السيدة زينب رمز لشيء عميق الدلالة (الأخير)
صدق الكاتب (ان السيدة زينب رمز لشيء عميق الدلالة) ولكن من أي نوع هذا الشيء العميق؟ وهل كشف عنه الباحثون والمؤرخون؟
لقد تكلم العلماء والأدباء قديماً وحديثاً حول شخصية السيدة، واتفقوا على بسالتها وعلمها وقوة صبرها وإيمانها وعقلها، وعلى عظمة الدور الذي قامت به في كربلاء. وحاول كثيرون ان يشرحوا هذا الدور، ويفسروا لنا وللأجيال السر الكامن في ذهابها مع أخيها إلى كربلاء. ورأى بعضهم أن الغاية من وجودها مع أخيها ان تبث دعوة الحق، وتعلن سر نهضة الحسين، وتبلغ حجته للملأ، وتبين مساوئ الأمويين، وتؤلب الناس على الطغاة البغاة بالمواعظ والخطب، كما فعلت في الكوفة والشام، وفي الطريق إليهما منتهزة الفرص، لإنجاز مهمة أخيها سيد الشهداء.
وليس من شك إنها أدت هذه المهمة على أكمل وجه وبخاصة في مجلس يزيد وابن مرجانة، فلقد عرفت كلاً منهما بمكانه من الخزي والعار، وفضحتهما لدى الأشهاد، ولعنتهما كما لعنت كل الذين يغدرون ويفجرون، ولكن هل هذا وحده هو الشيء العميق الذي ترمز إليه السيدة زينب؟ كلا، فإن معه شيئاً آخر أعمق وأبعد من هذا بكثير، أنه الاحتفاظ بالدين، والإبقاء على شريعة سيد المرسلين، ان هذا الشيء العميق يعود إلى أبيها أمير المؤمنين، وعلومه التي تلقاها عن أخيه وابن عمه خاتم الرسل وجد السيدة زينب، وإليك القصة من أولها:
قال الشيخ محمود أبو رية خريج الأزهر في كتاب (أضواء على السنَّة المحمدية) صفحة 204 طبعة 1958.
(ولد علي قبل البعثة بنحو عشرين سنة، وتربى في حجر النبي وعاش تحت كنفه قبل البعثة، وظل معه إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى، ولم يفارقه أبداً لا في سفر ولا في حصر - وهو ابن عمه، وزوج ابنته فاطمة الزهراء - وشهد المشاهد كلها سوى تبوك، فقد استخلفه النبي فيها على المدينة، فقال: يا رسول الله، اتخلفني في النساء والصبيان؟! فقال الرسول: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أن لا نبيّ بعدي (رواه الشيخان) أي البخاري ومسلم.
ولما قال معاوية لسعد بن أبي وقاص ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ قال له: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن رسول الله، لأن تكون واحدة لي منهن أحب إليّ من حمر النعم، فلن أسبه، ثم ذكر له هذه الثلاث، وهي حديث أنت مني بمنزلة هارون من موسى، ولأعطين الراية إلى رجل يحبه الله ورسوله، وحديث المباهلة. وقال له النبي (من كنت مولاه فعلي مولاه) وهو حديث متواتر مشهور.
هذا هو علي (ع) الذي لو كان قد حفظ كل يوم عن النبي، وهو الفطن اللبيب الذكي ربيب النبي حديثاً واحداً، وقد قضى معه رشيداً أكثر من ثلث قرن، لبلغ ما كان يجب أن يرويه حوالي 12 ألف حديث على الأقل، هذا إذا روى حديثاً واحداً في كل يوم، فما بالك لو كان قد روى كل ما سمعه ولقد كان له حق في روايتها ولا يستطيع أحد أن يماري فيها، ولكن لم يصح عنه كما جاء بكتاب الفصل إلاّ نحو خمسين حديثاً لم يحمل البخاري ومسلم إلا نحو عشرين حديثاً... هذا كلام أبي رية في كتابه (أضواء على السنة المحمدية).
وإذا كان لنا أن نتعرف السبب الذي من أجله اختفى عن جمهور المسلمين بعض مرويات علي وفقهه، فأنا نقول: انه لابد أن يكون للحكم الأموي أثر في اختفاء كثير من آثار علي في القضاء والافتاء، أجل، لقد بذل الأمويون أقصى الجهود، واستعملوا التقتيل والتنكيل، وسلكوا جميع السبل، ليقضوا القضاء الأخير على كل أثر يتصل بعلي من قريب أو بعيد فحاولوا القضاء على ذرية علي، وأن لا يبقوا من نسله حياً، ليمحوا كل أثر له من الوجود، وأصدق شاهد على ذلك قول شمر بن ذي الجوشن: (قد صدر أمر الأمير عبيد الله أن أقتل جميع أولاد الحسين)
كان علم الرسول عند علي، وعلم علي عند ولديه الحسن والحسين، وعلم الحسين عند زين العابدين، ومنه إلى ولده الباقر وحفيده الصادق، وهكذا انتقلت علوم الرسول من إمام إلى إمام حتى ذهب الأمويون، وزال حكمهم، ولم يبق له عين ولا أثر في عهد الصادقين حيث انتشرت علومهما في كل مكان، ولم يكن من سبيل إلى بث هذه العلوم في عهد الأمويين، ويؤكد هذه الحقيقة ان الحسين لما توجه إلى العراق دفع إلى أم سلمة الوصية والكتب، وقال لها: إذا أتاك أكبر ولدي، فادفعيها إليه، وبعد أن قتل الحسين أتى زين العابدين إلى أم سلمة، فدفعت إليه كل شيء أعطاها الحسين.
فالإمام زين العابدين هو حلقة الاتصال بين أبيه وجده وبين ولديه الصادقين، ولو فقدت هذه الحلقة لم يكن لعلوم علي خبر ولا أثر، ولخسر الدين والإسلام أعظم ثماره وأثمن كنوزه، ولهذا وقفت السيدة موقفها مع الذين حاولوا قتل الإمام زين العابدين، وكان لها أكرم يد وأفضلها رمزاً لشيء عمق الدلالة) كما قال محرر مجلة (الغد) ولكنه لم يدرك نوع هذا السر على حقيقته، وكفاه معرفة أن يدرك، ولو على سبيل الإجمال، ان السيدة زينب رمز لشيء عميق الدلالة.
ومرة ثانية نقول مع محرر المجلة: (ان السيدة زينب رمز لشيء عميق الدلالة). انها لكلمة بالغة، ما انطق بها الكاتب إلاّ الحق، وإلا عظمة السيدة، انها لكلمة تحمل من المعاني ما تضيق عنها المجلدات، وكل مآثر أهل البيت الطاهر لا تتسع لها الكتب والأسفار.
بقلم : محمد جواد مغنية
صدق الكاتب (ان السيدة زينب رمز لشيء عميق الدلالة) ولكن من أي نوع هذا الشيء العميق؟ وهل كشف عنه الباحثون والمؤرخون؟
لقد تكلم العلماء والأدباء قديماً وحديثاً حول شخصية السيدة، واتفقوا على بسالتها وعلمها وقوة صبرها وإيمانها وعقلها، وعلى عظمة الدور الذي قامت به في كربلاء. وحاول كثيرون ان يشرحوا هذا الدور، ويفسروا لنا وللأجيال السر الكامن في ذهابها مع أخيها إلى كربلاء. ورأى بعضهم أن الغاية من وجودها مع أخيها ان تبث دعوة الحق، وتعلن سر نهضة الحسين، وتبلغ حجته للملأ، وتبين مساوئ الأمويين، وتؤلب الناس على الطغاة البغاة بالمواعظ والخطب، كما فعلت في الكوفة والشام، وفي الطريق إليهما منتهزة الفرص، لإنجاز مهمة أخيها سيد الشهداء.
وليس من شك إنها أدت هذه المهمة على أكمل وجه وبخاصة في مجلس يزيد وابن مرجانة، فلقد عرفت كلاً منهما بمكانه من الخزي والعار، وفضحتهما لدى الأشهاد، ولعنتهما كما لعنت كل الذين يغدرون ويفجرون، ولكن هل هذا وحده هو الشيء العميق الذي ترمز إليه السيدة زينب؟ كلا، فإن معه شيئاً آخر أعمق وأبعد من هذا بكثير، أنه الاحتفاظ بالدين، والإبقاء على شريعة سيد المرسلين، ان هذا الشيء العميق يعود إلى أبيها أمير المؤمنين، وعلومه التي تلقاها عن أخيه وابن عمه خاتم الرسل وجد السيدة زينب، وإليك القصة من أولها:
قال الشيخ محمود أبو رية خريج الأزهر في كتاب (أضواء على السنَّة المحمدية) صفحة 204 طبعة 1958.
