اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ *يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾1.
v قصة الآيات
ورد في الرواية عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام في بيان سبب نزول الآية أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاصر يهود قريظة إحدى وعشرين ليلةً فسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصلح على ما صالح عليه إخوانهم من بنى النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم إلى أذرعات وأريحات من أرض الشام فأبى أن يعطيهم ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فقالوا: أرسل إلينا أبا لبابة وكان مناصحاً لهم لأنَّ عياله وماله وولده كانت عندهم فبعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتاهم فقالوا: ما ترى يا أبا لبابة؟ أننزل على حكم سعد بن معاذ؟ فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه: إنه الذب فلا تفعلوا فأتاه جبرائيل فأخبره بذلك. قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي عن مكانهما حتى عرفت انى قد خنت الله ورسوله فنزلت الآية فيه فلما نزلت شدَّ نفسه على سارية من سواري المسجد، وقال: والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله على فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاماً ولا شراباً حتى خر مغشياً عليه ثم تاب الله عليه فقيل له: يا أبا لبابة قد تيب عليك فقال: لا والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله هو الذي يحلني فجاءه وحله بيده. ثم قال أبو لبابة: ان من تمام توبتي إنَّ أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالى. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يجزيك الثلث ان تصدق به2.
v أنواع الأمانات وكيف تكون الخيانة
النوع الأول: من الأمانة ما هي أمانة الله سبحانه عند الناس كأحكامه المشرعة من عنده.
النوع الثاني: منها ما هي أمانة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهي عبارة عن السنن التي أمر بها وسيرته في حياته العملية.
وأما خيانة هذين النوعين فتتحقق بمعصية الله عز وجل وبالتخلف عن العمل على سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد ورد في الرواية عن أبي جعفر عليه السلام في تفسير الآية الكريمة: خيانة الله والرسول معصيتهما3.
وفي رواية أخرى عن الإمام علي عليه السلام: لكنه سبحانه جعل حقَّه على العباد أن يطيعوه، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلاً منه4.
فإذا كان الطاعة لله عز وجل هي من حقوق الله، فالمعصية خيانة لهذا الحق.
النوع الثالث: ما هي أمانة الناس بعضهم عند بعض كالأمانات من أموالهم أو أسرارهم.
النوع الرابع: منها ما يشترك فيه الله ورسوله والمؤمنون، وهى الأمور التي أمر بها الله سبحانه وأجراها الرسول وينتفع بها الناس ويقوم بها صلب مجتمعهم كالأسراًر السياسية والمقاصد الحربية التي تضيع بإفشائها آمال الدين وتضل بإذاعتها مساعي الحكومة الإسلامية فيبطل به حق الله ورسوله ويعود ضرره إلى عامة المؤمنين.
فهذا النوع من الأمانة خيانته خيانة لله ورسوله وللمؤمنين فالخائن بهذه الخيانة من المؤمنين يخون الله والرسول وهو يعلم أن هذه الأمانة التي يخونها أمانة لنفسه ولسائر إخوانه المؤمنين وهو يخون أمانة نفسه، ولن يقدم عاقل على الخيانة لأمانة نفسه5.
ومن هنا تكون المسؤولية عظيمة على من يتولى أمور الناس وأمور المسلمين مهما كانت المسؤولية التي يتولاها صغيرةً أو محدودةً.
فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه حتى يسأل الرجل عن أهل بيته6.
v من مصاديق الخيانة
1- خيانة العهد والميثاق:
من أنواع الخيانات التي تعم بها البلوى بين الناس خيانة العهد والميثاق، وهذا العهد إما أن يكون مع الله عز وجل، كما لو عاهد الله على أن يترك أمراً أو يقوم بأمر ولكنه تخلّف عن ذلك، فإن الوفاء بالعهد لازم والنكث به خيانة. بل من أعظم الخيانة هو أن ينقض الإنسان عهد الطاعة هذا لله عز وجل فيطيع الشيطان، قال تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾7.
وإما أن يكون مع سائر الناس سواء كانوا مؤمنين أو كافرين، وسواء كان على مستوى شخصي فردي أو على مستوى طائفة من الناس وفرقة منهم وقد ورد في عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر قال: وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدةً، أو ألبسته منك ذمةً، فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالأمانة، واجعل نفسك جنةً دون ما أعطيت، فإنه ليس من فرائض الله شيء الناس أشد عليه اجتماعاً مع تفرق أهوائهم، وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود8.
2- خيانة الأمانات المادية:
مما أكدّت عليه التعاليم الإسلامية الحرص على أداء الأمانة التي يحملها الإنسان من مال غيره، فعن الإمام الصادق عليه السلام: يجبل المؤمن على كل طبيعة إلا الخيانة والكذب9.
بل وحذرت الروايات من الآثار الدنيوية لخيانة الأمانة المادية فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: لو أن أحدكم هرب من رزقه لتبعه حتى يدركه كما أنه إن هرب من أجله تبعه حتى يدركه، من خان خيانةً حسبت عليه من رزقه وكتب عليه وزرها10.
ومظاهر خيانة الأمانات التي يأتمنك الناس عليها كثيرة فقد يضع أحدهم معك مالاً لتتجر له به على أن يكون الربح بينك وبينه، فتقوم بعدم إعطائه الربح كاملاً، بل تنتقص منه وتحتال لذلك بشتى الوسائل والطرق، وهذا نوع من أنواع الخيانة.
3- خيانة الحقوق:
مما ورد في الروايات وصفه بأنّه من الخيانة التقصير في أداء الحقوق، ولكي نوضح صورة الخيانة في هذا المجال لنلحظ العناوين التالية:
v عدم كتمان السر
قد يضع أحد إخوانك سره عندك، فخيانته تكون بإفشائه بين الناس، مهما كان هذا السرّ صغيراً، بل حتّى لو أخبرك بأمر ولم يطلب منك أن تخفيه ولكنك كنت تعلم أنه يكره إظهاره فقد ورد في الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: المجالس بالأمانة، وإفشاء سر أخيك خيانة، فاجتنب ذلك11.
v التقصير في أداء حق أخيك
إذا انعقدت الأخوة بين المؤمنين فلا بد من الوفاء بهذا العقد، وكل ما يكون تقصيراً في أداء حق الأخوة يكون نوعاً من الخيانة.
فقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: أيّما رجل من أصحابنا استعان به رجل من إخوانه في حاجة فلم يبالغ فيها بكل جهده فقد خان الله ورسوله والمؤمنين12.
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام لأبي هارون المكفوف: يا أبا هارون، إن الله تبارك وتعالى آلى على نفسه أن لا يجاوره خائن، قال: قلت: وما الخائن؟ قال: من ادخر عن مؤمن درهماً أو حبس عنه شيئاً من أمر الدنيا13.
v عدم النصيحة للمستشير
قد يلجأ أحدهم إليك ليسألك عن أمر من الأمور، ويطلب منك أن تنصحه وترشده إلى ما فيه الخير له، وهو يأمل منك أن تكون دليلاً له ينقذه من الوقوع في الهلكات، ولكنك لا تخلص له النصيحة أو ترشده إلى غير ما فيه خيره وصلاحه، وهذا من مصاديق الخيانة فقد ورد في الرواية عن الإمام علي عليه السلام: خيانة المستسلم والمستشير من أفظع الأمور، وأعظم الشرور، وموجب عذاب السعير14.
الكتاب: منازل الآيات
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين