اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم عجل لوليك الفرج
ابا صالح التماس دعا
س1/ في هذه الحلقة نريد أن نتكلم عن صفات وسمات النبي (ص) ، فهل لكم أن تسردوا لنا أهم ملامح النبي (ص) ؟..
من المناسب جداً ونحن في ضمن هذه الحلقات المباركة حول الاستنان بسنة النبي (ص) ، أن نراجع المصادر التي ذكرت سمات النبي (ص) ، فيما وصل بأيدينا من مصادر.. هنالك بعض المصادر التي تصف الملامح الظاهرية للنبي (ص) : أنه كان كث اللحية ، وسهل الخدين... وغيره من الصفات البدنية ، ولكن هذه الصفات البدنية غير قابلة للتأسي ، لأنها سمات النبي الأكرم (ص) الشكلية.. والذي يهمنا في هذه الحلقة ، أن نذكر السمات المعنوية والسلوكية ، وحركة النبي (ص) في تعامله مع الناس ؛ لأن هذه هي النقاط التي يمكن أن نتأسى بها في حركة حياتنا.
والملفت أنه الذين كتبوا هذه الصفات عن النبي (ص) ، هم الذين كانوا مع النبي (ص) ، لأنه هذه الصفات نقلت عمن رأى النبي المصطفى (ص) ؛ ويبدو أنه كانت حركات النبي (ص) ، تحت مراقبة دقيقة لأصحابه.. ونحن نستلهم الدروس من ذلك : أنه القائد الإسلامي -إمام الأمة وقائد الأمة- ، عليه أن يعلم أنه الأمة في حال رصد لحركاته وسكناته.. وهذه الأيام مع وجود الفضائيات والكاميرات وغير ذلك ، أصبحت الأمور موثقة.. فإذا كان هكذا الرصد في زمان صدر الإسلام ، فكيف بزماننا هذا !.. فما نعمله -نحن الذين برزنا إلى السطح ، واستلمنا بعض المهمات الاجتماعية والرئاسية - ، يدون ، وفي يوم من الأيام يعرض للمؤمنين في مستقبل التأريخ.. فعلى المؤمن أن يكون مراعياً لكل ذلك ، مراعياً لرقابة الخلق ، ورقابة الخالق ؛ فإن رب العالمين أيضاً يحب المؤمن أن يقوم بما يورث له حسن السمعة في التأريخ.. وقد ورد عن الإمام السجاد (ع) ، في وصف من كمل إسلامه : واستحى من كل قبيح عند الله وعند الناس.. ورحم الله من ذبًّ الغيبة عن نفسه !.
بعد هذه المقدمة القصيرة ننتقل إلى أوصاف النبي المصطفى (ص) ، وهي شيقة جداً ، وأرجو أن تكون مثاراً للتأسي لكافة الأخوة والأخوات..
كان (ص) : متواصل الأحزان..
كان له حزن طويل ومتواصل.. وهنا ينبغي أن نفرق بين الحزن الرسالي ، والحزن الشخصي.. فالمؤمن ليس له حزن شخصي ، بل أنه من أكثر الناس قوة في باطنه ، وأنه يعيش أعلى درجات الصحة النفسية.. ومن المعلوم أن المريض النفسي ، إما لأنه يخاف من المستقبل ، أو يحزن على الماضي ، وليس هناك أمر ثالث.. والحال بأن ولي الله عزوجل خلو من الصفتين ، كما يشير إليه قوله تعالى : {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} ، فإن جنس الخوف والحزن منفي عنهم.. الولي لا يحزن على ما فات ، ولا يخاف من المستقبل ؛ فكيف -إذن- كان النبي (ص) متواصل الحزن ؟.. من الواضح أن الحزن هنا حزن رسالي ، فيما يتعلق بالأمة ، وهذا الحزن حزن بناء ، فنحن لم نسمع يوماً من الأيام أنه إنسان لحزن رسالي أصيب بالانهيار العصبي ؛ لأن هذا حزن مقدس ، والله عزوجل يكّرم هذا الإنسان ، الذي يعيش هم الأمة ، وهم الرسالة..
