اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنّ المؤمن إذا كان هدفه وما يرمي إليه في حياته الدنيا هو كسب مرضاة الله تعالى, فإنّه من الضروريّ أن يتعارض هذا الهدف السامي مع نيل رضا الناس في بعض الحالات, فالله تعالى يريد أن يطهِّرَنا بالتوبة والرجوع إلى القيم والمبادئ والأخلاق، ويريد كثير من الناس لنا أن نتّبع الشهوات وأن نميل ميلاً عظيماً:
﴿وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا﴾2.
وإذا أراد المؤمن أن يتطهّر ويصل إلى نيل رضا الله تعالى لا بدّ أن يطبّق أحكامه تعالى من غير اجتزاء.
والمداهنة للخلق ستؤدّي إلى الاجتزاء في إجراء أحكام الله تعالى وعدم نيل المراد وهو رضا الله تعالى, ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾3.
فبعضهم ممّن ضعف إيمانه يترك تطبيق حكم الله تعالى خوفاً من ملامة الناس له, فيقدِّم مرادَ الخلق على مراد الخالق مداهنة ً، فيكون ممن أرضى الناس بسخط الله تعالى, وأرضى المخلوق بسخط الخالق!!
وهذا بالطبع لا يتطابق مع موقف المؤمن الصادق بحال من الأحوال، فالمؤمن من حزب الله من يقدّم رضا الخالق على رضا المخلوق عند التعارض بينهما..
أوّلاً: لأنه ينظر إلى العاقبة, وإلى واقع الدنيا وأنّها لا تستحقّ أيّ اعتبار لزوالها وزوال كلّ اعتباراتها فهي ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾4 ، فاعتباراتها وهميّة سرابيّة, ومنها الإحساس برضا الناس وميلهم ومحبّتهم له, فما ينفعه هذا إذا كان قد اسخط ربه عند معاينة ملك الموت، والنزول في القبر, والوقوف بين يدي الله تعالى؟!
وثانياً: لأنّه يعلم أنّه من طلب رضا الناس بسخط الله تعالى استوجب سخط الله دون أن يصل إلى مرضاة الناس، لأنّ رضا الناس غاية لا تدرك, كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "رضا الناس غاية لا تدرك, فتحرَّ الخير بجهدك, ولا تبالِ بسخط من يرضيه الباطل"5.
ويقول الشاعر:
وما أحد من ألسن الناس سالماً
ولو أنّه ذات النبيّّ المطهّر
فإن كان مقداماً يقولون أهوجٌ
وإن كان مفضالاً يقولون مبذرُ
وإن كان سكّيتاً يقولون أبكمٌ
وإن كان منطيقاً يقولون مهذرُ
وإن كان صوّاماً وبالليل قائماً
يقولون زوّار يرائي ويمكر
فلا تكترث بالناس في المدح والثنا
ولا تخشَ إلّا الله والله أكبر6.
وروي أنّ النبيّ موسى عليه السلام قال: "يا ربّ احبس عنّي ألسنة بني آدم، فإنّهم يذمّوني, وقد آذوني - وقد أشار تبارك تعالى إلى ذلك في محكم الكتاب العزيز بقوله: ﴿لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى﴾7 قيل: فأوحى الله جلّ جلاله إليه: يا موسى هذا شيء ما فعلته مع نفسي, أفتريد أن أعمله معك؟! فقال: قد رضيت أن يكون لي أسوة بك"8.
فإذا كان أمر الناس هكذا كيف إذاً يطلب المؤمن العاقل رضاهم, تاركاً رضا خالقه تعالى؟! بل إنّه والحالة هذه سيشتغل بما يُرضِي ربَّه وإن تعارض مع هوى الخلق واستوجب سخطهم, فليس ذلك ممّا يهمّه:
فليتك تحلو والحـياة مريرة
وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الّذي بيني وبينك عامر
وبـيني وبين العالمـين خراب
إذا صحّ منك الودّ فالكلّ هيّن
وكلّ الّذي فوق التراب تراب
2- سورة النساء، الآية: 27.
3- سورة القلم، الآية: 9.
4- سورة النور، الآية: 39.
5- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 2، ص 305.
6- نهج السعادة، الشيخ المحمودي، ج 8، ص 45.
7- سورة الأحزاب، الآية: 69.
8- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 68، ص 362.
الكتاب: أولئك حزب الله
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين