اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مكائد الشيطان وتسلطه على الإنسان
4- يدعو الإمام زين العابدين عليه السلام في دعاء أبي حمزة الثماليّ: "اللّهم!.. وأعوذ بك من بطنٍ لا يشبع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن دعاء لا يُسمع"، الأمر الّذي يجعلنا ندرك جيّداً أنّ من مكائد الشيطان حثّنا على كثرة الأكل والإفراط فيه،فضلاً عن كثرة النوم والفراغ..
لأنّ كلّ ذلك يؤدّي إلى فساد النفس وما يترتّب عليه من قسوة القلب وموته.
ولهذا، دعونا نستيقظ من الغفلة ونحيِ قلوبنا بإمعان بصائرنا في إرشادات أولياء الله تعالى ووصاياهم لنا.. نعم لنا يُوجّه الخطاب لا للجماد والحيوان.. خطاباً يُحذّرنا كلّ التحذير من مساوئ البطنة والشبع وما ينتج عنهما، فأمعنوا النظر فيها بعين القلب والتأمّل بعين العقل ولو قليلاً:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تُميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، فإنّ القلب يموت كالزرع إذا كثُر عليه الماء"36.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "جاهدوا أنفسكم بقلّة الطعام والشراب، تُظلّكم الملائكة ويفرّ عنكم الشيطان"37.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم - أيضاً- قال: "لا تشبعوا فيُطفأ نور المعرفة من قلوبكم"38.
وقال السيّد المسيح عليه السلام: "يا بني إسرائيل، لا تُكثروا الأكل، فإنّه من أكثر الأكل أكثر النوم، ومن أكثر النوم أقلّ الصلاة، ومن أقلّ الصلاة كُتب من الغافلين"39.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "ليس شيء أضرّ لقلب المؤمن من كثرة الأكل، وهي مورثة لشيئين: قسوة القلب، وهيجان الشهوة"40.
وعنه عليه السلام - في حديث جرى بين النبيّ يحيى عليه السلام وإبليس-: "فقال له يحيى عليه السلام: ما هذه المعاليق؟
فقال إبليس: هذه الشهوات الّتي أُصيب بها ابن آدم،
فقال عليه السلام: هل لي منها شيء؟
فقال إبليس: ربما شبعت فشغلناك عن الصلاة والذكر.
قال عليه السلام: لله عليّ أن لا أملأ بطني من طعام أبداً.
وقال إبليس: لله عليّ أن لا أنصح مسلماً أبداً..
ثم قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: "لله على جعفر وآل جعفر أن لا يملأوا بطونهم من طعام أبداً، ولله على جعفر وآل جعفر أن لا يعملوا للدنيا أبداً"41.
ثم إنّه لا يجوز التبذير والإسراف في الطعام، لكي لا نكون مصداقاً لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورً﴾42.
لنسأل أنفسنا كم هو حجم فظاعة التبذير والإسراف على موائدنا؟ لا سيّما في شهر التدرّب على الاقتصاد والتدبير (لا التبذير، انتبه!) في شهر رمضان.. لا سيّما عندما يحلّ علينا مسؤول من هنا أو صاحب مكانة مرموقة في المجتمع من هناك!
حينها تقع المصيبة الكبرى، حين نشكو لله تعالى سوء فقرنا وفاقتنا!
وكأنّنا لم نقرأ أو نسمع قول أمير المؤمنين عليه السلام: "التبذير عنوان الفاقة"43.
وكأنّنا لم نُردّد في سَحَر ذلك الشهر الكريم، دعاء أبي حمزة الثماليّ: "اللهمّ!.. إنّي أعوذ بك من الفقر والفاقة".
نعم، لا بُدَّ أن نُدرك جيّداً أنّ هناك فرقاً بين أن نُنفق أموالنا فيما يُرضي الله تعالى كالإنفاق على الجهاد في سبيل الله تعالى وإعلاء كلمته، وبين الإنفاق على شيء فيغير طاعة الله، كالإنفاق على إحياء ليلة رأس السنة الميلاديّة والاحتفاء بها بمختلف الوسائل من زينة ولباس سهرة
ورقص وغناء وخمور وغيرها..
هذا بدل أن نجعل من رأس السنة محطّة لإجراء جردة حساب فيما قدّمناه من طاعة مزجاة بين يدي الله تعالى خلال عام مضى من عمرنا المحدود، فضلاً عن محاسبة النفس على كلّ تقصير، واستغفاره من كلّ ذنب، وشكره في الوقت ذاته على توفيقنا إلى مرضاته عزَّ وجلَّ..
روي عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرً﴾: "من أنفق شيئاً في غير طاعة الله فهو مبذِّر، ومن أنفق في سبيل الخير فهو مقتصد"44.
هل أنا من حزب الله أم من حزب الشيطان؟
منذ تمرّد إبليس على الأوامر الإلهيّة، انقسم العالم إلى حزبين: حزب الله وحزب الشيطان.
أمّا حزب الله فهم أولئك السائرون على خطّ ولاية الله تعالى ورسوله وأهل البيت عليهم السلام، والمتمسّكون بنهجهم ومدرستهم، مدرسة القرب من الله سبحانه والتزام الطاعة وأداء التكليف الإلهيّ.. فرضيَ الله عنهم حينما قال: ﴿رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾45.
حزب الله هم أولئك الّذين تحدّث عنهم القرآن الكريم وبشّرهم بالفوز والنصر والفلاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾46.
وأمّا حزب الشيطان فهم أولئك البائسون الخاسرون المذنبون التائهون في ظلمات الدنيا وملذّاتها الفانية.. قال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾47.
حزب الشيطان هم أولئك الّذين: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾48.
هل سألنا أنفسنا يوماً إلى أيّ الحزبين ننتمي؟!
هل ننتمي إلى حزب الله أم ننتمي إلى حزب الشيطان؟
وإذا أردنا الجواب القاطع والحاسم وغير الملتبس، علينا أن نعود إلى المنبع الطاهر والفكر الأصيل فكر محمّد وآل محمّد عليه السلام، لنعرف نحن من أين وفي أين وإلى أين.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحبّ أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليوالِ عليّاً بعدي، وليعاد عدوّه، وليأتمّ بالأئمّة الهداة من ولده، فإنّهم خلفائي وأوصيائي... حزبهم حزبي، وحزبي حزب الله عزَّ وجلَّ، وحزب أعدائهم حزب الشيطان"49.
ويقول وصيّ النبيّ الإمام عليّ عليه السلام: "أيسرّك أن تكون من حزب الله الغالبين؟ اتّقِ الله سبحانه وأحسن في كلّ أمورك، فإنّ الله مع الّذين اتقوا والّذين هم محسنون"50.
وعنه عليه السلام: "عليكم بالتمسّك بحبل الله وعروته، وكونوا من حزب الله ورسوله، والزموا عهد الله وميثاقه عليكم، فإنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً"51.
وعنه عليه السلام: "طوبى لنفسٍ أدّت إلى ربّها فرضها... في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم، وهمهمت بذكر ربّهم شفاههم، وتقشّعت بطول استغفارهم ذنوبهم، أولئك حزب الله، ألا إنّ حزب الله هم المفلحون"52.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - في جَلَد رجل ونشاطه، لمّا قال أصحابه فيه: لو كان هذا في سبيل الله-: "إن كان خرج يسعى على وُلده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرةً فهو في سبيل الشيطان"53.
إذاً عندما نعرف كلّ هذا، وكيف السبيل إلى خطّ حزب الله، نكون في الوقت عينه تجنّبنا خطّ حزب الشيطان. عندها تُحدّد هويّتنا الحقيقيّة، كما يقول الإمام الصادق عليه السلام: "نحن وشيعتنا حزب الله، وحزب الله هم الغالبون"54.
كتاب مظاهر الرحمة