اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الكتب المجموعة من كلام الامام علي (عليه السلام)
عهده للأشتر حين ولاه مصر قال الشريف الرضي :
تـــــــــــــــــابع
الإحسان :
اعلم انه ليس شيء بادعى إلى حسن ظن وال برعيته من إحسانه إليهم و تخفيف المؤنات عليهم، و ترك استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم، فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك فان حسن الظن يقطع عنك نسبا طويلا فان أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده، و ان أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده.
السنة :
و لا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة و اجتمعت بها الألفة و صلحت عليها الرعية، و لا تحدثن سنة تضر بشيء من ماضي تلك السنن فيكون الأجر لمن سنها و الوزر عليك بما نقضتها.
العلماء :
و اكثر مدارسة العلماء و مناقشة الحكماء، في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك و إقامة ما استقام به الناس قبلك.
طبقات المجتمع :
و اعلم ان الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض و لا غنى ببعضها عن بعض فمنها جنود الله و منها كتاب العامة و الخاصة و منها قضاة العدل و منها عمال الإنصاف و الرفق ومنها أهل الجزية و الخراج من أهل الذمة و مسلمة الناس، و منها التجار و أهل الصناعات و منها الطبقة السفلى من ذوي الحاجات و المسكنة.
و كل قد سمى الله له سهمه و وضع على حده و فريضته في كتابه أو سنة نبيه(صلى الله عليه وآله) عهدا منه محفوظا فالجنود بإذن الله حصون الرعية و زين الولاة و عز الدين و سبل الأمن و ليس تقوم الرعية إلا بهم.
ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به على جهاد عدوهم و يعتمدون عليه فيما يصلحهم و يكون من وراء حاجتهم ثم لا قوام لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاء و العمال و الكتاب لما يحكمون من المعاقد و يجمعون من المنافع و يأتمنون عليه من خواص الأمور و عوامها و لا قوام لهم جميعا إلا بالتجار و ذوي الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم و يقيمونه من أسواقهم و يكفونهم من الترفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم. ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة و المسكنة الذين يحق رفدهم ومعونتهم و في الله لكل سعة و لكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه.
الاستعانة بالله (تعالى):
و ليس يخرج الوالي من حقيقة ما الزمه الله تعالى من ذلك إلا بالاهتمام و الاستعانة بالله و توطين نفسه على لزوم الحق و الصبر عليه فيما خف عليه أو ثقل.
قادة الجيوش :
فول من جنودك انصحهم في نفسك لله و لرسوله و إمامك و أنقاهم جيبا و أفضلهم حلما ممن يبطئ عن الغضب و يستريح إلى العذر و يرأف بالضعفاء و ينبو على الأقوياء و ممن لا يثيره العنف و لا يقعد به الضعف، ثم الصق بذوي المروءات و الأحساب و أهل البيوتات الصالحة و السوابق الحسنة ثم أهل النجدة و الشجاعة و السخاء و السماحة فانهم جماع من الكرم و شعب من العرف.
رعايتهم :
ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما و لا يتفاقمن في نفسك شيء قويتهم به و لا تحقرن لطفا تعاهدتهم به و ان قل فانه داعية لهم إلى بذل النصيحة لك و حسن الظن بك و لا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها فان لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به و للجسيم موقعا لا يستغنون عنه.
سياسته معهم :
و ليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته. و افضل عليهم من جدته بما يسعهم من وراءهم من خلوف أهليهم حتى يكون همهم هما واحدا في جهاد العدو فان عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك و ان افضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد و ظهور مودة الرعية و انه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم و لا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة أمورهم و قلة استثقال دولهم و ترك استبطاء انقطاع مدتهم فافسح في آمالهم و واصل في حسن الثناء عليهم و تعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم فان كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع و تحرض الناكل ان شاء الله تعالى ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى و لا تضيفن بلاء امرئ إلى غيره و لا تقصرن به دون غاية بلائه و لا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا و لا ضعة امرئ إلى أن تصغر من بلائه ما كان عظيما.
