اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيها العزيز أطلب الإستعانة من الله تبارك وتعالى في كل آن، وأطلق (صرخة)الإستغاثة على أعتاب معبودك وقل بعجز والحاح: يا إلهي إن الشيطان عدو مبين، قد طمع بأنبيائك وأوليائك الكبار فخذ أنت بيد عبدك الضعيف المبتلى بالأماني والأوهام الباطلة، والخيالات والخرافات الفاسدة ليستطيع مواجهة هذا العدو القوي.
إلهي خذ بيدي في ميدان الحرب مع هذا العدو العنيد، الذي يهدد سعادتي وإنسانيتي، لأتمكن من إخراج جنوده من مملكتك الخاصة، وأحول دون أي تصرف لهذا الغاصب في بيتك المختص بك
لنفرض أن الإنسان يمكن أن يصل الى مبتغاه، فكم هي المدة التي سيدوم له فيها ذلك؟
كم ستدوم له قوة الشباب؟
عندما يقبل ربيع العمر على الخريف، ويتلاشى العزم من القلب، والقوة من الاعضاء، وتتعطل الذائقة، فلا تدرك حقيقة الطعم، وتتعطل العين والأذن، وقوة اللمس والقوى الأخرى، فإن الملذات كلها تصبح ناقصة أو معدومة، وتهجم الأمراض المختلفة، فلا يبقى للإنسان غير الآه الباردة والقلب المملوء ألماً، وحسرة وندامة.
إذاً، مدة استفادة الإنسان من قوى جسمه هذه، منذ ما بعد التمييز بين الحسن والقبيح وإلى زمان تعطل هذه القوى، أو تداعيها، ليس اكثر من أربعين سنة بالنسبة للناس الأقوياء البنية والاصحاء. هذا لمن لا يبتلى بالأمراض والإبتلاءات التي نراها في كل يوم، ونحن عنها غافلون.
وعلى عجل افترض لك في عالم الخيال الذي لا أصل له أنك ستعيش مائة وخمسين سنة .. تتوفر لك فيها جميع أسباب الشهوة والغضب والشيطنة.. ولأفترض أنك لن تبتلى بأي شيء يكدر صفوك. فما هي عاقبتك بعد هذه المدة القليلة التي تمر مر الرياح؟
هل تدخر شيئاً من هذه اللذات لحياتك الابدية؟ ليوم فقرك ووحدتك؟ لبرزخك وقيامتك؟ لملاقاة ملائكة الله واولياء الله وانبيائه؟ اللهم الا الأعمال القبيحة المنكرة التي يعطونك صورتها في البرزخ والقيامة. تلك الصورة التي لا يعلم حقيقتها إلا الله تبارك وتعالى.
كل ما سمعته عن نار جهنم وعذاب القبر والقيامة وغيرها وقايسته بنار الدنيا وعذاب الدنيا، فقد اخطأت الفهم وأسأت القياس.
نار هذا العالم أمر عرضي بارد..عذاب هذا العالم ناقص وقصير.. لو جمعت كل نيران هذا العالم فانها لا تستطيع إحراق روح الإنسان. النار هناك بالإضافة إلى أنها تحرق الجسم فإنها تحرق الروح وتذيب القلب، وتحرق الفؤاد!
كل ما سمعته حتى الآن كائناً من كان من سمعت منه، هو حول جهنم أعمالك التي تراها حاضرة هناك
يقول الله تعالى :{ ووجدوا ما عملوا حاضراً }
هنا أكلت مال اليتيم .. تلذذت به .. يعلم الله ما هي الصورة التي تراها في ذلك العالم في جهنم . و"اللذة" التي ستكون من نصيبك.
هنا اسأت القول للناس، أحرقت قلب الناس إحراق قلب العباد هنا، يعلم الله أي عذاب يستتبعه في تلك الدنيا.
عندما تراه ستفهم أي عذاب أعددت لنفسك. عندما اغتبت، أعدت لك الصورة الملكوتية للغيبة، وترد إليك وتحشر معك، وستذوق عذابها.
وهذه الامور جهنم الأعمال التي هي سهلة وهينة وباردة أو هنيئة، وهي للذين هم أهل المعاصي. أما الاشخاص الذين أصبحت لهم ملكات فاسدة ورذيلة وباطلة من قبيل ملكة الطمع، الحرص، الجحود، الجدال، الشره، حب المال والجاه والدنيا، وسائر الملكات المنحطة فلهم جهنم لا يمكن تصورها. صورها لا تخطر في قلبي وقلبك. تظهر من باطن النفس، فيهرب من عذابها أهل جهنم مذعورين.
ورد في بعض الروايات الموثقة : "إن في جهنم لوادياً للمتكبرين يقال له سقر، شكا إلى الله عز وجل شدة حره، وسأله أن يأذن له أن يتنفس، فتنفس فأحرق جهنم"
أيها العزيز لقد ثبت في العلوم العالية أن مراتب الإستعداد غير متناهية.. مهما تصورت أنت وتصورت جميع العقول شدة العذاب، فإن ما هو أشد من ذلك ممكن.
إذا كنت لم تطلع على برهان الحكماء، أو كنت لا تصدق كشف أهل الرياضة، فأنت بحمد الله مؤمن تعتبر الأنبياء صلوات الله عليهم صادقين. أنت تعتبر الأخبار الواردة في كتبنا المعتبرة التي يقبلها علماء الامامية صحيحة.
أنت رأيت مناجاة مولى المتقين أمير المؤمنين (سلام الله عليه) ورأيت مناجاة سيد الساجدين (عليه السلام) في دعاء أبي حمزة.
تأمل قليلاً في مضمونها، فكر بعض الشيء في فقراتها. ليس من اللازم ان تقرأ دعاءً طويلاً دفعة واحدة على عجل وبسرعة ولا تفكر في معانيه. أنا وانت ليس لنا حال السيد السجاد (عليه السلام) لنقرأ ذلك الدعاء الطويل بتوجه. إقرأ في كل ليلة ربعه، أو ثلثه بتوجه، وفكر في فقراته. لعلك تصبح صاحب حال.
وبقطع النظر عن كل ما تقدم، فكر قليلاً في القرآن. أنظر أي عذاب توَعَّد به أهلَ جهنم. يطلبون من مالك أن يقضي عليهم. هيهات لا مجال للموت. أنظر الى قوله تعالى : { يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله }
ترى .. أية حسرة هي هذه التي يعبر عنها الله مع كل عظمته بهذا التعبير. تدبر في الآية الشريفة المباركة .. ولا تمر بها بدون تأمل وتدبر.
{ يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد }
فكر جيداً يا عزيزي ليس القرآن -نعوذ بالله تعالى- كتاب قصة. لا يمزح معك.
أنظر ماذا يقول أي عذاب هذا الذي ينسينا عزيزنا ؟ يسقط الحامل ؟
ترى .. أي عذاب هذا الذي يصفه الله تعالى رغم كل عظمته بالشدة، وفي مكان آخر بالعظمة الشيءالذي يصفه الله تعالى الذي لا حد ولا حصر لعظمته، ولا حد لعزته وسلطنته بالشدة والعظمة، ما هي حقيقته يا ترى ؟
يعلم الله عقلي وعقلك وفكر جميع البشر يعجز عن تصوره.
إاذا رجعت الى أخبار أهل بيت العصمة الطاهرة وآثارهم، وتأملت فيها تفهم أن قضية عذاب ذلك العالم غير العذابات التي تصورت.
القياس بعذاب هذا العالم قياس باطل مغلوط.
أنقل لك حديثاً شريفاً عن الشيخ الجليل القدر صدوق الطائفة، لتعلم ما هي حقيقة الأمر، وخطورة المصيبة. مع أن هذا الحديث هو حول جهنم الأعمال التي هي أشد برودة من جميع أنواع جهنم، ويجب أن تعلم أولاً أن الشيخ الصدوق الذي يروي هذا الحديث هو من يتصاغر أمامه جميع العلماء الاعلام، ويعترفون بجلالة قدره. ذلك المعظم ولد بدعاء الإمام (عليه السلام وعجل الله تعالى فرجه الشريف) والكاتب(يقصد الإمام نفسه) ينقل الحديث بطرق عديدة عن كبار علماء الإمامية (عليهم رضوان الله)، متصلة بالشيخ الصدوق، والمشايخ ما بيننا وبين الصدوق كلهم من ثقاة الاصحاب إذا كنت من أهل الايمان فيجب أن تعتقد بهذا الحديث.
روى الصدوق بأسناده عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ذات يوم قاعد إذ أتاه جبرئيل وهو كئيب حزين متغير اللون فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا جبرائيل مالي أراك كئيباً حزيناً؟
فقال: يا محمد وكيف لا أكون كذلك وإنما وضعت منافخ جهنم اليوم.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وما منافخ جهنم يا جبرائيل؟
فقال: إن الله تعالى أمر بالنار فأُوقد عليها الف عام حتى أحمرت، ثم أمر بها فأُوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أمر بها فأُوقد عليها ألف عام حتى اسودت" وهي سوداء مظلمة فلو أن حلقة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعاً، وضعت على الدنيا لذابت من حرها، ولو أن قطرة من الزقوم والضريع قطرت في شراب أهل الدنيا مات أهل الدنيا من نتنها.
قال : فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبكى جبرائيل فبعث الله اليهما ملََكاً، فقال إن ربكما يقرؤكما السلام ويقول: إني أمَّنتكما من أن تذنبا ذنباً أعذبكما عليه.
أيها العزيز أمثال هذا الحديث الشريف كثيرة جداً، ووجود جهنم وعذابها الأليم من ضروريات جميع الأديان وواضحات البرهان، وقد رأى اصحاب المكاشفة وأرباب القلوب في هذا العالم نموذجاً منه. تصور جيداً، وتدبر في مضمون هذا الحديث الذي يقصم الظهر.
حقاً،ألا ينبغي - إذا كنت فقط تحتمل صحته - أن تيمم وجهك كالمجانين شطر الصحراء ؟ ماذا جرى؟!! فإذا نحن الى هذا الحد سادرون في نوم الغفلة والجهالة؟!!
هل نزل علينا ملك كما نزل على رسول الله وجبرائيل فأمننا من العذاب ؟!
علماً بأن رسول الله وأولياءه، لم يهنؤوا بمنام ولا طعام، ولم يقر لهم قرارمن خوف الله الى آخر أعمارهم.
وليُّ أمْرِ الله كان يغشي عليه من خوف الله.
علي بن الحسين (عليهما السلام) إمام معصوم بكاؤه ومناجاته وإظهاره العجز، ونحيبه، تمزق القلب إرْباً إرْبا.
ماذا جرى لنا، فلا نستحي أبدا
نهتك الحرمات والنوميس الالهية في محضر الربوبية إلى هذا الحد.
ألويل لنا، ولغفلتنا، ولشدة سكرات موتنا.
ألا فالويل لنا في البرزخ وشدائده. وفي القيامة وظلماتها.
ألا فالويل لحالنا في جهنم وعذابها وعقابها.
روح الله الخميني (قدس سره)
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين