
يتميّز الأئمّة ( عليهم السلام ) بارتباطٍ خاصٍّ بالله تعالى وعالَم الغيب ، بسبَبِ مقامِ العصمة والإمامة ، ولَهُم - مثل الأنبياء - معاجزٌ وكرامَاتٌ تؤيِّد ارتباطهم بالله تعالى ، وكونَهم أئمّة .
وللإمام الكاظم ( عليه السلام ) معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ ، سجَّلَتْها كتبُ التاريخ ، ونذكر هنا بعضاً منها :
الكرامة الأولى :
قال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( قال أبي موسى ( عليه السلام ) للحسين بن أبي العلا : اشتر لي جارية نوبية ، فقال الحسين : أعرف والله جارية نوبية نفيسة ، أحسن ما رأيت من النوبة ، فلولا خصلة لكانت من شأنك ، قال ( عليه السلام ) : وما تلك الخصلة ؟ قال : لا تعرف كلامك ، وأنت لا تعرف كلامها ، فتبسم ( عليه السلام ) ، ثمّ قال : اذهب حتّى تشتريها ، فلمّا دخلت بها إليه ، قال لها بلغتها : ما اسمك ؟ قالت : مؤنسة .
قال : أنت لعمري مؤنسة ، قد كان لك اسم غير هذا ، وقد كان اسمك قبل هذا حبيبة ، قالت : صدقت ، ثمّ قال : يا ابن أبي العلا إنّها ستلد لي غلاماً لا يكون في ولدي أسخى ولا أشجع ولا أعبد منه ، قلت : فما تسميه حتّى أعرفه ؟ قال : اسمه إبراهيم ) .
كرامات الإمام موسى الكاظم عليه
فقال علي بن أبي حمزة : كنت مع موسى ( عليه السلام ) بمنى إذ أتى رسوله ، فقال : ألحق بي بالثعلبية ، فلحقت به ومعه عياله وعمران خادمه ، فقال : أيما أحب إليك المقام هاهنا أو تلحق بمكّة ، قلت : أحبهما إليّ ما أحببت ، قال ( عليه السلام ) : ( مكّة خير لك ) ، ثمّ سبقني إلى داره بمكّة ، وأتيته وقد صلّى المغرب ، فدخلت عليه ، فقال : ( اخلع نعليك إنّك بالوادي المقدس طوى ) ، فخلعت نعلي وجلست معه ، فأتيت بخوان فيه خبيص فأكلت أنا وهو .
ثم رفع الخوان وكنت أحدّثه ، ثمّ غشيني النعاس ، فقال لي : ( قم فنم حتّى أقوم أنا لصلاة الليل ) ، فحملني النوم إلى أن فرغ من صلاة الليل ، ثمّ جاءني فنبّهني ، فقال : ( قم فتوضّأ ، وصل صلاة الليل ، وخفّف ) ، فلمّا فرغت من الصلاة صلينا الفجر ، ثمّ قال لي : ( يا علي أنّ أم ولدي ضربها الطلق ، فحملتها إلى الثعلبية مخافة أن يسمع الناس صوتها ، فولدت هناك الغلام الذي ذكرت لك كرمه وسخاءه وشجاعته ) ، قال علي : فو الله لقد أدركت الغلام ، فكان كما وصف .

الكرامة الثانية :
قال عيسى المدائني : خرجت سنة إلى مكّة فأقمت بها ، ثمّ قلت : أقيم بالمدينة مثل ما أقمت بمكّة ، فهو أعظم لثوابي ، فقدمت المدينة ، فنزلت طرف المصلّى إلى جنب دار أبي ذر ، فجعلت أختلف إلى سيّدي ، فأصابنا مطر شديد بالمدينة ، فأتيت أبا الحسن ( عليه السلام ) مسلّماً عليه يوماً ، وإن السماء تهطل ، فلمّا دخلت ابتدأني ، فقال لي : ( وعليك سلام الله يا عيسى ، ارجع فقد انهدم بيتك على متاعك ) .
فانصرفت راجعاً ، وإذا البيت قد انهار ، واستعملت عملة فاستخرجوا متاعي كلّه ، ولا افتقدته غير سطل كان لي ، فلمّا أتيته الغد مسلّماً عليه قال : ( هل فقدت من متاعك شيئاً ؟ فندعو الله لك بالخلف ) ، قلت : ما فقدت شيئاً ما خلا سطلاً كان لي أتوضّأ منه فقدته ، فأطرق ملياً .
ثمّ رفع رأسه إليّ فقال لي : ( قد ظننت أنّك قد أنسيت السطل ، فسل جارية رب الدار عنه ، وقل لها : أنت رفعت السطل في الخلاء فرديه ، فإنّها ستردّه عليك ) ، فلمّا انصرفت أتيت جارية رب الدار ، فقلت : إنّي نسيت السطل في الخلاء فرديه عليّ أتوضأ منه ، فردت عليّ سطلي .
الكرامة الثالثة :
قال إسحاق بن عمّار : لمّا حبس هارون أبا الحسن موسى ( عليه السلام ) ، دخل عليه أبو يوسف ومحمّد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة ، فقال أحدهما للآخر : نحن على أحد أمرين : إمّا أن نساويه وإمّا أن نشاكله ، فجلسا بين يديه ، فجاء رجل كان موكّلاً به من قبل السندي بن شاهك ، فقال : إنّ نوبتي قد انقضت ، وأنا على الانصراف ، فإنّ كانت لك حاجة أمرتني حتّى آتيك بها في الوقت ، الذي تلحقني النوبة .
فقال له : ( ما لي حاجة ) ، فلمّا أن خرج قال ( عليه السلام ) لأبي يوسف ومحمّد بن الحسن : ( ما أعجب هذا ، يسألني أن أكلّفه حاجة من حوائجي ليرجع ، وهو ميت في هذه الليلة ) ، قال : فغمز أبو يوسف محمّد بن الحسن للقيام ، فقاما فقال أحدهما للآخر : إنا جئنا لنسأله عن الفرض والسنّة ، وهو الآن جاء بشيء آخر ، كأنّه من علم الغيب .
ثمّ بعثا برجل مع الرجل ، فقالا : اذهب حتّى تلزمه وتنتظر ما يكون من أمره في هذه الليلة ، وتأتينا بخبره من الغد ، فمضى الرجل ، فنام في مسجد عند باب داره ، فلمّا أصبح سمع الواعية ، ورأى الناس يدخلون داره ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : قد مات فلان في هذه الليلة فجأة من غير علّة .
فانصرف الرجل إلى أبي يوسف ومحمّد ، وأخبرهما الخبر ، فأتيا أبا الحسن ( عليه السلام ) ، فقالا : قد علمنا أنّك قد أدركت العلم في الحلال والحرام ، فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكّل بك ، أنّه يموت في هذه الليلة ؟ قال : من الباب الذي أخبر بعلمه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ) ، فلمّا أورد عليهما هذا ، بقيا لا يحيران جواباً .
الكرامة الرابعة:
قال إسماعيل بن سالم : بعث إليّ علي بن يقطين وإسماعيل بن أحمد ، فقالا لي : خذ هذه الدنانير وائت الكوفة ، فالق فلاناً فاستصحبه ، واشتريا راحلتين وامضيا بالكتب ، وما معكما من الأموال حتّى تأتيا المدينة ، وادفعا ما معكما من كتب ومال إلى موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) ، ففعلنا حتّى إذا كنا ببطن الرمة ، وقد اشترينا علفاً ، ووضعناه بين الراحلتين ، وجلسنا نأكل ، فبينا نحن كذلك إذ طلع علينا موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) على بغلة له ، وخلفه شاكري ، فلمّا رأيناه وثبنا إليه ، فسلّمنا عليه .
