اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جسّد الإمام عليّ السلام الإسلام بقيمه ومثله، وكان وعاء ينضح بدرر الحكم والمعارف، فاستطاع بنظره الثاقب، وسعة علومه غور النفس البشريّة، والوقوف على سعادتها وشقائها، فصوّب البوصلة باتجاه العناية الإلهيّة والرحمة الربّانيّة عند الشدائد والهزائم التي تصيب الإنسان في حالات ضعفه.
وإذا نظرنا إلى ما قاله الإمام عليه السلام حول السرور والسعادة، فإننا نخال أنفسنا أمام أشهر أطباء النفس في القرن، وإنّ آراءه فيهما تعدّ قواعد ذهبية تصلح لكلّ زمان ومكان... إذ يرى أنّ «السّرور يبسط النفس ويثير النشاط، [و] الغمّ يقبض النفس ويطوي الانبساط»؛ فهذا الأمر لا يحتاج إلى كثير من الحجج والبراهين على ما للفرح دور في انشراح النفس واستثارة همّة الإنسان، ما يجعله نشيطاً وحيويّاً، على عكس حاله إذا كان مغموماً، فإنّ الغم أو الحزن، يجعله ينكمش وينطوي على ذاته، ويدخله في دوّامة الاكتئاب التي تشلّه عن الحركة الفاعلة، وربمّا تمنى الموت، ولهذا قال عليه السّلام: «من قلّ سروره كان في الموت راحته».
ولأنّ منغصات العيش كثيرة، رأى الإمام عليه السلام أنّ «أوقات السرور خلسة»، ورأى أنّ «بقدر السرور يكون التنغيص» لأنّ اليسر والعسر متلازمان في هذه الحياة.
وكثيراً ما نشعر بالسعادة عندما يبتسم لنا الحظ بعد تجارب مريرة في الحياة، وحول هذا قال الإمام عليه السلام: «لن تعرف حلاوة السعادة حتى تذاق مرارة النحس»، ولذلك كان «التوفيق من السعادة، والخذلان من الشقاوة».
وتخفيفاً على الإنسان من خيبات الأمل في الدنيا، فإنّ الإمام عليه السلام، يطلب من الناس عدم الاستغراق في الأسى عند عدم الحصول على المراد، فقال (ع): «أمّا بعد، فإنّ المرء قد يسرّه درك ما لم يكن ليفوته، ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك منها». ورأى عليه السلام أنّ سرور الإنسان يجب أن يكون عند فعل الخير وطاعة الله، فمما قاله عليه السلام:
- أكثرْ سرورك على ما قدمت من الخير، وحزنك على ما فات منه.
- سرور المؤمن بطاعة ربه وحزنه على ذنبه.
- السعيد من أخلص الطاعة.
- إنما السعيد من خاف العقاب فأمن، ورجا الثواب فأحسن، واشتاق إلى الجنّة فأدلج.
- فاتّقوا الله - عباد الله - تقية ذي لب شغل التفكر قلبه... قد عبر معبر العاجلة حميداً، وقدم زاد الآجلة سعيداً.
- لا يسعد أحد إلا بإقامة حدود الله، ولا يشقى أحد إلا بإضاعتها.
- لا يسعد امرؤ إلا بطاعة الله سبحانه، ولا يشقى امرؤ إلا بمعصية الله.
- دوام العبادة برهان الظفر بالسعادة.
- السعادة ما أفضت إلى الفوز.
- عصم السعداء بالإيمان، وخذل الأشقياء بالعصيان من بعد اتجاه الحجة عليهم بالبيان، إذ وضح لهم منار الحق وسبيل الهدى
ما يوجب السعادة بنظر الإمام عليه السلام
يرى أمير المؤمنين(ع)عدّة مسائل تساعد الإنسان على أن يكون مسروراً في الدنيا، منها لين الجانب ولين الكلام فقال:«لا يستعان على السرور إلا باللّين»، ومنها عدم الأسف على ما فقده الإنسان، لأنّ استغراقه بما خسره سيعيق نظره إلى الأمام، فقال عليه السلام:«السعيد من استهان بالمفقود»، وقال أيضاً:«كفى بالمرء سعادة أن يعزف عمّا يفنى ويتولّى بما يبقى» كما أنّ عدم الحرص على ملذات الدنيا والزهد فيها يوجب السعدة، فإنّ «أعظم الناس سعادة أكثرهم زهادة»، وتشكّل القناعة إحدى مقومات السعادة لما تحدثه من سكينة وعدم اضطراب نفسي، ولهذا نجد القانع بما آتاه الله سعيداً ولهذا قال الإمام(ع):«سعادة المرء القناعة والرضا»، وقال أيضاً:«أسعد الناس بالدنيا التارك لها، وأسعدهم بالآخرة العامل لها». وعليه أخذ العبر من الحياة، فإنّ تجارب الآخرين تجنّب المرء الوقوع في ترجبة مشابهة، فيقول(ع):«السعيد من وعظ بغيره فاتعظ». ولا بدّ من المضي في الأمر الرشيد دون تردّد، فبحسب الإمام أنّه «إذا اقترن العزم بالحزم كملت السعادة».
كما يرى أن الحسد والأحقاد في الصدور تحجب نور السعادة من إضاءة ما حولها فقال(ع):«خلوّ الصدر من الغلّ والحسد من سعادة العبد».
نصائح للإمام (ع) في طريق السعادة
- اعملوا بالعلم تسعدوا.
- هيهات من نيل السعادة السكون إلى الهوينا والبطالة.
- جالس العلماء تسعد.
- من حاسب نفسه سعد.
- من أجهد نفسه في إصلاحها سعد، من أهمل نفسه في لذاتها شقي وبعد.
- ثلاث من حافظ عليها سعد:إذا ظهرت عليك نعمة فاحمد الله، وإذا أبطأ عنك الرزق فاستغفر الله، وإذا أصابتك شدة فأكثر من قول:لا حول ولا قوة إلا بالله.
- من السعادة، التوفيق لصالح الأعمال.
- الكتمان طرف من السعادة.
استقامة الدين سعادة الدارين
يرى الإمام عليه السلام أن الإيمان والعمل الصالح توصل الإنسان إلى سعادة الدارين، وقد بات الإيمان بالله أحد مقوّمات العلاج النفسي في العصر الحديث، حيث يضفي هذا الإيمان سكينة على قلوب الناس، فتجعلهم يثبتون أمام الصعاب ويتحمّلون العذاب والألم من جراء منغصات الحياة، فمما قاله حول ذلك:
- بالإيمان يرتقى إلى ذروة السعادة ونهاية الحبور.
- في لزوم الحقّ تكون السعادة.
- إن أسعد الناس في الدنيا من عدل عما يعرف ضرّه، وإن أشقاهم من اتبع هواه.
- ما أعظم سعادة من بوشر قلبه ببرد اليقين.
- سعادة الرجل في إحراز دينه والعمل لآخرته.
- كفى بالمرء سعادة أن يوثق به في أمور الدين والدنيا.
- أفضل السعادة استقامة الدين.
- أسعد الناس العاقل المؤمن.
- عند العرض على الله سبحانه تتحقق السعادة من الشقاء
- إن حقيقة السعادة أن يختم للمرء عمله بالسعادة، وإن حقيقة الشقاء أن يختم للمرء عمله بالشقاء.
- أمارات السعادة إخلاص العمل.
- أسعد الناس من ترك لذة فانية للذة باقية.
- إن أسعد الناس من كان له من نفسه بطاعة الله متقاض.
مساعدة الآخرين توجب السعادة
إحدى طرائق علاج المكتئب، هو دفعه للعمل ضمن مجموعات اجتماعية، فالإنسان الفاعل يحسّ أنّه يفيد الآخرين، فتغمره سعادة بما قدّمه لهم على المستوى الدعم النفسي أو المالي أو الاجتماعي إلخ... وإن التكافل الاجتماعي من الأمور التي دعت إليها الشرائع السماوية وقادت إليه الفطرة البشرية، فالإنسان مجبول على حبّ الخير ومساعدة المحتاجين وما يمنعه من ذلك هي حجب تتراكم حتى تجعله لا يحبّ إلا نفسه، وقد سطّر الإمام عليه السلام قواعد ذهبية حول ذلك، فممّا قاله:
- فوالذي وسع سمعه الأصوات، ما من أحد أودع قلباً سروراً إلا وخلق الله له من ذلك السرور لطفاً، فإذا نزلت به نائبة جرى إليها كالماء في انحداره حتى يطردها عنه، كما تطرد غريبة الإبل.
- السخاء إحدى السعادتين.
- من كمال السعادة السعي في صلاح الجمهور
- من سعادة المرء أن تكون صنائعه عند من يشكره، ومعروفه عند من لا يكفره.
- درك السعادة بمبادرة الخيرات والأعمال الزاكيات.
- إن أحببت أن تكون أسعد الناس بما علمتَ، فاعمل.
موقع سماحة اية الله الفقيه السيد حسين الصدر
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين