اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرج قائم ال محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(( الامتحان الإلهي في عصر الظهور ))
قال الله تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت:2).
هل بإمكان أحد أن يتملص من الامتحان الإلهي؟
وهل شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم مستثنون من الامتحان؟
الجواب واضح وصريح، لا يمكن لأحد الفرار من الامتحان الرباني. فالجميع يخضعون للفتنة, بل كل الدنيا هي في الحقيقة قاعة الامتحان الإلهي يؤدون امتحاناتهم اليومية أمام ربهم، وبحضور من الملائكة الكرام الكاتبين, وبشهود من الزمان والمكان.
ولكن هناك امتحان رئيسي ونهائي بانتظار كثير من الناس ألا وهو يوم خروج الإمام المهدي عليه السلام.
فكم من أناس يتظاهرون اليوم بالإيمان والتقوى ولكن حين خروج الإمام يسقطون في الامتحان ويكفرون بالإمام!!.
وكم من أناس لم يكونوا مؤمنين قبل خروجه ولكنهم يؤمنون به إذا نهض عليه السلام.
جاء عن الإمام الصادق عليه السلام: - إذا خرج القائم عليه السلام خرج من هذا الأمر من كان يُري أنه من أهله ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر-.
وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على صعوبة الامتحان وشدته وعلي حدّ تعبير الإمام الحسين عليه السلام الذي وصف هذا الامتحان بأعظم البلية حين قال: - أعظم البلية أن يخرج إليهم صاحبهم شاباً وهم يحسبونه شيخاً كبيراً-.
ولذا فالإنسان لا يستطيع أن يطمئن على حسن عاقبته بما هو عليه الآن بل لابد أن يجاهد نفسه دائماً حتى لا يسقط عند الامتحان.
من هنا نعرف أن الأمور مرهونة بخواتيمها, والامتحانات المصيرية بنهايتها، حيث تحدد مصير الإنسان. فلا تشفع للإنسان الادعاءات الفارغة أيام الانتظار, ولا تفيده الكلمات المعسولة قبل أيام الخروج, وإنما الإيمان بالإمام المهدي عليه السلام والمواقف البطولية معه تبشره بالفوز والانتصار. وأي تردد أو شك بشخصية الإمام الربانية تؤدي به إلى السقوط ومن ثم لجأت الجحيم. بيد أن الامتحان النهائي المكلل بالنجاح له هو ما يقوم به من الأعمال الصالحة والمواقف الإيمانية الخالصة لله عز وجل, التي يجب على الإنسان القيام بها قبل ذلك، حتى يحقق لنفسه الفوز والنجاح.
ولكن السؤال ما هي تلك الأعمال؟ وما هي تلك المقدمات؟
في الحقيقة نستطيع أن نلخص ذلك في الأمور التالية:
1- ترسيخ الإيمان بأصول الدين وبالأخص بالإمامة والولاية لأهل البيت عليهما السلام.
2- تطهير القلب من الأحقاد والضغائن، ومن حب الدنيا وحب الرئاسة.
3- ضبط النفس من الانزلاق في مستنقع الشهوات والأهواء
4 - التمسك بالمبادئ والقيم الربانية وعدم الانحراف عنها، رغبة في المصالح المادية التي تأتي على حساب الشرع المقدس.
5 - تربية النفس على قبول الحقائق والتسليم لأمر الله، والخضوع للحق والحقيقة وإن كان ذلك مخالفاً لمعتقداته المسبقة. وهذا من أهم النقاط الرئيسية في إيمان العبد فالتسليم لأمر الله مهما كان وإن كان مخالفاً لأهوائه ومعتقداته هو الإيمان بعينه، وكما قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في حقيقة الإسلام: - الإسلام هو التسليم-.
فالوقوف دائماً إلى جانب الحق والحقيقة يسهِّل للإنسان تلبية نداء الإمام عليه السلام يوم ظهوره وخروجه، وإلاّ يكون المرء في مهب التيارات المنحرفة ينجرف شيئاً فشيئاً ويبتعد عن المبادئ والقيم ويترك الحق ويتشبث بالباطل من أجل مصلحة معينة هنا, أو الحصول على منصب معين هناك، مما يجعله في دوامة المصالح والمكاسب غير المشروعة. وهذا هو الشغل الشاغل للكثيرين الذين تصرعهم المطامع المناصب ويسقطون في هذه المزالق, ويتركون المبادئ, إن لم يقفوا في وجهها ويحاربوا أصحابها وتبقي الأقلية المؤمنة التي لم تغرها المصالح الزائلة ولم تسقط في مستنقع المطامع, تبقي وفيّة مع القيم والمبادئ.
