اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم عجل لوليك الفرج
ابا صالح التماس دعا
س3/ الكثير من علمائنا الأفاضل يقول : أن الدعاء لا يتحقق إلا من خلال الصلاة على النبي (ص) ، في بداية الدعاء ، وفي ختام الدعاء.. فهل الصلاة على النبي (ص) من مصاديق الدعاء ؟..
بلا شك، ليس من مصاديق الدعاء فحسب ، بل هو أشرف الأدعية.. لأنه نحن عندما ندعو ، فإنه يغلب على دعائنا الجانب الفردي ، والحوائج الفردية والشخصية ، أي قلّما الإنسان يدعو لحوائجه المعنوية أولاً.. وخصوصاً في المشاهد الشريفة.. نحن إذا أردنا أن نأخذ إحصائية في الحوائج التي ندعو لأجلها ، فإن الأمر لا يتجاوز -عادةً- شفاء المرضى ، وأداء الديون ، ورفع بعض المشاكل الاجتماعية... تقريباً حوائج الناس تدور في هذا الفلك.. والحال بأنه الحوائج المعنوية ، أحوج أن نُصِّر عليها بين يدي الله عزوجل.. هل هناك إنسان ذهب إلى الحج أو العمرة ، أو زار ، أو وقف تحت قبة الحسين (ع) ؛ وأخذ يشكو الله عزوجل حسده الباطني مثلاً ؟.. أو يشكو الله عزوجل كِبره الباطني ؟.. أو أنه إنسان لا يمكنه أن يُخلص في عمله ؟.. هذه حوائج سنية وحوائج قيمة ، وينبغي للمؤمن أن لا يستهين بهذه الحوائج الباطنية.
الصلاة على النبي وآله قبل الدعاء وبعد الدعاء ، من موجبات الاستجابة قطعاً ؛ لأن العبد يطلب من الله عزوجل حاجة تعود إلى حبيبه المصطفى وآله ، ليست هنالك حاجة شخصية في هذا المجال ، ورب العالمين أجلَّ وأكرم من أن يستجيب الطرفين ويهمل الوسط.
الصلاة على النبي وآله دعاء ، ومن هنا نقول : أنه مادام الأمر من مصاديق الدعاء ، فإنه ينبغي أن نلتزم بآداب الدعاء.. والدعاء له آداب ظاهرية مثلاً : كون الإنسان في المسجد متطيباً ، وبثياب نظيفة طاهرة.. ومن أهم الآداب الباطنية للدعاء : الالتفات للمدعو.. الإنسان الداعي إذا لم يلتفت إلى الله عزوجل ، والساهي الذي لا يرى مدعواً ، فهذا الإنسان كيف يتحقق في حقه الدعاء ؟.. إن حقيقة الدعاء كالبيع ، وكالمعاملة.. فالبيع فيه مشتري ، وبائع.. أرأيت إنساناً يبيع ، وهو في غرفة مغلقة ، وليس هنالك من مشتري ، ولا من سلعة ، ولا من ثمن ، ولا من مُثمَن ؟.. فالدعاء عبارة عن طلب من جهة معينة ؛ وإذا الإنسان لا يلتفت لهذه الجهة ، ولا يخشع لها ، ولا يتوجه لها ؛ فلا شك أن هنالك خلل في أصل تحقق مفهوم الدعاء.
فعليه، الداعي قبل أن يقول : (اللهم) ، عليه أن يعلم أنه في محضر الله عزوجل.. ومن المعلوم أن كلمة (اللهم) أصلها في اللغة (يا الله) ، أي أن فيها خطاب لله عزوجل ، وبالتالي فإنه عندما يقول : (يا الله) وهو ملتفت إلى برنامج تلفازي مثلاً ، أو يقول : (اللهم) وهو يحك رأسه مثلاً ؛ فإن هذا ليس فيه أدب الدعاء.
وهنالك بحث علمائي يتناول هذه المسألة ، وهي : أن الدعاء اللفظي الذي فيه خطاب ، أي فيه كلمة : (اللهم) ، إذا إنسان -مثلاً- يصلي على النبي وآله كثيراً ، أو أي دعاء آخر ، ولكنه غير ملتفت للمضمون ، هل يؤجر عليه أم لا ؟.. يعني هذا أول الكلام.. وأنا أعتقد شخصياً -والله العالم- أن رب العالمين لا يهمل شيئاً.. الآن الإنسان دعا بلقلقة اللسان ، فإنه يعطى شيئاً ما ، ولكن الأثر الأكبر والأهم للصلاة على النبي وآله ، أن يكون بشرط التوجه والإقبال.
س4/ لماذا التأكيد في الصلوات على آل النبي (ص) ؟..
نحن نقول كلمة يتفق عليها معي جميع المسلمين : أولاً آل النبي المقصود بهم : هم الذين أمُرنا بمودتهم.. فليس من دأب الأنبياء السلف ، أنهم يطلبون لأنفسهم أجراً ، بل كانوا هم يصرحون كما في قوله تعالى : {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، فرب العالمين أعطاهم ما أعطاهم ، فلا يتوقعون شيء في هذا المجال.. والنبي الأكرم (ص) من بين الأنبياء جميعاً.. كما هو المعروف -إن كانت هذه الإحصائية مطابقة للواقع- أنه لدينا مئة وأربعة وعشرون ألف نبي .. النبي الأكرم (ص) طلب أجراً على الرسالة ، وهي المودة في القربى : {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} ، أمن المعقول أن النبي الأكرم (ص) يطلب الأجر من الأمة ، ويكون هذا الأجر : محبة عمومته ، وأبناء عمه ، أو مثلاً أقربائه ؟.. ما هذا الطلب ؟!.. الطلب لابد أن يكون معقولاً.. الأجر على الرسالة ، لابد أن يكون في طريق تأييد الرسالة.. فهنا المراد بآل النبي : هم الذين حملوا دعوته بعده (ص) ، وعلى رأس الآل -كما نعرف- تلك الشخصية الكبرى التي خصها النبي (ص) بمزايا لم تحصل لأحد من المسلمين ، حيث زوجه ابنته ، وآخى بينه وبينه ، والأهم من ذلك أنه نقل إليه علمه من خلال حديث مدينة العلم.. فعليه، آل النبي : هم الذين حفظوا تراث النبي ، كما هو حقه.. والمثل يقول : أهل البيت أدرى بما في البيت.
وإن ذكر الآل ، من باب الوفاء لآل النبي (ص).. فإن رب العالمين من صفاته أو من أسمائه أنه وفي ، ورب العالمين هو من أوفى الأوفياء.. ومما يشير إلى ذلك ، قوله تعالى في هذه الآية : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.. {يُصَلُّونَ} : فعل مضارع ، والفعل المضارع يدل على الاستمرار.. أي أن رب العالمين وفاءً لحبيبه المصطفى (ص) ، لا يمر آن من أنات الوجود إلا ولله عزوجل على نبيه صلوات منه.. ويا له من فخر !.. أنا لا أدري عندما هذه الآية نزلت على النبي (ص) ، ماذا كان حال النبي (ص) ؟!.. أنا أعتقد أنه ذهب كل تعبه في الحياة ، عندما نزلت هذه الآية.. أنه يا رسول الله ، نحن نصلي عليك إلى الأبد.. وأنا أعتقد أن الصلاة على النبي وآله من الله عزوجل وملائكته ، هذه الصلوات لا تنقطع حتى في الجنة ، لأنه ما ذكر نهاية لهذه الصلوات ، ما قال أيام حياتك ، ولا أيام حياة الدنيا ، ولا في البرزخ ، ولا في القيامة.. فيا له من مكسب عظيم ، أن النبي (ص) إلى أبد الآبدين -إلى الأبدية- ، والصلوات الإلهية تنهمر عليه في كل آن !.. ومن المعلوم أن حقيقة الصلوات الإلهية على نبيه ، لا يفهمها أحد إلا الله عزوجل ، هو أدرى بفعله..
فعليه، أرجع وأقول أنه الصلاة على النبي وآله من صفات الله عزوجل ، ولهذا نحن نستن بهذه الصفة ، كما أمرنا الله عزوجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.. أي أنتم أيضاً تخلقوا بأخلاقي ، وصلوا عليه وسلموا تسليما.