.. لكفاه مؤونة الخبط والخلط الذي وقع به.
- كيف يمكن للمؤمن أن يصل إلى هذا النور؟.. وهل هذا ممكن؟.. أو أنه خاص بالأنبياء؟..
إن الروايات والآيات تدل على هذا المعنى {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} فالسياق ليس سياق الأنبياء، بل هو سياق عامة الناس؛ أي أيها الناس!.. إن كنتم تريدون النور، فأنا نور السموات والأرض.. قال الباقر (ع): (اتقوا فراسة المؤمن!.. فإنه ينظر بنور الله)، ثم تلا هذه الآية: {إنّ في ذلك لآيات للمتوسّمين}.
وبما أن الحيرة في الحياة كثيرة، فإن البعض يلجأ إلى الاستخارة.. فيتوسل الإنسان بالله -عز وجل- قائلا: يا رب أنا وثقت بفلان عبدك الصالح.. فاجعل الخير والمصلحة على لسانه.
إن أحد الشباب قال: أنا شاب كشباب الدنيا، لي محل تجاري بسيط.. وفي يوم من الأيام دخلت المسجد، وكان الخطيب يعظ بكلمات أمير المؤمنين (ع).. يقول: هذا الخطيب قلب كياني رأساً على عقب.. فأجر محله، وانقطع إلى الله عز وجل.. فهو ينتظر الليل، ليذهب لحرم الرضا (ع) ويعيش ساعات لا توصف.. لم يكن يدخل عند الضريح، وإنما يمشي من رواق إلى رواق ويتأمل ويفكر.. كان يقول أرى الله –عز وجل- قد أحاط بي من كل مكان، أينما أذهب أراه أمامي.. فأنا كالإنسان الذي وضعته في النار، أينما يذهب يرى النار تحيطه.
لذا على الإنسان عندما يذهب للرضا (ع)، أن يطلب منه أن يصلح أمره، ويقلع قلبه عن حب الدنيا، ويفتح له الآفاق المبهمة.. وليطلب من الإمام (ع) أن يطلب من ولده المهدي (ع) أن يكون كفيلاً له.. لأنه يتيم، فكلنا أيتام.. واليتيم ليس علاجه بالمساعدات المالية، وإنما يحتاج إلى رعاية، وإلى احتواء نفسي.. فإذا صار بناء الإمام (ع) أن يحتويه في زمان الغيبة، فإنه يفعل فيه الأعاجيب!..
نحن لسنا من دعاة العزلة، فهذا أمر مرفوض في الشريعة، إذ لا رهبانية في الإسلام.. لأن الفخر كل الفخر أن تكون في جوف الليل ممن يتلون القرآن، ويقيمون الليل.. وأما في النهار، فحكما علماء يقاتلون في سبيل الله!.. إن المؤمن يحتاج بعض الأوقات إلى خلوة، بعد التوغل في بعض العوالم، فمن المناسب أن يأخذ الإنسان فترة اعتكافية.. وهذا موجود في الشريعة.
- إن من أشد أنواع العذاب في الحياة الدنيا، هي حالة بعض المؤمنين، الذين هم لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، مذبذبين بين ذلك.. إن البعض وصلوا والبعض سقطوا، ولكن المشكلة بمن خرج من الدنيا ولم يصل إلى النعيم المعنوي.. فهو ليس من أهل الدنيا في لذائذهم، ولا يشارك أهل النعيم المعنوي في سكراتهم في جوف الليل.. لا سكر الخمرة، ولا سكر الوصول إلى المقامات العالية.. إن أهل الدنيا يسرحون ويمرحون، وأهل الآخرة أيضاً يسرحون ويمرحون في الدنيا.. فبك إلى لذيذ مناجاتك وصلوا.. يقول الإمام زين العابدين (ع): ومنك أقصى مقاصدهم حصلوا.. بكأس الملاطفة يكرعون..
- إن هذا النور من الممكن أن نكتسبه في هذه الحياة الدنيا.. وذلك من خلال: ترك موجبات الظلمة.. ومن موجبات هذه الظلمة، أمران: الأمر الأول الحقوق، والأمر الثاني الغفلات.. فالحقوق مشكلتها أنها ليست لها ضوابط دقيقة.. فمثلاً: الزوجة مريضة، وهي بحاجة إلى من يسعفها، ويكون بجانبها.. وإذا بالزوج مصر على الذهاب إلى أصدقائه.. فهذا ليس بحرام، ولم يرتكب معصية؛ ولكنه بهذا التصرف يكون قد كسر قلباً.. وكان بإمكانه أن يقدم إحساناً، وأن يجبر هذا الكسر أو هذا الوهن النفسي.
أحد العلماء يقول: أن أحد أولياء الله الصالحين زاره في ليلة من الليالي، ترك صلاة الليل، وجلس معه إلى الصباح، وهو يسليه بنكتة أو بقصة.. فهذا الولي يقول: أحسست بأن هذا العالم هو بحاجة هذه الليلة إلى فرفشة -إن صح التعبير- فقلت: لأترك صلاة الليل، وأدخل على أخي السرور.. انظروا إلى هذه الحالة الجامعة، وإلى هذه الشفافية في فهم الشريعة!..
إن بعض ما يصيبنا من البلايا والأمراض، وخاصة عند الأخوات المؤمنات، هو من التقصير في حقوق الخادمات في المنازل.. فهذه الخادمة ليست بأمة، إنما هي موظفة لها ساعات عمل.. وإذا طالبتها بالعمل خارج ساعات العمل، فإن هذا ظلم لها.. وكذلك في التأخير بدفع حقوقها.. فعشرات الظلامات تقع على رأس هذه المسكينة، والحجة أنها وافدة، ولا أحد يعرفها.. فإن هذا من عقبات الوصول، حتى لو كانت هذه الخادمة على غير الإسلام. ...