فقال : ( هاتيا ما معكما ) ، فأخرجناه ودفعناه إليه ، وأخرجنا الكتب فناولنا إيّاه ، فأخرج كتباً من كمّه ، فقال لنا : ( هذه جوابات كتبكم ، فانصرفا في حفظ الله ) .
قلنا : فقد فنى زادنا ، وقد قربنا من المدينة ، ولو أذنت لنا فزرنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وتزوّدنا زاداً ، فقال : ( أبقي معكما من زادكما شيء ؟ ) قلنا : نعم .
قال : ( ائتوني به ) ، فأخرجناه إليه ، فقلّبه بيده ، وقال : ( هذه بلغتكم إلى الكوفة ، امضيا في حفظ الله ) ، فرجعنا وكفانا الزاد إلى الكوفة .
الكرامة الخامسة :
قال هشام بن سالم : كنت أنا ومحمّد بن النعمان صاحب الطاق بالمدينة بعد وفاة جعفر ( عليه السلام ) ، وقد اجتمع الناس على عبد الله ابنه ، فدخلنا عليه ، وقلنا : الزكاة في كم تجب ؟ قال : في مائتي درهم خمسة دراهم ، فقلنا : ففي مائة ، قال : درهمان ونصف .
فخرجنا ضلالاً ، فقعدنا باكين في موضع ، نقول : إلى من نرجع ؟ إلى المرجئة ؟ إلى المعتزلة ؟ إلى الزيدية ؟ فنحن كذلك ، إذ رأيت شيخاً لا أعرفه يومئ إليّ ، فخفت أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر المنصور ، فإنّه أمر بضرب رقاب من يجتمع على موسى ( عليه السلام ) ، وقتله إن اجتمعوا عليه .
فقلت للأحول : تنح لا تهلك ، فإنّي خائف على نفسي ، وتبعت الشيخ حتّى أخرجني إلى باب موسى ( عليه السلام ) ، وأدخلني عليه ، فلمّا رآني موسى ( عليه السلام ) قال لي ابتداء منه : ( إليّ إليّ لا إلى المرجئة ، ولا إلى المعتزلة ، ولا إلى الزيدية ) ، فقلت : مضى أبوك ؟ قال : ( نعم ) ، قلت : فمن لنا بعده ؟ قال : ( إن شاء الله أن يهديك هداك ) ، فقلت في نفسي : لم أحسن المسألة فقلت : وعليك إمام ؟
قال : ( لا ) ، فدخلني هيبة له ، قلت : أسألك كما سألت أباك ، قال : ( سل تخبر ولا تذع ، فإن أذعت فهو الذبح ) ، فسألته فإذا هو بحر لا ينزف ، قلت : شيعة أبوك ضلال فأدعوهم إليك ، قال : ( من آنست منه الرشد ) ، فلقيت أبا جعفر الأحول وزرارة وأبا بصير ، وندخل عليه إلاّ طائفة عمار الساباطي ، وبقي عبد الله لا يدخل عليه إلاّ القليل .
الكرامة السادسة :
قال أبو بصير : قلت لأبي الحسن موسى ( عليه السلام ) : بما يعرف الإمام ؟ قال : ( بخصال : أمّا أوّلهن ، فإنّه خص بشيء قد تقدّم فيه من أبيه ، وإشارته إليه ليكون حجّة ، ويسأل فيجيب ، وإذا سكت عنه ابتدأ بما في غد ، ويكلّم الناس بكل لسان ) ، ثمّ قال : ( أعطيك علامة قبل أن تقوم ) .
فلم ألبث أن دخل عليه خراساني فكلّمه بالعربية ، فأجابه أبو الحسن ( عليه السلام ) بالفارسية ، فقال الخراساني : ما منعني أن أكلّمك بلساني إلاّ ظننت أنّك لا تحسنها ، فقال ( عليه السلام ) : ( سبحان الله ، إذا كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك ؟ فبما أستحق به الإمامة ) ، ثمّ قال : ( إنّ الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ، ولا منطق الطير ، ولا كلام شيء فيه روح ) .