فالفتن والابتلاءات في آخر الزمان تسوق الجميع إلى قاعات الامتحانات الإلهية. فكم يا تري من الناس يفوزون ويظلون أوفياء مع مبادئهم وقيمهم؟
إلي هذه الحقيقة تشير الروايات الواضحة عن وضع الشيعة أيام الغيبة حيث يدخلون في سلسلة من الامتحانات والفتن, ولا ينج منها إلا المؤمن الصابر, والمجاهد العابد، وهم الأقلون عدداً والأعظمون عند الله قدراً.
فلنتدبر في هذه الروايات بشكل أعمق وبدقة كثر، حتى نعرف أين نحن في هذا الامتحان, هل نكون من الفائزين ومع الناجين أم نكون من الفاشلين والخاسرين (والعياذ بالله).
وقد كد أهل البيت عليهما السلام على ضرورة التضرع إلى الله تعالى بطلب الاستقامة في دين الله عز وجل بتكرار قراءة هذا الدعاء المسمي بدعاء الغريق، الذي رواه محمد بن بابويه (ره) بإسناده في كتاب الغيبة عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: - سيصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يري ولا إمام هدي ولا ينجو إلا من دعا بدعاء الغريق. قلت: كيف دعاء الغريق؟ قال تقول: يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. فقلت: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك. فقال: إن الله عز وجل مقلب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول لك: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك- لعل معني نهي الإمام لصاحبه عن إضافة الأبصار لأن تقلب القلوب والأبصار لا يكون إلا في يوم القيامة من شدة أهواله، وفي الغيبة إنما يخاف من تقلب القلوب دون الأبصار.
من هنا يظهر أن في آخر الزمان ومن شدة الأزمات والفتن تتقلب القلوب وتتغير النفوس وينجرف الناس نحو المفاسد والشهوات وإطاعة الطواغيت والجبابرة والهجوم على الدنيا وملذاتها والابتعاد عن القيم والمبادئ مما يسبب السقوط في الامتحانات الإلهية بأعداد غفيره ولا يكون خروج الإمام الحجة عليه السلام إلا بعد امتحان عسير حتى يتميز الخبيث من الطيب والقلوب المريضة عن القلوب الطيبة السليمة، وتجري هذه الامتحانات والابتلاءات على الجميع حتى تظل الفئة المؤمنة المخلصة القليلة المجاهدة تصارع المشكل والأزمات بقلب مفعم بالإيمان وبصبر كالجبال الرواسي، لا تحركها العواصف، كما جاء في الحديث الشريف: - المؤمن كالجبل الأشم لا تحركه العواصف- وهي الصفوة الطاهرة التي تكون من أنصار الإمام المهدي عليه السلام وقد أشار أهل البيت عليهما السلام إلى ذلك الامتحان والتمحيص في العديد من أحاديثهم الشريفة واليك بعضها:
1- الحسين بن عبيد الله عن محمد بن سفياني البزوفري عن أحمد بن إدريس عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي نجران عن محمد بن منصور عن أبيه قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام جماعة نتحدث فقال لنا: - في أيَّ شيء أنتم؟ هيهات هيهات, لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تغربلوا, لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تمحصوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تميزوا, لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم إلا بعد اياس, لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى يشقي من يشقي ويسعد من يسعد-.
2- أحمد بن إدريس عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: قال أبو الحسن عليه السلام: والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تميزوا وتمحصوا, حتى لا يبقي منكم إلا الأندر. ثم تلا: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران، 142).
3- وروي محمد بن جعفر الأسدي عن أبي سعيد الأدمي عن محمد بن الحسين عن محمد بن أبي عمير عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم وأبي بصير قالا: سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلث الناس. فقيل له: إذا ذهب ثلث الناس فمن يبقي؟ فقال عليه السلام: أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي.
4- وروي عن جابر الجعفي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: متى يكون فرجكم؟ فقال: - هيهات هيهات، لا يكون فرجنا حتى تغربلوا ثم تغربلوا ثم تغربلوا (يقولها ثلاثاً) حتى يذهب الله تعالى الكدر ويبقي الصفو-.
5- وروي جعفر بن محمد بن مالك الكوفي عن اسحاق بن محمد عن أبي هاشم عن فرات بن أحنف قال: قال أمير المؤمنين علي عليه السلام وذكر القائم عليه السلام فقال: - وليغيبن عنهم تمييزاً لأهل الضلالة حتى يقول الجاهل: ما لله في آل محمد حاجة-.
6- ولكي نعرف شدة الامتحان وصعوبة التمحيص ومدي السقوط الكبير الهائل لكثير من الناس ضرب أهل البيت لذلك مثلاً لنا، حيث جاء في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام: -... فو الذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يسمي بعضكم بعضاً كذابين وحتى لا يبقي منكم (أو قال من شيعتي) إلاّ كالكحل في العين أو كالملح في الطعام وسأضرب لكم مثلاً وهو مثل رجل كان له طعام فنقاه وطيبه, ثم أدخله بيتاً وتركه فيه ما شاء الله، ثم عاد إليه فإذا هو قد أصابه السوس, فأخرجه ونقاه وطيبه, ثم أعاده إلى البيت فتركه ما شاء الله، ثم أعاده إليه فإذا هو قد أصابته طائفة من السوس فأخرجه ونقاه وطيبه وأعاده، ولم يزل كذلك حتى بقيت منه رزمة كرزمة الأندر لا يضره السوس شيئاً، وكذلك أنتم تميزون حتى لا يبقي منكم إلا عصابة لا تضرها الفتنة شيئاً-.
7- عبد الواحد بن عبد الله بن يونس قال حدثنا أحمد بن محمد بن رياح الزهري الكوفي قال حدثنا محمد بن العباس بن عيسى الحسيني عن الحسين بن علي البطائني عن أبيه عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر: - إنما مثل شيعتنا مثل الأندر -يعني بيدراً فيه طعام- حتى بقي منه ما لا يضره الكل وكذلك شيعتنا يميزون ويمحصون حتى تبقي منهم عصابة لا تضرها الفتنة-.
8- حدثنا محمد بن يعقوب قال حدثنا علي بن إبراهيم عن عيسى عن يونس عن سليمان بن صالح رفعه إلى أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال: - إن حديثكم هذا لتشمئز منه قلوب الرجال (فانبذوه إليهم نبذاً) فمن أقر به فزيدوه ومن أنكره فذروه أنه لابد من أن تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة ووليجة حتى يسقط فيها من يشق الشعرة (بشعرتين) حتى لا يبقي إلا نحن وشيعتنا-.
9- كأني بكم تجولون جولان الإبل تبتغون مرعي ولا تجدونها يا معشر الشيعة-.
10- والله لتكسرن تكسر الزجاج, وإن الزجاج ليعاد فيعود(كما كان) والله لتكسرن تكسر الفخار فإن الفخار ليتكسر فلا يعود كما كان والله لتغربلن، والله لتميزن، والله لتمحصن, حتى لا يبقي منكم إلا الأقل, وصعر كفه-.
قد يتساءل المرء لماذا هذا الامتحان؟ هل هو من أجل معرفة الناس أم أنه لاستخلاص المجموعة الطاهرة الطيبة المؤمنة من بين الفئات الفاسدة المنحرفة التي تدعي الولاء لأهل البيت، وهم بعيدون كل البعد عن منهج الرسول وآله الطيبين الطاهرين؟!
القضية ليست من أجل معرفة الناس، فأهل البيت يعرفون الناس بسيماهم وبعلائمهم الموجودة على جباههم والكتابة السرية المخطوطة على نواصيهم، إنما الأمر من أجل تمييز المؤمنين المخلصين من المدعين المنافقين المنتفعين وهذا لا يتم إلا بالامتحان بعد الامتحان والقيام بغربلة كاملة للجميع وليميز الخبيث من الطيب وتتواصل هذه المسيرة في سلسلة مراحل من الامتحانات العسيرة حتى يستخلص منها العصابة الطاهرة القوية في الإيمان والتقية في الأفعال والمخلصة في الأعمال لتقوم بواجب التضحية والفداء بين يدي ولي الله الأعظم الحجة بن الحسن العسكري عليهما الصلاة والسلام.
فما على المؤمنين المخلصين من الشيعة إلا الصبر والمثابرة والقيام بالواجبات والفرائض الإلهية والابتعاد عن المحرمات الإسلامية وتخليص نفوسهم من الضغائن وذواتهم من الكبر والتكبر والتسليم المطلق للحق والحقيقة بانتظار اليوم الموعود للقيام بواجب الجهاد والفداء بين يدي ولي الله الأعظم لنيل رضي الله عز وجل والفوز بالجنة (وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ كبَرُ) (التوبة:72).