اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لو سار أهل الحكم على خطى الإمام علي عليه السلام في تطبيق العدالة بين الناس، لاختفت الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، وإن الرسائل التي أرسلها إلى عماله في البلدان والمدن تصلح وثائق سياسية لكل زمان ومكان. كما أن سيرته نفسه في تعامله مع الناس، تدلنا على المبادىء التي سار عليها لتطبيق العدالة الاجتماعية.
وهنا عدد قليل من مواقفه الكثيرة التي تدلنا على سياسته في الرعية.
الفقراء قبل المسؤولين والوجهاء
أتى أمير المؤمنين صلوات الله عليه رهطٌ من الشيعة، فقالوا: يا أمير المؤمنين، لو أخرجتَ هذه الأموال ففرّقتَها في هؤلاء الرؤساء والأشراف، وفضّلتَهم علينا، حتى إذا استوسقت الأُمور عدتَ إلى أفضل ما عوّدكَ الله من القسم بالسويّة، والعدل في الرعيّة!! فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أتأمرونّي - ويحكم - أن أطلب النصر بالظلم والجور فيمن وُلّيتُ عليه من أهل الإسلام!! لا والله، لا يكون ذلك ما سمر السمير، وما رأيتُ في السماء نجماً، والله لو كانت أموالهم مالي لساويتُ بينهم، فكيف وإنّما هي أموالهم!
الأرملة الفقيرة
نظر الإمام عليّ عليه السلام إلى امرأة على كتفها قربة ماء، فأخذ منها القربة فحملها إلى موضعها، وسألها عن حالها فقالت:بعث عليّ بن أبي طالب صاحبي إلى بعض الثغور فقُتل، وترك عليَّ صبياناً يتامى وليس عندي شيء، فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس. فانصرف وبات ليلته قلقاً. فلمّا أصبح حمل زِنْبِيلاً فيه طعام، فقال بعضهم: أعطني أحمله عنك. فقال: مَن يحمل وِزري عنّي يوم القيامة! فأتى وقرع الباب، فقالت:من هذا؟ قال: أنا ذلك العبد الذي حمل معك القربة، فافتحي فإنّ معي شيئاً للصبيان. فقالت:رضي الله عنك وحكم بيني وبين عليّ بن أبي طالب! فدخل وقال:إنّي أحببت اكتساب الثواب فاختاري بين أن تعجنين وتخبزين، وبين أن تُعَلِّلين [إلهاؤهم بشيء] الصبيان، لأخبز أنا. فقالت: أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر، ولكن شأنك والصبيان؛ فعلِّلْهم حتى أفرغ من الخبز. فعمدت إلى الدقيق فعجنته، وعمد عليّ عليه السلام إلى اللّحم فطبخه، وجعل يلقم الصبيان من اللّحم والتمر وغيره، فكلّما ناول الصبيان من ذلك شيئاً قال له: يا بنيَّ، اجعل عليّ بن أبي طالب في حلٍّ ممّا مرَّ في أمرك. فلمّا اختمر العجين، قالت: يا عبدالله، سجِّر التنّور. فبادر لسجره، فلمّا أشعله ولفَح في وجهه جعل يقول: ذُق يا عليّ! هذا جزاء من ضيّع الأرامل واليتامى. فرأته امرأة تعرفه فقالت: ويحكِ! هذا أمير المؤمنين. قال: فبادرت المرأة وهي تقول: واحَياي منك يا أمير المؤمنين! فقال: بل واحَياي منكِ يا أمة الله فيما قصّرت في أمرك.
الأطفال الجياع
روي أنّ عليّاً عليه السلام، اجتاز ليلة على امرأة مسكينة لها أطفال صغار يبكون من الجوع، وهي تُشاغلهم وتلهيهم حتى يناموا، وكانت قد أشعلت ناراً تحت قدر فيها ماء لا غير، وأوهمتهم أنّ فيها طعاماً تطبخه لهم، فعرف أمير المؤمنين عليه السلام حالها، فمشى ومعه قنبر إلى منزله، فأخرج قَوْصَرَّة تمرٍ وجِرابَ دقيقٍ، وشيئاً من الشحم والأرز والخبز، وحمله على كتفه الشريف، فطلب قنبر حمله فلم يفعل.
فلمّا وصل إلى باب المرأة استأذن عليها، فأذنت له في الدخول، فرمى شيئاً من الأرز في القدر ومعه شي ء من الشحم، فلمّا فرغ من نضجه عرّفه للصغار وأمرهم بأكله، فلمّا شبعوا أخذ يطوف بالبيت ويُبَعْبِع لهم، فأخذوا في الضحك.
فلمّا خرج عليه السلام قال له قنبر: يا مولاي، رأيت الليلة شيئاً عجيباً قد علمت سبب بعضه وهو حملك للزاد طلباً للثواب، أمّا طوافك بالبيت على يديك ورجليك والبَعْبَعة فما أدري سبب ذلك!
فقال عليه السلام: يا قنبر، إنّي دخلت على هؤلاء الأطفال وهم يبكون من شدّة الجوع، فأحببت أن أخرج عنهم وهم يضحكون مع الشبع، فلم أجد سبباً سوى ما فعلت!
الأيتام أوّلاً
جيء إلى أمير المؤمنين بعسل وتين من هَمدان وحُلْوان ، فأمر العُرَفاء أن يأتوا باليتامى، فأمكنهم من رؤوس الأزْقاق يلعقونها، وهو يقسمها للناس قدحاً قدحاً، فقيل له: يا أمير المؤمنين، ما لهم يلعقونها؟ فقال: إنّ الإمام أبو اليتامى، وإنّما ألعقتهم هذا برعاية الآباء.
النّاس ثم خزينة الدولة
كتب الإمام عليّ عليه السلام إلى عامله في مكة إلى قثم بن العبّاس بن عبد المطلب: انظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفْه إلى من قِبَلَك من ذوي العيال والمجاعة، مُصيباً به مواضع الفاقة والخَلّات، وما فَضَل عن ذلك فاحملْه إلينا لنقسمه فيمن قِبَلَنا.
الفقيرتان
أتَت امرأتان الإمام عليّ عليه السلام، فقالتا: يا أمير المؤمنين إنّنا فقيرتان مسكينتان. فقال: قد وجب حقّكما علينا وعلى كلّ ذي سعة من المسلمين إن كنتما صادقتين، ثمّ أمر رجلاً فقال: انطلق بهما إلى سوقنا، فاشتَرِ لكلّ واحدة منهما كرّاً من طعام وثلاثة أثواب - فذكر رداءً أو خماراً وإزاراً - وأعطِ كلّ واحدة منهما من عطائي مائة درهم.
المساواة في العطاء
روي إنّ امرأتين أتتا عليّاً عليه السلام عند تقسيم الفيء، إحداهما من العرب، والاُخرى من الموالي، فأعطى كلّ واحدة خمسة وعشرين درهماً وكرّاً من الطعام.
فقالت العربيّة: يا أمير المؤمنين، إنّي امرأة من العرب، وهذه امرأة من العجم!! فقال عليّ عليه السلام : إنّي والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلاً على بني إسحاق!.
القسم بالسويّة والعدل في الرعيّة
ولّى الإمام عليّ عليه السلام بيتَ مالِ المدينة عمّارَ بن ياسر وأبا الهيثم بن التيّهان، فكتب إليهما: العربي والقرشي والأنصاري والعجمي وكلّ من كان في الإسلام من قبائل العرب وأجناس العجم سواء.
فأتاه سهل بن حنيف بمولى له أسود، فقال: كم تعطي هذا؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: كم أخذتَ أنتَ؟ قال: ثلاثة دنانير، وكذلك أخذ الناس. قال: فأعطوا مولاه مثل ما أخذ؛ ثلاثة دنانير.
موقع سماحة اية الله الفقيه السيد حسين الصدر
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين