اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
(يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ)
وهي مرحلة ميدانية حسّاسة تستدعي الدقّة الفائقة في فهم مجريات الأحداث والأمور للوصول إلى زمن المعشوق الإلهي أعني وليّ الله الأعظم أرواحنا لتراب مقدمه الفداء .
ففي قضيّة التمهيد لظهور الإمام الحجّة (عجّل الله فرجه الشريف) لابدَّ وأن نعرف أنّ هناك مراحل مختلفة حسب الأزمنة والحالات ، وعلى أساس ذلك نشاهد تنوُّع الأحاديث حيث تأمر بعضها بالجلوس والسكوت في مرحلة ، و الحركة في مرحلة أخرى، کما في حديث (سدير الصيرفي) حيث خاطبه أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قائلاً: يَا سَدِيرُ الْزَمْ بَيْتَكَ وَ كُنْ حِلْساً مِنْ أَحْلَاسِهِ وَ اسْكُنْ مَا سَكَنَ اللَّيْلُ وَ النَّهَارُ فَإِذَا بَلَغَكَ أَنَّ السُّفْيَانِيَّ قَدْ خَرَجَ فَارْحَلْ إِلَيْنَا وَ لَوْ عَلَى رِجْلِكَ ) وكذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وآله (تَجِيءُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ كَأَنَّ قُلُوبَهُمْ زُبَرُ الْحَدِيدِ فَمَنْ سَمِعَ بِهِمْ فَلْيَأْتِهِمْ فَبَايَعَهُمْ وَ لَوْ حَبْواً عَلَى الثَّلْجِ)وأبلغ حجّة في بيان المرحلتين أعني (مرحلة)السكوت و (مرحلة) التحسس ما نجده في موقف النبي يعقوب (ع) مع بنيه :
ففي بداية الأمر حيث جاء بنوه وقالوا : (قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) ففي هذه المرحلة قال : (... بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) فهذا النمط من الصبر رغم كونه جميلاً ولكن كان متلازماً مع السكوت والسكون حيث لم يجدِ التحرّك والقيام، بخلاف المرحلة الأخرى من الصبر حين قال لهم أكبر أخوتهم (ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ) (وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) هنا نشاهد أن التعبير الذي استخدمه النبي يعقوب (ع) هو نفس التعبير السابق حيث قال (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ) ولکن الموقف قد اختلف تماماً حيث قال (...عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) وهنا قد التجأ يعقوب إلى البكاء (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) بحيث قد أوشك إلى الهلاك ، ولذلك توجّه إليه بنوه و (قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ) فيا ترى ما هذا النمط من البكاء ؟ إنّه بكاء العشق والإنجذاب واللقاء الذي ينطلق من العلم بالمستقبل المشرق و يندفع من الاعتقاد بالله سبحانه لذلك (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) فكانت نتيجة هذا الصبر و البكاء والإلتجاء إلى الله تعالى أمراً مهمّا وهو التحسس حين خاطب الأب بنيه و قال لهم (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ)
فأفضل الأعمال في هذه المرحلة هو التحسس وأعنى به البحث عن الإمام حتى الوصول إلى مرحلة الإحساس به ، كما حدث لأخوة يوسف (ع) ، والتحسس لا ينافي الإنتظار بل هو عين الانتظار بمستواه الراقي والإرتقاب في مرحلته المتكاملة ، والتحسس هو الذي يتطلب الثورة والإنطلاق والتحرّك حتى مرحلة العثور .
أمّا السؤال الذي يطرح نفسه هو : لماذا و في هذه المرحلة بالخصوص هذا النمط من التكليف أعني التحرّك والتحسس؟
والجواب هو: أنّ في هذه المرحلة تكون الشواهد و العلامات قد بدأت بالظهور، تلك العلامات التي تؤكّد على وجود يوسف في مكان معيّن وهو (مصر) بل في منصب خاص وهو (الحكم) ، هذه العلامات هي التي فرضت على الأب أن يدفع الأبناء دفعاً فوريّاً إلى التحسّس والبحث بجدّ وعدم اليأس والتهاون في الأمر وهذه الشواهد هي :
1-إصرار يوسف على مجيء أخيه من أبيه (..قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ ) والتجاؤه في ذلك إلى التشويق (..أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ) ثمّ التهديد (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِي)
.2- إنّه وضع بضاعتهم في رحالهم بحيث أنّهم و بمجرّد أن (... فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ) وأصرّوا على أخذ بنيامين معهم وأصرّوا على ذلك (.. قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ).
3- أنّ يوسف قد أولى الإهتمام الخاص بأخيه من أبيه بنيامين وذلك حينما (دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ)
4- وأيضاً موضوع السقاية حيث (جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ)
فبوجود هذه العلامات ماذا ينبغي ان يفعل الأب ؟ صار تكليفه أن يقول لهم (..َ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) ثمّ يحرّضهم ويدفعهم إلى التحسس الفوري من ولي الله كما هو المستفاد من أداة العطف (فاء) الدالة على الفورية فيقول:
(يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ)
جعلنا الله واياكم ممن يحظون بنظره عطوفه من امام زماننا المهدي الموعود
وتشملنا العنايه الربانيه والنظره المحمديه للتوفيق والجهاد بين يدي القائم عليه السلام
نسألكم الدعاء