بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
نلاحظ هنا الأمور التالية :
أولاً:
إنه يخاطب مماليكه بـ (يا بني) ، وكان يهدف إلى إعطاء النظرة الصحيحة للإسلام تجاه المماليك ، وأنه يعتبرهم بمنزلة الإخوة والأبناء ، وإن الإسلام الذي يفرض على الإمام السجاد (عليه السلام) أن يعامل مماليكه معاملة يأمنوه معها ، يختلف عن ذلك الإسلام الذي يدعيه الآخرون الذين يعتبرون الموالي أحقر وأذل من الحيوان .
وثانياً:
إن كتابة إساءاتهم ، ثم محاسبتهم عليها وعتقهم حينه ، إنما يهدف إلى تنبيههم إلى أخطائهم ، وترسيخ ذلك في نفوسهم ، ولاسيما حينما تطرح كقضية حاسمة في أسعد لحظات حياتهم : اللحظات التي ينالون فيها حريتهم ، التي هي في الحقيقة هوية وجودهم .
فهم إذن قد نالوا أعز ما في الوجود من غير استحقاق ، وفي هذا ضغط نفسي من نوع معين ، ليحاولوا الإرتفاع بأنفسهم إلى درجة الإستحقاق والجدارة ، ويبعث في نفوسهم روح العمل الجاد في سبيل التكامل في الفضائل الإنسانية ، والإلتزام بالتعاليم الأخلاقية الإسلامية .
وثالثاً:
إن ذلك يجعل له – بشكل طبيعي – مكانة خاصة في نفوسهم ، والنظر إليه نظرة خاصة فيها كل الاحترام والتقدير، واعتباره نوعية أخرى ، تختلف عما يعرفون ويعهدون ، وهذا يؤهلهم في المستقبل إلى الإستماع إلى تعاليمه ، واحترام آرائه التي هي تعاليم وآراء الإسلام ، ثم السير على منهاجه واتباع سلوكه .
ورابعاً:
وأما إعطاؤهم المال في هذا الظرف بالذات ، فبالإضافة إلى أنهم يكونون عادة في أمس الحاجة إليه في هذا الظرف بالذات ، حيث لا يملكون فيه من حطام الدنيا شيئاً ، ويمنعهم بذلك من اتباع الأساليب الملتوية من أجل الحصول علي لقمة العيش ، فبالإضافة إلى ذلك هو يؤكد على إنسانية تعاليم الإسلام ، وإنه يعيش قضية الإنسان ، ويتفاعل معها ، ويهتم اهتماماً حقيقياً بحلها ، ولا يتاجر بآمال الناس وآلامهم ، وبكراماتهم كما هو شأن غيره ممن لم يعد أمرهم خافياً على أحد .
وخامساً:
لقد كان من نتيجة هذه السياسة التي لا نجدها بهذا الشمول والسعة لدى غيره ، أن صار الموالي يعتبرون أهل البيت (عليهم السلام) هم المثل الأعلى للإنسان وللإسلام ، وكانوا مستعدين للوقوف إلى جانبهم في مختلف الظروف ، ولا نعدم بعض الشواهد التي تظهر أن الموالي كانوا ينتصرون للعلويين إذا رأوهم تعرضوا لظلم أو لبغي من قبل السلطات ، كما يظهر لمن راجع كتاب عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب لابن عنبة ، وغيره .
وسادساً وأخيراً :
إن ذلك كان إدانة لمنطق الأمويين القائم على أساس تفضيل العربي وإعطائه كل الامتيازات ، وحرمان غيره منها بكل صورة ، واعتباره أذل وأحقر من الحيوان ، حتى كان يقال : لا يقطع الصلاة إلا كلب أو حمار أو مولى ، ومنعوهم من الإرث كما في موطأ مالك ، ومن العطاء ومن القضاء ، ومن الولاية وإمامة الجماعة ، ومن الوقوف في الصف الأول منها ، واعتبر غير العربي ليس كفؤاً للعربية ، وأباحوا استرقاقهم ولا يسترق غيرهم ، إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه .
وإذا لاحظنا أن العرب قبل الإسلام لم يكن لهم شأن يذكر ، ولا كان لهم حكم ولا سلطان ، وإنما كان الحكام هم غيرهم ، فإن من الطبيعي أن ترضي هذه السياسة غرور العربي ، الذي أصبح يرى نفسه حاكماً على ملك الأكاسرة وغيرهم ، وذلك ربما كان يزيده عنفاً وغلواً في معاملته القاسية لغير العرب .
ومن الجهة الأخرى ، فإن من الطبيعي أن يحس غير العرب بالغبن وبالمظلومية وعدم حفظ حقوقهم ، فكان هذا سبباً لتعاطفهم مع الدعوة العباسية التي تسببت في الإطاحة بالعرش الأموي ، وعلى الأخص حينما رأى غير العرب أنه لم ينصفهم ويعاملهم معاملة عادلة وحسنة إلاعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ، ثم جاء الإمام السجاد (عليه السلام) وغيرهم من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ليعلن رفض الإسلام لمنطق الأمويين هذا القائم على أساس التمييز العنصري البغيض ، وأن هذا لا يمثل رأي الإسلام الصحيح ، ولا ينسجم مع منطلقاته في التعامل والتفضيل القائم على أساس العمل فقط : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) [الحجرات : 13] و: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ) [الزلزلة : 7- 8] .
فكان كل ذلك قد هيأ الأجواء لتعاطف غير العرب مع الدعوة ضد الأمويين ، كما أنه في نفس الوقت قد خفف من غلوائهم وحقدهم ، ولهذا فإننا لا نجد تطرفاً كثيراً في معاملة غير العرب للعرب حينما حكموهم في الدولة العباسية في فترات متعددة ، وإن كان للظروف الخاصة الأخرى أثراً كبيراً أيضاً في هذا المجال .
وهكذا..
فإن علي بن الحسين ( قد قام بمهمة شاقة جداً وخطيرة جداً ، مهمة بعث الإسلام في الأمة من جديد ، في حين أنه لم يكن يعترف بإمامته في وقت ما غير ثلاثة أشخاص ، وهيأ الظروف والأجواء وأعاد العلاقات والروابط والصلات بين أهل البيت (عليهم السلام) وبين الأمة رغم جهد الحكام المستمر والمستميت لقطعها ، والقضاء عليها
نعم.. لقد قلب كل الموازين رأساً على عقب كما أوضحناه بأسلوبه الحكيم ، والهادئ الرصين.. صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين .
ويلاحظ : أنه قد فعل كل ذلك ونجح فيه أعظم النجاح ، بصورة متميزة وفريدة ، قد خفيت على الحكم ، وعلى كل أجهزته بصورة تامة ، ولعل ذلك هو ما يفسر لنا ما نجده مع اهتمامهم بإبراز عظمته (عليه السلام) ، وسعة علمه وفضله حتى من قبل المتعاطفين مع الحكم والموالين له ، حتى ليقول يحيى بن سعيد والزهري: ما رأيت قرشياً قط أفضل من علي بن الحسين .
المصدر:(20) أنساب الأشراف بتحقيق المحمودي (ع) ج3 ص146و207
نسأل الباري ان يجعلكم ويشملنا من انصار الحجه المنتظر ارواحنا له الفدا
نسألكم الدعاء كلما رفعتم لله كفا