السلام على شيعة علي عليه السلام ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وال محمد الابرار الاخياروعجل فرج قائمهم عجل الله تعالى فرجه الشريف
الحمد لله تعالى رب العالمين ان جعلنا من شيعة علي عليه السلام
نعزيكم بذكرى استشهاد الامام الهادي عليه السلام
مصحف فاطمة عليها السلام واثباته في الاحاديث
المصحف الذي أثاروا عليه الأقويل الباطلة والتي ليس لها أي حقيقة وأي برهان سوى أنهم اعتبروا إطلاق هذا لا تمت إلى الدين بصلةٍ وكل دليلهم الذي اعتمدوا عليه هو أن لفظ المصحف يطلق على القرآن لذلك قالوا بأن مصحف فاطمة قرآن غير هذا القرآن الكريم المتداول الآن .
أما القول الصحيح في هذا المقام فبعد معرفة أن فاطمة سلام الله عليها كانت محدّثة دون أن تكون نبية وحسب ما ورد من الإستدلال على هذه المسألة ، فإن حديث الملائكة لها كان يكتب من قبل الإمام علي عليه السلام أو من قبل فاطمة نفسها سلام الله عليها وهذا ما يظهر من الأحاديث الآتية ، أما مضمون هذا المصحف وماهيته وكيف نعطي القول الفصل فيه فهذا ما سيتبين من خلال بيان معنى لفظ المصحف ، وماهية مضمون هذا المصحف وما فيه من العلم والأحاديث والأمور الغيبية .
أما لفظ المصحف في صحاح اللغة :
ورد في كتاب لسان العرب : المصحف والمصحف الجامع للصّحف المكتوبة بين الدفتين كأنه أصحف والكسر والفتح فيه لغة .
وفي المصباح المنبر : والصحيفة قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه ... والجمع صحف بضمتين وصحائف ... والمصحف بضم الميم أشهر من كسرها .
وفي أقرب الموارد : المصحف اسم مفعول ... وحقيقتها مجمع الصحف أو ما جمع منها بين دفتي الكتاب المشدود ... وفيه لغتان أخريات وهما المصحف والمصحف جمع مصاحف . إذن يظهر من هذه المعاني التي وردت في صحاح اللغة أن المصحف ما جمعت فيه الصحف وليس كما يدعى أنه قرآن غير هذا القرآن الموجودة .
وهناك شواهد أخرى تثبت هذه الحقيقة حيث ورد في حديث عن الإمام أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، إنما هو شيء أملاها الله وأوحي إليها . قال : قلت : هذا والله العلم .(1)
إن هذا الحديث يعطي دلالة واضحة على أن مصحف فاطمة سلام الله عليها يختلف اختلافاً كبيراً عن ما موجود في القرآن من جهة مضمونه ، وقد علق العلامة السيد محسن العاملي ( ره ) على هذه المسألة بقوله : « لا يخفى أنه قد تكرر نفي أن يكون فيه شيء من القرآن والظاهر أنه لكون تسميته بمصحف فاطمة يوهم أنه أحد قد نسخ المصاحف الشريفة ، فنفى هذا الإيهام وفي بعض الأحاديث أن فيه وصيتها ، ولعل أحد محتوياته ، ثم إن بعضها دال على أنه من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام » (2) .
وعلق العلامة الخطيب محمد كاظم القزويني ( ره ) على هذه الرواية بقوله : « وليس معناه أن القرآن الموجود بين أيدينا ناقص ، وأن مصحف فاطمة مكمل له ، كلا وألف كلا ، وليس معناه أن الله أنزل على فاطمة عليها السلام قرآناً وكل من ادعى غير هذا فهو إما جاهل أو معاند مفتر كذاب » (3) .
فالظاهر من أقوال علماء الشيعة الإمامية وعلى ما ورد في أحاديث أهل البيت أن مسألة مصحف فاطمة قد تسالمت عليه الشيعة ، ويؤمنون به ، ويعتبرونه من المواريث التي تركتها فاطمة سلام الله عليها لابناءها الأئمة المعصومين ، ولا يظهر هذا المصحف إلا بظهور الحجة بن الحسن العسكري عجل الله تعالى فرجه باعتباره الوريث الشرعي لجدته الزهراء سلام الله عليها.
اما اثبات مصحف فاطمة في الاحاديث الشريفة
1- حديث عن أبي عبدالله عليه السلام : « ومصحف فاطمة ما أزعم أنّ فيه قرآناً وفيه ما يحتاج الناس إلينا ، ولا نحتاج إلى أحد حتّى إنّ فيه الجلده ونصف الجلده وثلث الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش » (4) .
2- في حديث طويل عن أبي عبدالله عليه السلام : « وإنّ عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث ، مرّات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، إنّما هو شيء أملاها الله وأوى إليها . قال : قلت : هذا والله العالم ... (5) » .
3- حديث آخر : « وخلّفت فاطمة مصحفاً ما هو قرآن ، ولكنّه كلام من كلام الله أنزل عليها ، إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطّ علي (6) .
4- عن أبي عبدالله عليه السلام ، قيل له : إنّ عبدالله بن الحسن يزعم أنّه ليس عنده من العلم إلا ما عند النس ، فقال : « صدق والله ما عنده من العلم إلا ما عند الناس ، ولكن عندنا والله الجامعة فيها الحلال والحرام ، وعندنا الجفر ، أفيدري عبدالله أمسك بعير أو مسك شاة ؟
وعندنا مصحف فاطمة ، اما والله ما فيه حرف من القرآن ، ولكنّه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطّ علي عليه السلام ، كيف يصنع عبدالله إذا جاء الناس من كلّ فنّ يسألونه ، أما ترضون أن تكونوا يوم القيامة آخذين بحجزتنا ، ونحن آخذون بحجزة نبيّنا ، ونبيّنا آخذ بحجزة ربّه »(7) .
5- عن حمّاد بن عثمان قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : « تظهر زنادقة سنة ثمانية وعشرين ومائة ، وذلك لأنّي نظرت في مصحف فاطمة . قال : فقلت : وما مصحف فاطمة ؟ فقال : إنّ الله تبارك وتعالى لمّا قبض نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عزّ وجلّ ، فأرسل اليها ملكاً يسلّي عنها غمّها ويحدّثها ، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال لها : إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي . فأعلمته ، فجعل يكتب كلّ ما سمع حتّى أثبت من ذلك مصحفاً . قال : ثم قال : أما إنّه ليس الحلال والحرام ، ولكن فيه علم ما يكون » (8) . وفي حديث آخر قال له الراوي : فمصحف فاطمة ؟ فسكت طويلاً ثمّ قال : « إنّكم لتبحثون عمّا تريدون وعمّا لا تريدون ، إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوماً وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبرئيل يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ، ويطيّب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ونكانه ، ويخبرها (9) .
6- وعن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي عليها السلام عن مصحف فاطمة ، فقال : « أنزل عليها بعد موت أبيها . قلت : ففيه شيء من القرآن ؟ فقال : ما فيه شيء من القرآن . قلت فصفه لي ، قال : له دفّتان من زبرجدتين على طول الورق ، وعرضه حمراوين . قلت : جعلت فداك فصف لي ورقه ، قال : وروقه من درّ أبيض ، قيل له : كن فكان . قلت : جعلت فداك فما فيه ؟ قال : في خبر ما كان وخبر ما يكون إلى يوم القيامة ، وفيه خبر سماءٍ سماءٍ ، وعدد ما في السموات من الملائكة ، وغير ذلك ، وعدد كلّ م خلق الله مرسلاً وغير مرسل وأسماؤهم ، وأسماء من أرسل إليهم ، وأسماء من كذّب ومن أجاب ، وأسماء جميع من خلق الله من المؤمنين والكافرين من الأولّين والآخرين ، وأسماء البلدان ، وصفة كلّ بلد في شرق الأرض وغربها ، وعدد ما فيها من المؤمنين ، وعدد ما فيها من الكافرين ، وصفة كلّ من كذّب ، وصفة القرون الاولى وقصصهم ، ومن ولي من الطواغيت ومدّة ملكهم وعددهم . وأسماء الأئمّة وصفتهم ، وما يملك كلّ واحدٍ واحدٍ ، وصفة كبرائهم ، وجميع من ترددّ في الأدوار .
قلت : جعلت فداك وكم الأدوار ؟ قال : خمسون ألف عام . وهي سبعة أدوار ، فيه أسماء جميع ما خلق الله وآجالهم ، وصفة أهل الجنّة ، وعدد من يدخلها ، وعدد من يدخل النار ، وأسماء هؤلاء وهؤلاء ، وفيه علم القرآن كما أنزل ، وعلم التوراة كما انزلت ، وعلم الإنجيل كما انزل كما انزل ، وعلم الزبور وعدد كلّ شجرة ومدرة في جميع البلاد » . قال أبو جعفر عليه السلام : « ولمّا أراد الله تعالى أن ينزل عليها جبرئيل وميكائيل وإسرافيل أن يحملوه فينزلون به عليها ، وذلك في ليلة الجمعة من الثلث الثاني من الليل ، فهبطوا به وهي قائمة تصلّي ، فما زالوا قيّاماً حتّى قعدت ، ولمّا فرغت من صلاتها سلّموا عليها وقالوا : السلام يقرئك السلام ؛ ووضعوا المصحف في حجرها ، فقالت : لله السلام ومنه السلام وإليه السلام وعليكم يا رسل الله السلام ، ثمّ عرجوا إلى السماء . فما زالت من بعد صلاة الفجر إلى زوال الشمس تقرأه حتّى أتت على آخره . ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجنّ والإنس ، والطير والوحش ، والأنبياء والملائكة » . قلت : جعلت فداك فلمن صار ذلك المصحف بعد مضيّها ؟ قال : « دفعته إل أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا مضى صار إلى الحسن ثم إلى الحسين عليهما السلام ، ثم عند أهله حتّى يدفعوه إلى صاحب هذا الأمر . فقلت : إنّ هذا العلم كثير ! قال : يا أبا محمد ، إنّ هذا الذي وصفته لك لفي ورقتين من أوّله ، وما وصفت لك بعد ما في الورقة الثانية ولا تكلّمت بحرف منه » (10) .
وختاماً للبحث حول اسم المحدثة نذكر ما قاله العلامة الهمداني تعليقاً حول الروايات الواردة في هذا المقام حيث قال تحت عنوان فائدتان : إنّ ما يستفاد من هذا الأخبار في شأن مصحف فاطمة سلام الله عليها في وجوه مختلفة :
منها : ما يدلّ على أنّ الله تعالى أرسل ملكاً أو يأتيها جبرئيل بعد قبض نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم يحدّها عليه السلام ويكتب عليّ عليه السلام ، كما في الحديث الأوّل والثاني من البحار .
ومنها : ما يدلّ على أنّ مصحف فاطمة عليه السلام كان موجوداً في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما
لاحظت في حديث « البصائر » بقوله عليه السلام : ولكنّه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطً عليّ عليه السلام .
ومنها : ما يدلّ على أنّ الله عزّ وجلّ أوحى إليها كا لاحظت في الحديث الثالث من « البصائر » بقوله عليه السلام : « إنّما هو شيء أملاها الله وأوحى إليها » . ويستفاد أيضاً أنّ مصحفها سلام الله عليها يشتمل على جميع الأحكام الشرعيّة من نصف الجلدة أو جلدة واحدة حتى أرش الخدش ، وأنّ فيه أسماء جميع الناس والكائنات جميعها من الشجر والمدر وغير ذلك كما في حديث « دلائل الإمامة » ، وفيه ذكر الحوادث المهمّة إلى يوم القيامة . ويستفاد أيضاً أنّ من مصادر علوم أهل البيت عليهم السلام وكانوا يرجعون إليه (11)
(1) بصائر الدرجات : 156
(2) أعيان الشيعة : 1 | 97 .
(3) فاطمة من المهد إلى اللحد : 83 .
(4) ـ راجع بصائر الدرجات : 151 ـ 161
(5) بصائر الدرجات : 151 ـ 161
(6) نفس المصدر السابق .
(7) نفس المصدر السابق .
(8) البحار : 43 | 80 .
(9) البحار : 43 | 80
(10) دلائل الإمامة للطبري : 27 ـ 28 .
(11) فاطمة بهجة قلب المصطفى : ص 176