(ولد علي قبل البعثة بنحو عشرين سنة، وتربى في حجر النبي وعاش تحت كنفه قبل البعثة، وظل معه إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى، ولم يفارقه أبداً لا في سفر ولا في حصر - وهو ابن عمه، وزوج ابنته فاطمة الزهراء - وشهد المشاهد كلها سوى تبوك، فقد استخلفه النبي فيها على المدينة، فقال: يا رسول الله، اتخلفني في النساء والصبيان؟! فقال الرسول: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أن لا نبيّ بعدي (رواه الشيخان) أي البخاري ومسلم.
ولما قال معاوية لسعد بن أبي وقاص ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ قال له: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن رسول الله، لأن تكون واحدة لي منهن أحب إليّ من حمر النعم، فلن أسبه، ثم ذكر له هذه الثلاث، وهي حديث أنت مني بمنزلة هارون من موسى، ولأعطين الراية إلى رجل يحبه الله ورسوله، وحديث المباهلة. وقال له النبي (من كنت مولاه فعلي مولاه) وهو حديث متواتر مشهور.
هذا هو علي (ع) الذي لو كان قد حفظ كل يوم عن النبي، وهو الفطن اللبيب الذكي ربيب النبي حديثاً واحداً، وقد قضى معه رشيداً أكثر من ثلث قرن، لبلغ ما كان يجب أن يرويه حوالي 12 ألف حديث على الأقل، هذا إذا روى حديثاً واحداً في كل يوم، فما بالك لو كان قد روى كل ما سمعه ولقد كان له حق في روايتها ولا يستطيع أحد أن يماري فيها، ولكن لم يصح عنه كما جاء بكتاب الفصل إلاّ نحو خمسين حديثاً لم يحمل البخاري ومسلم إلا نحو عشرين حديثاً... هذا كلام أبي رية في كتابه (أضواء على السنة المحمدية).
وإذا كان لنا أن نتعرف السبب الذي من أجله اختفى عن جمهور المسلمين بعض مرويات علي وفقهه، فأنا نقول: انه لابد أن يكون للحكم الأموي أثر في اختفاء كثير من آثار علي في القضاء والافتاء، أجل، لقد بذل الأمويون أقصى الجهود، واستعملوا التقتيل والتنكيل، وسلكوا جميع السبل، ليقضوا القضاء الأخير على كل أثر يتصل بعلي من قريب أو بعيد فحاولوا القضاء على ذرية علي، وأن لا يبقوا من نسله حياً، ليمحوا كل أثر له من الوجود، وأصدق شاهد على ذلك قول شمر بن ذي الجوشن: (قد صدر أمر الأمير عبيد الله أن أقتل جميع أولاد الحسين)
كان علم الرسول عند علي، وعلم علي عند ولديه الحسن والحسين، وعلم الحسين عند زين العابدين، ومنه إلى ولده الباقر وحفيده الصادق، وهكذا انتقلت علوم الرسول من إمام إلى إمام حتى ذهب الأمويون، وزال حكمهم، ولم يبق له عين ولا أثر في عهد الصادقين حيث انتشرت علومهما في كل مكان، ولم يكن من سبيل إلى بث هذه العلوم في عهد الأمويين، ويؤكد هذه الحقيقة ان الحسين لما توجه إلى العراق دفع إلى أم سلمة الوصية والكتب، وقال لها: إذا أتاك أكبر ولدي، فادفعيها إليه، وبعد أن قتل الحسين أتى زين العابدين إلى أم سلمة، فدفعت إليه كل شيء أعطاها الحسين.
فالإمام زين العابدين هو حلقة الاتصال بين أبيه وجده وبين ولديه الصادقين، ولو فقدت هذه الحلقة لم يكن لعلوم علي خبر ولا أثر، ولخسر الدين والإسلام أعظم ثماره وأثمن كنوزه، ولهذا وقفت السيدة موقفها مع الذين حاولوا قتل الإمام زين العابدين، وكان لها أكرم يد وأفضلها رمزاً لشيء عمق الدلالة) كما قال محرر مجلة (الغد) ولكنه لم يدرك نوع هذا السر على حقيقته، وكفاه معرفة أن يدرك، ولو على سبيل الإجمال، ان السيدة زينب رمز لشيء عميق الدلالة.
ومرة ثانية نقول مع محرر المجلة: (ان السيدة زينب رمز لشيء عميق الدلالة). انها لكلمة بالغة، ما انطق بها الكاتب إلاّ الحق، وإلا عظمة السيدة، انها لكلمة تحمل من المعاني ما تضيق عنها المجلدات، وكل مآثر أهل البيت الطاهر لا تتسع لها الكتب والأسفار.
بقلم : محمد جواد مغنية