الرجوع للمصادر الشرعية :
و اردد إلى الله و رسوله ما يضلعك من الخطوب و يشتبه عليك من الأمور فقد قال الله سبحانه و تعالى احب إرشادهم (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول) فالرد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه و الرد إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة.
اختيار القضاة :
ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور و لا تمحكه الخصوم و لا يتمادى في الزلة و لا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه. و لا تشرف نفسه على طمع و لا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه أوقفهم في الشبهات و آخذهم بالحجج و اقلهم تبرما بمراجعة الخصم و أصبرهم على تكشف الأمور و أصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه إطراء و لا يستميله إغراء و أولئك قليل. ثم اكثر تعاهد قضائه و افسح له في البذل ما يزيل علته و تقل معه حاجته إلى الناس. و أعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك. فانظر في ذلك نظرا بليغا فان هذا الدين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار يعمل فيه بالهوى و يطلب به الدنيا.
اختيار العمال و الولاة :
ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا و لا تولهم محاباة و أثرة فانهما جماع من شعب الجور و الخيانة. و توخ منهم أهل التجربة و الحياء من أهل البيوتات الصالحة و القدم في الإسلام المتقدمة فانهم اكرم أخلاقا و اصح أعراضا و اقل في المطامع إشرافا و ابلغ في عواقب الأمور نظرا ثم اسبغ عليهم الأرزاق فان ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم و حجة عليهم ان خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك، ثم تفقد أعمالهم و ابعث العيون من أهل الصدق و الوفاء عليهم فان تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة و الرفق بالرعية و تحفظ من الأعوان.
خيانة العمال :
فان أحدا منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة في بدنه و أخذته بما أصاب من عمله ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة و قلدته عار التهمة.
الخراج و مالية الدولة:
و تفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فان في إصلاحه و صلاحهم صلاحا لمن سواهم و لا صلاح لمن سواهم إلا بهم لان الناس كلهم عيال على الخراج و أهله. و ليكن نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج لان ذلك لا يدرك إلا بالعمارة و من طلب الخراج بغير عمارة اخرب البلاد و اهلك العباد و لم يستقم أمره إلا قليلا فان شكوا ثقلا أو علة أو انقطاع شرب أو بالة أو أحالة ارض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خففت عنهم بما ترجو ان يصلح به أمرهم و لا يثقلن عليك شيء خففت به المئونة عنهم فانه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك و تزيين ولايتك مع استجلابك حسن ثنائهم و تبجحك باستفاضة العدل فيهم معتمدا فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم و الثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم و رفقك بهم فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد اجتملوه طيبة أنفسهم به فان العمران محتمل ما حملته و إنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها و إنما يعوز أهلها لإشراف انفس الولاة على الجمع و سوء ظنهم بالبقاء و قلة انتفاعهم بالعبر.
الكتاب و أصحاب الديوان :
ثم انظر في حال كتابك فول على أمورك خيرهم و اخصص رسائلك التي تدخل فيها مكايدك و أسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق ممن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملأ و لا تقصر به الغفلة عن إيراد مكاتبات عمالك عليك و إصدار جواباتها على الصواب عنك و فيما يأخذ لك و يعطي منك و لا يضعف عقدا اعتقده لك و لا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك و لا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور فان الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره اجهل ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك و استنامتك و حسن الظن منك فان الرجال يتعرفون لفراسات الولاة بتصنعهم و حسن خدمتهم و ليس وراء ذلك من النصيحة و الأمانة شيء و لكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثرا و اعرفهم بالأمانة وجها. فان ذلك دليل على نصيحتك لله و لمن وليت أمره.
فنون الكتابة :
و اجعل لرأس كل أمر من أمورك رأسا منهم لا يقهره كبيرها و لا يتشتت عليه كثيرها.
و مهما كان في كتابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته.
يتبـــــــــــــــــع
تحياتي
مسكِ النبي الهادي