اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أسباب البعد عن الله تعالى
4- الابتعاد عن مجالس العلماء وحضور مجالس البطّالين:
"سيّدي.. لعلّك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني، أو لعلّك رأيتني في الغافلين فمن رحمتك آيستني، أو لعلّك رأيتني آلف مجالس البطّالين فبيني وبينهم خلّيتني".
لقد حثّ الإسلام العظيم - بشكل عامّ - على حضور المجالس الّتي يُذكر الله تعالى فيها وعدم الابتعاد عنها، لأنّها تُشكّل روضة من رياض الجنّة كما يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ارتعوا في رياض الجنّة، قالوا: يا رسول الله، وما رياض الجنّة؟ قال: مجالس الذكر".
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ما قعد عدّة من أهل الأرض يذكرون الله إلّا قعد معهم عدّة من الملائكة".
ولكنّ السؤال المهمّ في هذا الصدد: مَن نُجالس؟ ومن هؤلاء الّذين نُجالسهم فيُذكِّرون بالله تعالى وبنبيّه صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"قالوا - الحواريّون لعيسى عليه السلام -: يا روح الله فمَن نُجالس إذاً؟
قال عليه السلام: من يُذكِّركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويُرغِّبكم في الآخرة عمله".
وفي وصية لقمان عليه السلام لابنه: "يا بُنيّ! جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإنّ الله عزَّ وجلَّ يُحيي القلوب بنور الحكمة كما يُحيي الأرض بوابل السماء".
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "جالس العلماء يزدد علمك، ويحسن أدبك، وتزكُ نفسك".
نستنتج من وصايا أهل البيت عليه السلام لنا، أنّ أهمّ مجالس الذكر وأعظمها هي مجالس العلماء الّذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "النظر إلى وجه العالم عبادة". ولكن أيّ عبادة هي تلك؟!
يُجيبنا الإمام الصادق عليه السلام قائلاً، لمّا سُئِل عن قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "النظر في وجوه العلماء عبادة -: هو العالم الّذي إذا نظرت إليه ذكّرك الآخرة، ومن كان خلاف ذلك فالنظر إليه فتنة".
في المقابل نهى الإسلام بشدّة عن حضور مجالس البطّالين وأهل السوء، قال تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾.
وقال الإمام الصادق عليه السلام: "لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلساً يُعصى الله فيه، ولا يقدر على تغييره32، وقال الإمام عليّ عليه السلام: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقوم مكان ريبة".
وعنه عليه السلام: "مجالسة أهل الهوى منساة للإيمان، ومحضرة للشيطان". وعنه عليه السلام: "لا يأمن مجالسو الأشرار غوائل البلاء".
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "إيّاك ومصاحبة أهل الفسوق، فإنّ الراضي بفعل قوم كالداخل معهم".
ونُلاحظ أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام في دعاء أبي حمزة الثماليّ قد ذكر مسألة (الغفلة عن ذكر الله)، وهي من المسائل الخطرة الّتي قد يُبتلى بها الإنسان والّتي تُفقده الرحمة الإلهية، ففي حديث المعراج: "يا أحمد! إجعل همّك همّاً واحداً، فأجعل لسانك لساناً واحداً، واجعل بدنك حيّاً لا تغفل أبداً، من غفل عنّي لا أبالي بأيّ واد هلك".
ويقول الإمام عليّ عليه السلام: "فيا لها حسرة على كلّ ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجّة، وأن تؤدّيه أيّامه إلى الشقوة!".
بالتالي يجب علينا أن لا نعيش طول الأمل والاغترار بالحياة، فالله تعالى يُمهِل ولا يُهمِل، عنه عليه السلام: "إيّاك والغفلة والاغترار بالمُهلة، فإنّ الغفلة تُفسد الأعمال".
والمطلوب منّا أن نعيش حالة اليقظة على الدوام، ومحاسبة النفس ومراقبتها، فعن عليّ عليه السلام قال: "من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر"
5- ارتكاب الذنوب والآثام:
"سيّدي.. لعلّك بجرمي وجريرتي كافيتني".
إنّ من أبرز أسباب البُعد عن الله تعالى ارتكاب الذنوب والآثام، وتجرُّؤ العبد على هذا في حضرة المولى عزَّ وجلَّ.
ولذا لا بُدّ أن نعرف دور الذنوب وأثرها الخطير في فساد القلب والفطرة السليمة الّتي فطر الله تعالى عباده عليها، قال تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.
وورد عن الإمام الباقر عليه السلام قوله: "ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة، إنّ القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتّى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله".
فلا بدّ أن نعمل جاهدين للحفاظ على صفحة قلوبنا لكي تبقى بيضاء، وأن لا نترك لبقع الذنوب السوداء أن تغلب عليها، وإذا ابتُلينا بذلك علينا أن نغسلها بماء التوبة النصوح الصادقة، فقد قال الإمام الباقر عليه السلام: "ما من عبد إلا وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يُغطّي البياض، فإذا غطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً،
وهو قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم..﴾.
إضافة إلى ذلك فإنّ ارتكاب الذنوب والآثام يؤدّي إلى عدم استجابة الدعاء، ويُشكِّل مانعاً بيننا وبين الله تعالى، فعن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: "لا تستبطئ إجابة دعائك وقد سددت طريقه بالذنوب".
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب أو إلى وقت بطيء، فيُذنب العبد ذنباً فيقول الله تبارك وتعالى للملك: لا تقض حاجته واحرمه إيّاها، فإنّه تعرّض لسخطي واستوجب الحرمان منّي".
فلنحذر إذاً من غضب الله سبحانه، وأن لا نتمادى في ارتكاب المعاصي، فقد ورد في الزبور: "يقول الله تعالى: يا ابن آدم، تسألني فأمنعك لعلمي بما ينفعك، ثمّ تُلحّ عليّ بالمسألة فأُعطيك ما سألت فتستعين به على معصيتي، فأهِمّ بِهَتْك سِتْرِك، فتدعوني فأستر عليك، فكم من جميل أصنع معك، وكم قبيح تصنع معي؟ يوشك أن أغضب عليك غضبة لا أرضى بعدها أبداً".
ولكي نبدأ بداية صحيحة علينا ترك الذنوب أولاً، لتُفتح لنا بذلك أبواب التوبة والرحمة، قال الإمام عليّ عليه السلام: "ترك الذنب أهون من طلب التوبة"
كتاب مظاهر الرحمة