اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم عجل لوليك الفرج
ابا صالح التماس دعا
س1/ كيف يمكننا أن نحول الصلاة على النبي (ص) من شعار إلى شعور ؟..
إذا أردنا أن نأخذ إحصائية في عالم الأذكار والأوراد ، فإنه من الأذكار المتكثرة أو الشائعة في حياة المؤمنين كافة -بكل أصنافهم- ، هي الصلاة على النبي وآله.. يلهج بها الإنسان في كل المناسبات ، سواءً كان عند قبره الشريف ، أو كان في أماكن بعيدة ، أو في صلاته ، أو في قيامه.. فسيد الأذكار التوسلية -إن صح التعبير- الصلاة على النبي وآله ، كما أن سيد الأذكار التوحيدية كلمة التهليل.. ولا إله إلا الله سيد كل الأذكار ، وخاصة أن هذا الذكر فيه خاصية الخفاء ، فبإمكان الإنسان أن يهلل ولا يفتح شفتيه ، ليكون الأمر بينه وبين ربه.
إن الصلاة على النبي وآله (ص) سنة متفشية وسارية في حياة المؤمنين طوال التأريخ ، ولكن المشكلة أن الذكر أو الورد عندما يتكرر في حياة الإنسان ، فإنه يفقد في بعض الحالات المغزى المعنوي ، ويتحول من محطة تأمل وتدبر ، إلى لقلقة لسان.. ونحن نعتقد -كما هو الاعتقاد الصحيح عند جميع العلماء- أنه الذكر من صفات القلب.. الاستغفار من صفات القلب.. في الكتاب الفقهي المعروف (العروة الوثقى) ، صاحب الكتاب عندما يصل إلى الاستغفار ، يقول : هذا عمل قلبي.. ويطرح فرع فقهي بعد ذلك : أنه هل حقيقة التوبة متوقفة على الاستغفار اللفظي أم لا ؟.. فينتهي إلى القول : أن الأحوط استحباباً أن نضم الذكر اللساني إلى التوبة ، وإلا فالتوبة متحققة بمجرد الندامة والعزم على عدم العود.
فإذن، كيف نحول الصلاة على النبي وآله من شعار إلى شعور ؟.. الأمر يحتاج إلى حركة باطنية ، حركة مع النفس.. إن الصلاة على النبي وآله شعار عظيم ، وما يؤكد ذلك ، أنه يستحب رفع الصوت بالصلاة على النبي (ص) ، وقد ورد أن ذلك يذهب بالنفاق : قال رسول الله (ص) : (ارفعوا أصواتكم بالصلاة عليّ ، فإنها تذهب بالنفاق).. فهذه حركة شعارية مباركة ، ولكن -كما قلنا- بشرط أن لا نُفقد هذه الحركة جوهرها الباطني.. فينبغي للمؤمن قبل أن يصلي على النبي وآله ، أن يحاول أن يقف هنيئة مع نفسه ، ويستجمع فكره ؛ ليصلي على النبي وآله صلاة حقيقية ، فيها معنى ، وفيها مغزى.
س2/ الصلاة على النبي وآله ، كثيراً ما تتردد على الألسن ، فكيف يمكننا أن نجمع بين الكم والكيف ؟..
إن هذه المشكلة في كل الأذكار والأوراد !.. فالذي يتخذ لنفسه ذكراً أو ورداً معيناً ، من الممكن أن يقع في ذوبان ، أو أن يكون الجانب الكيفي فيه باهتًا..
وهنا أولاً أقول لإخواني : إذا أردنا أن نتخذ ذكراً أو ورداً في حياتنا اليومية ، فلابد أن نراجع النصوص المأثورة في هذا المجال.. نحن من دعاة الالتزام بالمأثور ؛ لا أن يخترع الإنسان لنفسه ذكراً ، ويلتزم به ، ويُلزم الآخرين به !.. وقد رأينا -مع الأسف- هذه الأيام البعض يرّوج لدعاء أو لعمل صالح ، والدعاء لا ضير فيه ، ولكن نقل من خلال منام : رآه إمام مسجد ، أو رآه شخصية معينة -كما يُنقَل- ، ويهدد من لا ينشر هذا لدعاء بكذا وكذا !.. فهذا أسلوب لا يتناسب مع روح الشريعة أبداً !.. أن يروج الإنسان لما لم يثبت يقينه أولاً ، وثم يهدد من لا يروج لذلك ، بأنه سيبتلى بالعقوبات !.. هذه طريقة بعيدة عن روح الشريعة.. إذا أردنا أن نتخذ ورداً أو ذكراً ، فلابد أن نلجأ إلى الكتاب والسنة.. ومن المناسب حفظ أو تسجيل الآيات القرآنية التي ابتدأت : بـ(ربنا) أو (يا ربي) ؛ فإنها عبارات جداً جميلة وراقية ، ومن الممكن الاستفادة منها في الطواف ، وفي القنوت ، وفي مشاهد المعصومين (ع) مثل قوله تعالى : {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا..} ، {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا..} ، {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} ، {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ..}.. هذه الآيات التي بدأت : بـ(ربنا) أو (يا ربي) ، نِعم الذكر ونِعم الورد في هذا المجال.
ومن المناسب هذه الاستغفار -للذي يحب أن يتخذ لنفسه ذكراً يومياً- : (استغفر الله الذي لا إله إلا هو ، الحي القيوم ، الرحمن الرحيم ، بديع السماوات والأرض ، من جميع ظلمي وجرمي ، وإسرافي على نفسي ، وأتوب إليه).. وقد ورد أنه من يلتزم به كل يوم أربعمئة مرة لمدة شهرين ، فإنه يرزق علماً أو مالاً ، وكلاهما خير للمؤمن.
الذي يلزم نفسه بهذا الذكر المأثور ، فمن الطبيعي أنه عندما يذهب من مكان إلى مكان ، أو عندما يكون خالياً أو وحيداً ، أو عندما يكون في ملأ متشاغل بالباطل ؛ أنه يحب أن يكمل ذكره.. أضف إلى أن الإنسان الذي يلزم نفسه بذكر معين ، فإن ذلك من موجبات أن يبحث عن فراغ ، حتى يقوم بهذا الأمر ، وبالتالي فإنه يتحول إلى إنسان كما في دعاء أمير المؤمنين في دعاء كميل : واجعل لساني بذكرك لهجا.. الإنسان المؤمن من صفاته أن لسانه لهج بذكر الله عزوجل.. وقد ورد عن الإمام الباقر (ع) أنه قال : (ورطّب شفتيك بالاستغفار).. أي لا توقف لسانك عن ذكر الله عزوجل.. والنبي الأكرم (ص) هو سيد الذاكرين ، وسيد الذين لهجوا بذكر الله عزوجل : ورد عن الإمام الصادق (ع) : (إنّ رسول الله (ص) كان لا يقوم من مجلس - وإن خفَّ- حتى يستغفر الله عزّوجلّ خمسا وعشرين مرة).