فعليه، الحزن إذا كان حزنًا رسالياً ، فهذا أمر مطلوب.. فإن طبيعة المؤمن أنه إنسان فيه كثير من الشفافية ، ومن الحس المرهف ، تجاه ما يحدث في هذه الأمة.. ولا شك أن وريثه ووصيه صاحب الأمر والزمان -روحي له الفداء- أيضاً كجده المصطفى (ص) ، وأنه هذه الأيام يعيش أعلى درجات الحزن ، لما يجري من أحداث في هذه الأمة.
كذلك كان (ص) : دائم الفكرة ، ليست له راحة..
هذه أيضاً صفة مقدسة.. فالإنسان الذي يلتهي بالأباطيل -كما نشاهد -بعض الأوقات- أنه بعض كبار السن يلتهي بألعاب الصغير ، وقد يشاهد برامج الصغار مثلاً !- ، هذا الإنسان لو كانت له فكرة مشغلة ، لما كان بهذه الوتيرة.. كان النبي (ص) دائم الفكرة ، ليست له راحة ، يعيش حالة التدبر والتأمل ، سواءً في الطبيعة ، أو في ما يجري في هذا العالم من أحداث.
ولا يتكلم في غير حاجة..
من الغريب في الروايات في مدرسة أهل البيت (ع) ، أنها تؤكد على أن المؤمن إنسان لا يتكلم إلا بدليل.. فالسكوت لا يحتاج إلى دليل ، والكلام يحتاج إلى دليل.. أن يخرج من جوه الطبيعي ، ويتكلم مع الناس ، فهذا يحتاج إلى مجوز.. الكلام فيما لا يعني أولاً في مظان الوقوع في الأخطاء الكبيرة.. من كثر كلامه كثر خطؤه ؛ ومن كثر خطوات ، قسي قلبه.. فهذه كانت من صفات النبي (ص) المتميزة : أنه يتكلم بمقدار ما تحتاجه الأمة ، رغم أنه كان النبي (ص) من أفصح البلغاء : (وأنا أفصح من نطق بالضاد) كما يقول (ص) في مضمون الرواية.
كذلك من صفاته : تعظم عنده النعمة وإن دقت..
مع الأسف نحن نلاحظ في حياتنا اليومية ، أن البعض رب العالمين جمع له من النعم ما جمع : في ظاهره ، وفي باطنه ، وفي أهله ، وفي ولده ، وفي مسكنه... ؛ ولكن لأقل مشكلة تقع في حياته ، وإذا به ينسى كل هذه النعم الكثيرة !.. وهذه صفة سلبية في بعض الناس : أنه دائماً -كما يقال على لسان علماء النفس- : ينظر إلى النصف الفارغ من الكأس ، ولا ينظر إلى النصف الممتلئ منه..
من صفاته : لا تغضبه الدنيا وما كان لها..
غضبه غضب رسالي.. عندما يرى منكراً ، يغضب.. أما عندما يرى نقصاً في طعام ، أو في شراب ، فهذا الأمر لا يستحق أن يغضب لأجله الإنسان.. أيضاً نحن نلاحظ في بعض الأزمات العائلية أن منشأ ذلك ، أن الرجل والمرأة يختلفان على شؤون العيش ، وعلى تفاصيل المعيشة ، وعلى المتاع الزائل ؛ فهذه صفة خارجة من مدرسة النبي وآله (ص).
وأما لننظر إلى جانب الغضب الرسالي !.. فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له..
إذا كان المقام مقام الانتصار لله عزوجل ، فإن النبي (ص) كان يغضب غضباً لا يقوم لغضبه شيء..
ونحن نلاحظ أن الذين يغضبون لكل ما هب ودب ، فإنه حتى إذا غضب غضباً رسالياً ، لأمر يستحق ؛ فهذا الغضب لا قيمة له.. لأن هذا الإنسان يستعمل هذا السلاح المؤثر ، فيما يستحق وما لا يستحق ؛ والنبي (ص) لم يكن كذلك ، فقد كان يغضب لما كان يستحق الغضب.