اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الكتب المجموعة من كلام الامام علي (عليه السلام)
عهده للأشتر حين ولاه مصر قال الشريف الرضي :
تـــــــــــــــــابع
التجار والاحتكار :
ثم استوص بالتجار و ذوي الصناعات و أوص بهم خيرا المقيم منهم و المضطرب بماله و المترفق ببدنه فانهم مواد المنافع و أسباب المرافق و جلابها من المباعد و المطارح فيبرك و بحرك و سهلك و جبلك و حيث لا يلتئم الناس لمواضعها و لا يجترؤون عليها، فانهم سلم لا تخاف بائقته و صلح لا تخشى غائلته، و تفقد أمورهم بحضرتك و في حواشي بلادك، و اعلم مع ذلك ان في كثير منهم ضيفا فاحشا و شحا قبيحا و احتكارا للمنافع و تحكما في البياعات و ذلك باب مضرة للعامة و عيب على الولاة، فامنع من الاحتكار فان رسول الله(صلى الله عليه وآله) منع منه و ليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل و أسعار لا تجحف بالفريقين من البائع و المبتاع. فمن قارف حكره بعد نهيك إياه فنكل به و عاقبه من غير إسراف.
الفقراء :
ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين و المحتاجين و أهل البؤسى و الزمنى فان في هذه الطبقة قانعا و معترا و احفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسما من بيت مالك و قسما من غلات صوافي الإسلام في كل بلد فان للأقصى منهم مثل الذي للأدنى و كل قد استرعيت حقه و لا يشغلنك عنهم بطر فانك لا تعذر بتضييع التافه لأحكامك الكثير المهم.
فلا تشخص همك عنهم، و لا تصعر خدك لهم، و تفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون و تحتقره الرجال ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية و التواضع فليرفع إليك أمورهم ثم اعمل فيهم بالإعذار إلى الله سبحانه يوم تلقاه فان هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم و كل فاعذر إلى الله في تأدية حقه إليه، و تعهد أهل اليتم و ذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له و لا ينصب للمسالة نفسه و ذلك على الولاة ثقيل و الحق كله ثقيل و قد يخففه الله على أقوام طلبوا العافية فصبروا أنفسهم و وثقوا بصدق موعود الله لهم.
أصحاب الحاجات و المصالح
و اجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك و تجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه لله الذي خلقك و تقعد عنهم جندك و أعوانك من أحراسك و شرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع فإني سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول في غير موطن لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع ثم احتمل الخرق منهم و العي و نح عنهم الضيق و الأنف يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته و يوجب لك ثواب طاعته.الإعطاء و المنع و أعط ما أعطيت هنيئا و امنع في إجمال و إعذار.
واجباته المباشره :
ثم أمور من أمورك لا بد لك من مباشرتها منها إجابة عمالك بما يعيا عنه كتابك و منها إصدار حاجات الناس عند ورودها عليك بما تحرج به صدور أعوانك. عدم إدخال عمل يوم في يوم و امض لكل يوم عمله، فان لكل يوم ما فيه.
أداء الفرائض :
و اجعل لنفسك فيما بينك و بين الله افضل تلك المواقيت و اجزل تلك الأقسام و إن كانت كلها لله إذا صلحت فيها النية و سلمت منها الرعية، و ليكن في خاصة ما تخلص لله به دينك إقامة فرائضه التي هي له خاصة فأعط الله من بدنك في ليلك و نهارك و وف ما تقربت به إلى الله سبحانه من ذلك كاملا غير مثلوم و لا منقوص بالغا من بدنك ما بلغ و إذا قمت في صلاتك للناس فلا تكونن منفرا و لا مضيعا فان في الناس من به العلة و له الحاجة و قد سالت رسول الله(صلى الله عليه وآله) حين وجهني إلى اليمن كيف اصلي بهم فقال صل بهم صلاها ضعفهم و كن بالمؤمنين رحيما.
الاحتجاب عن الناس :
و أما بعد هذا فلا تطولن احتجابك عن رعيتك فان احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق و قلة علم بالأمور و الاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير و يعظم الصغير و يقبح الحسن و يحسن القبيح و يشاب الحق بالباطل و إنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور و ليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب و إنما أنت أحد رجلين إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه أو فعل كريم تسديه أو مبتلى بالمنع فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع ان اكثر حاجات الناس إليك ما لا مؤونة فيه عليك من شكاة مظلمة أو طلب إنصاف في معاملة.
الخاصة والحاشية :
ثم ان للوالي خاصة و بطانة فيهم استئثار و تطاول و قلة إنصاف في معاملة فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال و لا تقطعن لأحد من حاشيتك و حامتك قطيعه و لايطمعن منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته على غيرهم فيكون مهنا ذلك لهم دونك و عيبه عليك في الدنيا و الآخرة و الزم الحق من لزمه من القريب و البعيد و كن في ذلك صابرا محتسبا واقعا ذلك من قرابتك و خاصتك حيث وقع و ابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فان مغبة ذلك محمودة.
جانب إعلامي :
وان ظنت الرعية بك حيفا فاصحر لهم بعذرك و اعدل عنك ظنونهم باصحارك فان في ذلك رياضة منك لنفسك و رفقا برعيتك و اعذار تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق.
العدو والعهد :
ولا تدفن صلحا دعاك إليه عدوك لله فيه رضى فان في الصلح دعه لجنودك و إراحة من همومك و أمنا لبلادك و لكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه فان العدو ربما قارب ليتغفل فخذ بالحزم و اتهم في ذلك حسن النية و ان عقدت بينك و بين عدو لك عقدة أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء و ارع ذمتك بالأمانة و اجعل نفسك جنة دون ما أعطيت فانه ليس من فرائض الله شيء الناس اشد عليه اجتماعا مع تفرق أهوائهم و تشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود و قد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر فلا تغدرن بذمتك و لا تخيسن بعهدك و لا تختلن عدوك فانه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي و قد جعل الله عهده و ذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته و حريما يسكنون إلى منعته و يستفيضون إلى جواره فلا إدغال و لا مدالسة و لا خداع فيه، و لا تعقد عقدا تجوز فيه العلل و لا تعولن على لحن القول بعد التأكيد و التوثقة ولا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق فان صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه و فضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته و ان تحيطه بك من الله طلبة لا تستقبل فيها دنياك و لا آخرتك.
سفك الدماء :
وإياك و الدماء و سفكها بغير حلها فانه ليس شيء ادعى لنقمة و لا اعظم لتبعة و لا أحرى بزوال نعمة و انقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها و الله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام فان ذلك مما يضعفه و يوهنه بل يزيله و ينقله و لا عذر لك عند الله و لا عندي في قتل العمد لان فيه قود البدن و ان ابتليت بخطأ و إفراط عليك سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة فان في الوكزة فما فوقها مقتله فلا تطمحن بك نخوة سلطانك عن ان تودي إلى أولياء المقتول حقهم.
آداب عامة :
و إياك و الإعجاب بنفسك و الثقة بما يعجبك منها و حب الإطراء فان ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين.
المن والوعد :
وإياك و المن على رعيتك بإحسانك أو التزيد فيما كان من فعلك أو ان تعدهم فتتبع موعدك بخلفك فان المن يبطل الإحسان و التزيد يذهب بنور الحق و الخلف يوجب المقت عند الله و الناس، قال الله سبحانه و تعالى كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون.
العجلة :
و إياك و العجلة بالأمور قبل أوانها أو التساقط فيها عند إمكانها أو اللجاجة فيها إذا تنكرت أو الوهن عنها إذا استوضحت. فضع كل أمر موضعه و أوقع كل عمل موقعه.
الاستئثار و التغابي :
و إياك و الاستئثار بما الناس فيه أسوة و التغابي عما تعنى به مما قد وضح للعيون فانه مأخوذ منك لغيرك و عما قليل تنكشف عنك أغطية الأمور ينتصف منك للمظلوم.
الحلم :
املك حمية انفك و سورة حدك و سطوة يدك و غرب لسانك و احترس من كل ذلك بكف البادرة و تأخير السطوة حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار و لن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربك و الواجب عليك ان تتذكر ما مضى لمن تقدمك من حكومة عادلة أو سنة فاضلة أو اثر عن نبينا(صلى الله عليه وآله) أو فريضة في كتاب الله فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به فيها و تجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا و استوثقت به من الحجة لنفسي عليك لكي لا تكون لك علة عند تسرع نفسك إلى هواها.
الخاتمة :
و أنا أسال الله بسعة رحمته و عظيم قدرته على إعطاء كل رغبة ان يوفقني و إياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح إليه و إلى خلقه من حسن الثناء في العباد و جميل الأثر في البلاد و تمام النعمة و تضعيف الكرامة و ان يختم لي و لك بالسعادة و الشهادة أنا إلى الله راغبون و السلام على رسول الله(صلى الله عليه وآله).
تحياتي
مسكِ النبي الهادي